سنوات السيسي.. الحلقة الأولى: التركة الثقيلة (1-2)

الأربعاء، 20 سبتمبر 2017 12:39 م
سنوات السيسي.. الحلقة الأولى: التركة الثقيلة (1-2)
إيهاب عمر يكتب :

من أسوأ مشاكل مصر وما يطلق عليه الدول العربية والإسلامية بوجه عام، انها ذات مشاكل مزمنة، تمددت عبر العصور، حيث تصبح الازمات دائماً متراكمة وعاصرت عدداً من حكام، وفى كل ازمة هنالك من حاول لإصلاح الموقف ومن عزف عن ذلك ومن كان سبباً في تفاقم الازمة او سبباً في انكسارها.
 
وحينما تسلم الرئيس عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي المسؤولية من الرئيس عدلي منصور في 8 يونيو 2014، عقب انتخابه في 26/27/28 مايو 2014، لا يمكن ان نرسم صورة لما جرى في سنواته الأربع الأولى، دون النظر الى التركة الثقيلة التي ورثها، والتي في مجملها تركة مزمنة، عاصرت عدداً من الرؤساء والحكام السابقين.
 
وكانت أولى بنود هذه التركة هي انهيار الوعي المصري وذهابه الى غيبوبة عميقة، ولولا الفطرة السوية والارث الحضاري الكامن في جينات المصريين، لذهبت مصر الى سيناريوهات أسوأ مما جرى في سوريا والعراق وليبيا واليمن ابان الربيع العربي، بل ان بعضاً من مرددي عبارات الوعي الزائف والوعي الغائب هم من أصحاب الوعي الذي غاب.
 
واتت يناير 2011، لتكشف ان هنالك فريق من المصريين في طبقة عليا لم يكن يعرف معدلات الفقر في مصر او على الأقل واقع طبقة فقيرة مطحونة في مصر، واحسب ان قسماً من هذه الطبقة حتى اليوم ليس لديه تصور كاف عن وجود هؤلاء في مصر اصلاً، بينما هنالك طبقة متوسطة تظن او تدعى فقراً، دون معرفة ان هنالك طبقة مطحونة موجودة في بلادنا، وحتى الان – عام 2016 – تجد مصريين بل ويعملون في مؤسسات رئيسية او في مجالات الصحافة و الاعلام والثقافة، يتفاجؤون ان أزمات طوابير الخبر واسطوانات الغاز بل وجراكن المياه في بعض المحافظات كانت ظاهرة حاضرة في سنوات حسني مبارك الأخيرة.
 
بل وجرت اشتباكات في أكثر من محافظة حول هذه الخدمات التي يفترض ان توفرها الدولة ما أسفر عن سقوط قتلى، والأكثر ابهاراً ان هذه الحوادث لم يحدث لها تعتيم اعلامي، بل كان هنالك في سنوات مبارك العشر الأخيرة سيولة إعلامية وصحفية طالما حذرنا منها، وكانت تنظيمات قطر والغرب الإعلامية تجوب البلاد بحرية تامة، علماً بأن الأغلبية الساحقة من العناصر المحلية العاملة في هذه التنظيمات الأجنبية كانوا أبناء تنظيم الاخوان.
 
وغياب او انهيار الوعي المصري كان نتيجة طبيعية لسوء معالجة ملف التربية والتعليم في مصر منذ 23 يوليو 1952، حتى أصبح الفرد كلما تعمق في نظامنا التعليمي كلما زاد جهلاً وتسطيحاً، ثم انسحبت الدولة في سنوات مبارك من القطاع الصحفي والثقافي باستثناءات قليلة وتم تسليم هذه القطاعات للاشتراكيين والناصريين والاخوان، ظناً ان هذا الامر يعني احتوائهم، بينما في واقع الامر ان الدولة سلمت عناصر المؤامرة منصات ملء الوعي المصري وبرمجته على روايات كاذبة معادية لتاريخ مصر والقومية والهوية المصرية.
 
تسميم التعليم وترك ساحات البحث العلمي والتاريخي والاثار والثقافة والصحافة والفكر دون ان يكون للدولة ظهير فاعل في هذه الساحات اللهم بضعة موظفين دون تأثير حقيقي لهم في هذه المجالات، ما جعل المؤامرة ضد الدولة المصرية تجد حواضن رحبة في الوعي المصري المضلل.
 
ان خطورة الوعي الزائف انه لا يكتفى بلعب دور المحايد في أوقات الحرب، ولكنه نظراً للتغييب يلعب دور العدو في أوقات الحرب، مثل هؤلاء الشباب الذي فات الدولة ان تدرس لهم تاريخ إرهاب الإسلام السياسي وكانت النتيجة ان وجود عناصر من جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية والاخوان المسلمون في ميدان التحرير تم النظر اليه باعتباره وحدة وطنية في وجه سلطة ديكتاتورية في زمن ثوري!، او ان وصول جماعة ليست محلية بل يتحكم فيها تنظيمها الدولي لسدة الحكم والبرلمان والدستور يعتبر فعلاً ثورياً!
 
وبالتالي فإن غياب الوعي وتسميم التعليم يجبر كل سلطة تحكم مصر الى حين اصلاح التعليم والمسار الثقافي والصحفي والإعلامي ان تقدم شرح مكثف ودوري وعاجل للرأي العام المصري عن كل خطوة تجري، ما يرهق الدولة المصرية، ثم ان الكارثة تصبح مضاعفة في بعض الأحيان حينما لا تملك الدولة المصرية اصلاً العنصر الكفء لتقديم خطوات الدولة بصورة مقبولة لوعى مضلل.
 
هكذا كان البند الأول في التركة الثقيلة، وسط ثقافي واعلامي وصحفي مشوه، وعملية تعليمية تفرز جهلاً مقدساً، ووعى تم تجنيده لصالح المؤامرة على مصر.
 
وكان البند الثاني هو تجارب اقتصادية تتنافس في الفشل بجدارة، في سنوات عبد الناصر تم تأميم القطاع الخاص وقطع قنوات الاستثمار الأجنبي بدعوي ان القطاع الخاص اقطاعي ورجعي وعميل، والاستثمار الأجنبي يجعلنا دولة تابعة لجواسيس الاستثمار الأجنبي، وبدلاً من معاقبة رجل الاعمال او ملاك الأراضي الذين تجاوزوا بحق القانون، تم معاقبة طبقة اجتماعية كاملة، وهكذا بجرة قلم تم نسف الاستثمار المحلي والاجنبي والرأسمالية الوطنية والقطاع الخاص بدعوى الوطنية ورفض التبعية للغرب.
 
وعقب اقل من 30 عاماً على التحول الاشتراكي، اتى التحول الرأسمالي او التوجه الى الليبرالية الاقتصادية، هكذا نكتشف بغتة ان الاستثمار الأجنبي ليس بهذا السوء، وان القطاع الخاص امر منطقي، وبين هذا وذاك هنالك طبقات من الشعب سحقت يوم صودرت أموالها، وتغيرت خصائصها يوم استقبلت ثروة مباغتة لم تحسن ادارتها، ما خلق تشوه اجتماعي لا يزال يطل برأسه حتى اليوم، اذ للإصلاح الاقتصادي آثار اجتماعية لا يفكر بها اهل السياسية، وان الثروة المباغتة او الفقر المباغت يحمل اثار مدمرة للمجتمع.
 
ومثلما اتى التحول الاشتراكي عقاب جماعي، دون البحث عن المخطئ فحسب ليتم محاسبته، اتى التحول الرأسمالي ايضاً عقاب جماعي، وتحديداً عبر شلة لجنة السياسات خلال وزارتي عاطف عبيد واحمد نظيف، تم بيع الأغلبية الساحقة من القطاع العام، وفتح الباب امام صعود قطاع خاص جديد، لا يفعل شيء الا استيراد اسوا منتجات العولمة الامريكية، وتصدير أفضل الخامات المصرية.
 
تم جنى 36 مليار دولار من بيع القطاع العام، بينما البعض حتى اعتي معارضي نظام مبارك والتوريث يشيدون بالتجربة الاقتصادية للجنة السياسات وان الاحتياطي النقدي كان احدى ثمراتها، بينما تلك المليارات في واقع الامر ثمن بخس للقطاع العام الذي تبدد وكرمة الالاف من المصريين التي سحقت تحت مطارق الخصخصة.
 
للمرة الاولي في تاريخ مصر الذي يمتد الى 10 الاف سنة مصر تستورد طعامها وكسوتها، وقد لجأ عباقرة الاقتصاد في لجنة السياسات الى الحل المبهر، سوف نعتمد على السياحة في منطقة بها حروب مزمنة، وهي سياحة قادمة من جهات غربية يمكن في لحظات ان تتآمر عليها وتقطع السياحة، وسوف نعتمد على قناة السويس، وهي معبر مائي ايضاً في منطقة حرب دائمة، وعبر السياحة وقناة السويس سوف نجلب الدولارات اللازمة لشراء كل شيء من الخارج، فالقطاع الخاص ما هو الا استيراد اسوأ المتاح وتصدير افضل الموجود.
 
وقد فات على من تلاعب بالأمن القومي الصناعي والغذائي المصري وقتذاك ان مصر دولة لها خصوصية معينة فلا يمكن ان تعتمد على الاستيراد، او القطاع الخاص في انتاج احتياجاتها فحسب، وان هنالك العديد من الدول الرأسمالية التي تمتلك مؤسسات منتجة ناجحة، وان علاج الذهاب الى اقصى اليسار الاشتراكي ليس معناه الذهاب الى اقصى اليمين النيوليبرالي.
 
حاولنا باسوا نسخ النيوليبرالية او نعالج أخطاء اسوا نسخ الاشتراكية، لم يحدث في تاريخ مصر مهد الثورة الصناعية الأولى والفكر الرأسمالي ان كنا نعتمد على قناة السويس والسياحة فحسب، لم يكن هذين البندين الا اخر بندين في مصادر الدخل الأجنبي المصري!
 
وهكذا أصبح مجرد قنبلة او وابل من الرصاص في شمال سيناء قادر على قصم ظهر السياحة المصرية، او ان تلعب شبكات المصالح الغربية لعبة تباطؤ حركة التجارة من الشرق للغرب والعكس حتى تقل إيرادات قناة السويس ووقتها نجد مصر غارقة في أزمات اقتصادية، وبالفعل منذ عام 2005 بدأت عناصر تنظيم القاعدة تتوافد على شبه جزيرة سيناء وتبدأ العمليات الإرهابية هنالك حتى اليوم.
 
وكان يفترض لخطة الإصلاح الاقتصادي المقبلة ان يتم بيع الباقة المتبقية من القطاع العام تحت مسمي الصكوك الشعبية، على ان يكون المقابل هو رفع الدعم كاملاً ودفعة واحدة، ثم تفكيك الجهاز الإداري للدولة بدعوي التحديث والهيكلة وفتح باب المعاش المبكر، ولكن الرفض الشعبي لفكرة الصكوك في الأشهر الأخيرة من حكم مبارك أدى الى تأجيل باقي مشروع الإصلاح الاقتصادي.
 
وهكذا، ضمت التركة ذلك الوعي الزائف الذي تم تسليمه للمؤامرة، واصلاح اقتصادي تمختر من الاشتراكية للرأسمالية بشكل خاطئ، بدد الأمن الغذائي والصناعي المصري، وجعل اقتصاد وعنق مصر رهينة السياحة الأجنبية وحركة التجارة الدولية عبر قناة السويس.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة