عيب يا سيد "عمرو"

الخميس، 21 سبتمبر 2017 04:10 م
عيب يا سيد "عمرو"
صبرى الديب

 

يبدو أنه ترسخ في نفوس المصريين منذ عهود قديمة، عقيدة غريبة تسمى بـ عقيدة "هدم وتشوية القدوة" أصبحنا نمارسها بمهارة، لدرجة أنه لا يوجد زعيم أو رمز مصرى واحد على مر التاريخ، لم نطلق عليه سهام النقد والتشوية دون هدف، وبشكل حولنا معه كل حكامنا ورموزنا فى شتى المجالات إلى خونه وعملاء ولصوص، فى هوية غريبة لم ُيجيدها شعب على وجة الأرض سوانا

 

ولعل الغريب فى الأمر، أن سهام النقد والتشوية غالبا ما تخرج من ساسة، ورجال تقلدوا مناصب مرموقة، وعملوا فى اروقة السياسة لسنوات، ويدركون جيدا أن الحاكم دائما ما يراعى فى قراراته أبعاد قد لا تتضح فى الغالب لرجل الشارع العادى، مثل " الأمن القومى، والظروف الاقتصادية، والعلاقات الخارجية" وأن الأمانة تفرض عليهم وضع جميع تلك الضغوط فى اعتبارهم قد توجية سهام النقد والتشوية.

 

ولعل ما يحزن فى الأمر، أن تلك العقيدة جعلتنا طبقا لما هو ثابت فى النقوش الفرعونية القديمة، ُنقدم على تشويه كل إنجازات الحاكم الذى يرحل، وسرنا على ذات النهج على مر التاريخ، لدرجة أنه لم يسلم منا حاكم منذ العصور القديمة، مرورا يأسرة محمد على، وانتهاء بالرؤساء نجيب وعبدالناصر والسادات ومبارك والسيسى.

 

وامتدت عقيدة "هدم وتشوية القدوة" فطالت للأسف، كل ورموز السياسة والعلم والدين والفن والأدب والرياضة، لدرجة انه لم يسلم منا على سبيل المثال لا الحصر " عرابى ولا زويل ولا الشعراوى ولا هيكل، ولا مصطفى أمين، ولا نور الشريف  ولا طه حسين ولا صالح سليم" وغيرهم.

 

لدرجة، أن بعض ما يقال احيانا يصيب المتابع بالصدمة من هول "تفاهته" وهو ما ينطبيق تحديد على النقد الذى وجهة الأمين العام السابق للجامعة العربية "عمرو موسى" من انتقادات مؤخرا للرئيس الراحل "جمال عبدالناصر".

 

لقد قص لى الفريق "فؤاد عزيز غالى" أحد رجال العسكرية المصرية الافذاز، وقائد قائدا للفرقة 18 مشاة التابعة للجيش الثانى الميدانى، التى حققت أكبر عمق استراتيجى فى سيناء أثناء حرب أكتوبر ـ رحمة الله عليه ـ روايه، منذ أكثر من 30 عاما، أذكرها لأول مره، حتى نتعلم كيف تقدر الدول قادتها ورموزها، وتظهرهم فى أبهى صورة، لتحفيز الشباب والأطفال من الأجيال القادمة.

فقد قالى لى الفريق غالى رحمه الله : " عندما أرسلنى الرئيس السادات إلى تل ابيب ضمن وفد للتمهيد لمحادثات السلام مع إسرائيل فى عام 1977، أقام الإسرائيليون لنا مساء يوم الوصول، حفل استقبال ضخم نقلة التليفزيون الإسرائيلي على الهواء مباشرة، وفوجئنا فى بداية الحفل انه اصطف أمامنا مجموعه من الرجال تعدت أعمارهم جميعا الستين والسبعين عاما، وإذا بهم يبدون فى تقديمهم لنا واحدا تلو الآخر، أمام كاميرات التليفزيون التى كان يتابعها كل الاسرائيليين نظرا لاهمية حدث".

 

وبدأ وزير الدفاع الإسرائيلى فى تقديم هؤلاء الرجال لنا قائلا: "هذا هو القائد فلان الذى قام بالعملية الفلانية ضدكم فى حرب 56،  وهذا القائد فلان الذي قام بعملية كذا ضدكم فى حرب 67، وهذا فلان، وهذا فلان، إلى أن انتهى من تقديمهم جميعا، ثم قال:هؤلاء هم كل القادة الذين مازالوا على قيد الحياة من القيادات العسكرية الإسرائيلية التى خاضت حروب ضدكم، ولم يتخلف منهم سوى القائد فلان الذى يرقد بالمستشفى مريضا، ونستأذنكم أن نقوم جميعا بزيارته فى المستشفى غداً"

 

وتسأل الفريق غالى ـ رحمه الله ـ قائلاً : "انظر كيف يقدرون قادتهم ورموزهم أمام الأجيال الجديدة، وانظر كيف سيكون واقع مثل هذا التكريم على الشباب والأطفال؟".

 

فعلى الرغم أن الصينيين هدوموا وازالوا كل المبادىء والنظريات التى وضعها "ماو تسى تنج" إلا انهم مازالوا يذكرونه كـ "زعيم" ولم يخرج سياسى ليتهمه دون هدف بعد نحو 50 عاما من وفاته، انه كان لصا، أو شاذا، أو عميلا، أو يستورد اغذية خاصة بـ الرجيم من سويسرا.

 

للأسف هذا هو واقعنا الذى شوهنا فيه كل رموزنا، وهذا هو واقع العالم، ولا عزاء لـ "عمرو موسى"  وكل الطامعين فى "شو اعلامى" فى مقابل "تشوية وهدم قامات".

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة