الفخ الذي نصبه عمرو موسى بـ«يمينه»

الجمعة، 22 سبتمبر 2017 07:01 م
الفخ الذي نصبه عمرو موسى بـ«يمينه»
عمرو موسى
عبد العزيز السعدني

تناقضات بين الزيف و«الأنا».. الدبلوماسي المخضرم صوّر مبارك ملاكًا بريئًا.. وجعل نفسه السائق الرئيسي لمصر
«موسى» لم يلُم مبارك إلا بعد مؤتمر شرم الشيخ 2000 «بداية الصدام»
اعترف أن مبارك فقد «سيفه» في العقد الثالث من حكمه.. وقال في 2010: «إن رشح نفسه سأصوت له» 
 
فخ؛ لو اجتمع كل الساسة المصريين والعرب وغيرهم على نصبه له، لن يقدروا كما فعل هو- عمرو موسى- بـ«يمينه»!
دبلوماسي محنك.. رجل قادر على حياكة جميع الخطوط بألوانها المختلفة ومقاديرها، يعرف مقدار كل كلمة وموعد خروجها ومدى صداها، يعرف ما له وما عليه.. لا ينطق جزافًا، بل لا يستخدم حركة يديه- أيضًا- جزافًا.. لم يكن يعلم الدبلوماسي المخضرم أنه من سينصب- بيمينه- الفخ بمقاس مُعين لا يليق إلا عليه.. فخ انتظره أكثر من 6 سنوات.. نصبه بـ«عنجهية» دخان سيجاره المتصاعد من فم «طاووس» يأبي الخشوع.
 
لن أرصد في هذه السطور علاقة السياسي المخضرم بـ«عصري الزعيمين جمال عبد الناصر والسادات»، معتمدًا على ما ذُكر في مطلع أوراق الكتاب، الصفحة رقم 9، وتحديدًا الجزء الأخير من السطر الخامس، التقديم- كتبه إبراهيم المعلم- يقول: «والتي يعرض فيها شهادته ورؤيته لبعض الأحداث التاريخية البارزة في مصر والعالم العربي، ليس من موقع المراقب أو المشاهد ولكن من موقع الفاعل السياسي المشارك في صنع الأحداث»!
 
قبل البدء في السرد نعيد هذه الجملة: «ليس من موقع المراقب أو المشاهد، ولكن موقع الفاعل السياسي المشارك في صُنع الأحداث».. إذن لنبدأ بعصر المخضرم- كما رآه المقربون في هذه الفترة- الذهبي، بعد أن أخبره مبارك- دون مقدمات- في حديقة منزله بمصر الجديدة وأمامهما فنجانين من القهوة (السادة): « اسمع يا عمرو.. لقد قررت تعيينك وزيرا للخارجية.. التعديل في الوقت القريب».
 
«فاتحة الخير» بدأت بالغزو العراقي للكويت لتقارب بين عمرو موسى ومبارك؛ عندما استدعته الرئاسة بشكل مباشر للعمل مع الرئيس والدكتور أسامة الباز المستشار السياسي، ويجلسان- هو والباز- خلف مبارك في هذه الجلسة الطارئة التي دعا لها مبارك بنفسه في مؤتمر صحفي.  
 
أثبت أن التعليم ليس مقياسًا لدبلوماسيته؛ ظهر جليًا عندما حصل في الثانوية العامة على مجموع 58.8%، وكان التنسيق- وقتها- لكلية الحقوق تقبل الطلاب الجدد بحد أدنى 60%، أي ينقصه 1.2%، فذهب لوكيل الكلية ليحاول أن «يستسمحه» في قبول أوراقه الذي وبخه: «مش قادر تجيب 60%، دا أنت خيبان بقى»، وطلب منه الانتظار يومين إلا أن الشاب- وقتها- «موسى» قال: «ولماذا أنتظر والأمر عند فضيلتك.. والفصل بين يديك».. ومن هنا وافق محمد أبو زهرة، وكيل الكلية، على تسجيله.
 
موقف آخر، بعد تخرج «موسى» من كلية الحقوق، عمل محاميًا تحت التمرين، وكان كل ما يفعله الاجتهاد لتقديم مبررات أمام هيئة المحكمة لتأجيل الجلسات، فيحكي أن أحد القضاة تنبأ له بأن يتصدر مجال المحاماة في مصر وقد يصبح وزيرًا للعدل في يوم من الأيام. 
 
نعود لبداية التقارب.. فرصة، اقتنصها عمرو موسى بحرفية لسانه وصحوته الدبلوماسية وجاهزية عقله على رد الفعل، والتي لفتت نظر مبارك إليه، وفي باكر أحد الأيام، اتصال هاتفي لـ«موسى» يبلغه بالحضور للقصر الرئاسي لحلف اليمين. 
 
وهنا موسى الذي وصف عبد الناصر والسادات في ديكتاتورية اتخاذ القرار دون الرجوع لأحد، يعترف في كتابه، بأنها تعتبر أول مقابلة بينه وبين عاطف صدقي رئيس الوزراء وقتها، قائلا: «وصلت فوجدت رئيس الوزراء الدكتور عاطف صدقي فرحب بي، وعبر عن سعادته بعملي معه وانضمامي لحكومته، وكانت هذه المرة الأولى التي نتحدث فيها في هذا الأمر.. أي إن رئيس الوزراء المكلف لم يقابلني أو يتحدث إليّ في أمر الانضمام لحكومته إلا وقت أداء اليمين الدستورية.!»، واكتفى موسى بعلامة تعجب فقط.
 
صدفة انتهت بحلف اليمين الدستورية، وهنا بقيت «عَقَبَة» وحيدة أمامه تصرف وقتها بصبرٍ، وهي بطرس غالي، بدأت باجتماع عقده الثاني في مقر الوزارة يعلن منصبه وكيفية العمل في الأطر التي حُددت له، ما أثار غضب الأول. 
 
وجاءت اللحظة الفارقة التي جعلت «موسى»، الرجل الذي لمع في عهد مبارك، فمع اقتراب موعد قيام الرئيس بزيارة رسمية إلى بريطانيا، هي الأولى من نوعها، حيث سيتم استقباله فيها استقبالا رسميا، وسيقيم في قصر باكنجهام هو وزوجته، ووزير الخارجية وزوجته. 
 
كان الموعد المحدد لهذه الزيارة يوم 23 يوليو 1991م، أي بعد شهرين من تعيينه وزيرا للخارجية؛ قال غالي لمصطفى الفقي: «بلغ الرئيس يا مصطفى إنه بعد كل هذه السنوات التي قضيتها في وزارة الخارجية، أُحب أن أكون أنا الموجود معه في زيارتكم لبريطانيا، فكان جواب مبارك على هذا الطلب: «لا.. أنا عندي وزير خارجية جديد الآن، ولابد من تقديمه للدول الكبرى».
 
يقول «موسى»: «كان ينظر إليّ باعتباري أول وزير من جيل جديد، هو الذي اختاره ودفع به لتولي مواقع القيادة؛ فالسنوات العشر الأولى من موقعه في رئاسة الجمهورية، والتي سبقت وصولي لهذا المنصب، كان يعتبر القائمين على وزارة الخارجية قبلي ينتمون إلى العصور السابقة، وأنهم لمعوا في عصر الرئيس السادات».
 
«موسى» في صفحات الوصف لمبارك، جعله- بالنسبة لسابقيه- ملاكًا بذنوب قد تُغفر له؛ الأقل خطأ، الأقل ذنبًا، الأقل ديكتاتورية، الأقل في كل شيء قد يراه المواطن سيئًا؛ فيصفه تارة: «والواقع أن حسني مبارك كان رجلا وطنيا ومصريا (حدق) ومنوفيًا بكل معنى الكلمة، لم يكن من السهل خداعه». 
ويبرئه تارة أخرى: «وبالطبع يعلم بحجم الفساد المستشري وأعتقد أنه كان يحاول تحجيم هذا الفساد، خاصة على مستوى الوزراء وذويهم، وكم من مرة تحدث مع هذا الوزير أو ذاك عن فساد أولادهم (وكفاية كدة) كما يقول لهم». 
 
فلاش باك يفصله 6 سنوات عن ميلاد الكتاب.. في فيديو بعنوان «عمرو موسى يتحدث عن مبارك وابنه جمال»، على موقع يوتيوب، منشور بتاريخ 20 فبراير 2011، لإحدى حلقات برنامج الكاتب الصحفي سليمان جودة «خط أحمر» المذاع قبل الثورة على قناة دريم 2، مقطع يبدأ بصوت عمرو موسى الجهور «أتوقع أن يرشح الرئيس مبارك نفسه في الانتخابات المقبلة 2011»، فيبادره «جودة»: «لو لم يرشح الرئيس مبارك نفسه ورشح الحزب الوطني...؟»، فقاطعه قبل أن يكمله: «لا أجيب على تساؤل يبدأ بـ(لو)».
 
فيديو مقتطف مدته دقيقتان إلا 3 ثوانٍ، يحاول جودة أن يتحايل عليه بعد أول صدٍ من الدبلوماسي المحنك، فيباغته: «طب كيف ترى جمال مبارك؟»، يحرك يديه بدبلوماسية رجل يعرف جيدًا كيف يظهر لياقته وسلاسة ألفاظه ويجيب: «أنا أراه راجل من الناس المسؤولين في الحزب الوطني الملتزمين بمبادئ وسياسة الحزب الوطني.. وبس؛ أنا أعرفه طبعًا شخصيًا راجل لطيف وشاب شاطر وكفء.. إنما نيجي لموضوع الترشيح لما يجي وقته، ده كله دردشة في الصحف، الراجل لا قال إنه هيترشح ولا طرح ترشيحه، وأنا شايف إن الرئيس- يقصد مبارك- سيرشح نفسه إذن لا داعي للحديث عن أي مرشح». 
 
يحاول «جودة» أن ينصب الفخ: «نفترض ترشح البرادعي!».. فقاطعه مرة ثانية: «لو ونفترض.. كلمتين ما أردش عليهم.. لأن لا داعي للحديث أو الكلام عن افتراضات.. وأنا إن رشح الرئيس مبارك نفسه فأنا أصوت له.. أنا بقولك أهو يرشح الرئيس مبارك أنا أصوت له.. شوف طالما الرئيس مبارك سيرشح نفسه، وأنا أعرفه كويس من خلال طريقة إدارته للأمور، إذن أنا أصوت له».. كررها 4 مرات!!
 
نعود لما أتاه- إذا صدق- «موسى» بيمينه، ألمح في طيات صفحاته إلى أن مبارك كان رئيسًا يعي كل ما يدور حوله متحكمًا في زمام الأمور ومتابعًا جيدًا وفاعلاً حتى بداية العقد الثالث من حكمه، ما يعني أنه لا يستحق أن يرشح نفسه في انتخابات 2011، والذي أكد «موسى» في مقابلة سليمان جودة، أنه إذا ترشح سيصوت له!.. يصوت لرجل فقد زمام الأمور بداية من الألفينات!.. كيف لسياسي مخضرم- وإن كان منصبه جعله في موقف حرج- أن يسمع لنفسه بتأييد رجل في آواخر 2010 بالترشح لولاية جديدة، ويأتي في «كتابه» يبرر أنه فقد «سيفه» في عام 2000؟.. هل هناك تفسير لذلك؟!
 
ليست مقتطفات من كتاب «موسى».. يدفعك نحو النجاح ولكن في الوقت نفسه لا يجعل منك رجلا عظيما.. نفسيًا؛ تعريفه هو الجزء من شخصيتنا المكلف بمهمة تحقيق التوازن بين القوى المختلفة التي تواجهها نفسية الفرد، وروحيًا؛ هو التمثيل الخاطئ الذي نصنعه لأنفسنا، وبصفتك سفيرًا سابقًا لمصر في الهند؛ فيراه البوذيون أنه ليس سوى بناء عقلي، مجرد وهم يمنعنا من التحرر من أوهامنا، ويُشعرنا بأننا مركز العالم.. أما استثنائيًا؛ لا يمكنك الجزم بأنه «لا يوجد أنت والآخرون.. أنت والكون؛ عليك أن تعِ أنك جزء، ونحن جميعًا جزء من كل عظيم».
 
الفقرة السابقة هي تعريفات متنوعة لـ«الإيجو» أو «الأنا».. التي بدأت تسيطر وتملأ عيني المخضرم خلف نظارته دائرية العدسات، مألوفة على وجهه، ولمن رأوه.. لا أحد يستطيع أن ينكر حجم سيطرته على زمام الأمور خارجيًا بشكل، جعله عينًا لمبارك في الخارج، ولكن عندما يصف نفسه بأنه السائق لكل الأمور بالخارج وأن مبارك مجرد (Cover) أو «واجهة» فقط؛ فيقول: «إذا قبلنا بمنطق من يقولون إن رئيس الجمهورية هو الذي يصنع وحده السياسة الخارجية، فإنني أقول: «إذا شبهنا السياسة الخارجية بسيارة، فإن وزارة الخارجية هي المحرك، وإطارات السيارة ربما تصنع في مصنع آخر مثل المخابرات العامة، والتلميع والدهان قد يكون في وزارة أو أجهزة الإعلام، والرئيس هو Designer العام للسيارة شكلا وموضوعًا.. ووزير الخارجية هو سائقها الأساسي». 
 
لم يقتصر الأمر على ذلك، فالمخضرم، في صفحات كتابه لا تجد سوى تفخيمًا أو إجلالا أو دورًا فاعلا لشخصه، مثل (الأنا التي تكررت أكثر من عدد صفحات الكتاب، والسيد عمرو موسى، وعندما كنت، عندما فعلت، وغيرها)، صفحات يخيم عليها «الأنا» بشكل مباشر وغير مباشر.
 
«ومين يشهد للعروسة».. هنا يتضمن الكتاب شهادة للعلاقة بين مبارك وموسى ينطق بها الدكتور مصطفى الفقي، ويقول: ««إن مساحة الحركة التي أعطاها الرئيس مبارك لوزير الخارجية عمرو موسى مساحة غير مسبوقة، لم يحدث أن منحها لأي مسؤول قبله أو بعده؛ لدرجةأنه دافع عنه عندما اشتكى بطرس بطرس غالي، الذي كان يعمل نائبا لرئيس الوزراء للعلاقات الخارجية ووزير دولة لشؤون الهجرة والمصريين في الخارج؛ ما اعتبره تهميشا من جانب موسى له في إدارة السياسة الخارجية لمصر.. قال مبارك بحسم: عمرو موسى هو وزير الخارجية ومعه كل الصلاحيات المرتبطة بهذا المنصب وهذه المسؤولية.
 
هذه المساحة الواسعة التي منحها مبارك لموسى سببها أن الرئيس كان يعتقد أن ما يحققه أو يفعله موسى من حضور ومبادرات يصب في مصلحة مبارك عربيًا ودوليًا، فضلا عن أن مبارك كان يحب في موسى: شخصيته المقتحمة والصريحة، وقدرته على أن يقول ما يخشى الآخرون أن يذكروه أمامه، فضلا عن أن شخصية موسى غير معقدة أو متجهمة، فبرغم جديته الشديدة فهو شخص مرح بشوش ويطرح المشكلات ويقدم لها الحلول».
 
«عنجهية» موسى- كونه وزيرًا للخارجية- جعلته يرفض لقاء وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية- وقتها- جيمس بيكر، في الفندق الذي سيقيم به أثناء الزيارة للقاهرة، وأصر على لقائه في مكتب الأول.. كيف يرى أن هذا الأمر- رغم أنه من المتعارف مقابلة الوزير الأمريكي في الجناح الذي يقيم به في الفندق- يأتي على كرامته، وعندما يتحدث عن كرامة «عبد الناصر» أو «عنجهية» السادات يراها ديكتاتورية.. هل نحن في بلد الوزير أكثر أهمية ومكانة من رئيسها؟!
 
قربه- المؤقت- من مبارك، جعله يتفنن في وصفه: «أستطيع أن أجزم بأن أحلام الزعامة التي راودت سابقيه كما راودت رؤساء عربًا، مثل صدام حسين والقذافي وغيرهما، لم تراود مبارك، لأنه قماشة أخرى، كان يعتبر (كل ده عك) بمعنى كلام لم ينته على خير، وفضل النأي بنفسه وبمصر عن ذلك، وكانت كلمته الأخيرة (نتفرج) على ما يحدث، فالقذافي أراد تزعم إفريقيا وأفسح له مبارك المجال، لم يكن مبارك مستعدًا أن يتحدى سوريا في لبنان، كان ذلك خارج حساباته تمامًا.. والأمور في فلسطين استقرت على تفهمات على خطوط معينة مع ياسر عرفات، وكان يعرف ما يريده الأمريكيون.. مبارك كان زعيمًا مهذبا، وربما انسحابيًا في بعض المسائل، وهو غير ما كنت أراه، حيث إن المسألة لم تكن فقط (عكًا) بل هناك شق سياسي يجب متابعته، بل كان على مصر مواجهة هذا (العك) وضبط الأمور، وهو ما نجحت فيه مصر كثيرًا برغم ذلك».
 
ويحاول الحديث مادحًا في مبارك: «قلع جاكته وحذاءه وبدأ يتجول في المحل مستمتعًا بتلك الحرية المؤقتة، وراح يقيس في الأحذية ويقلب في القمصان، لمحت في عينيه فرحة كبيرة جدا، مثل فرحة الطفل عندما يشتري ملابس جديدة؛ لأن الرجل كان محروما من متعة التسوق بنفسه».. حدث هذا في إحدى الزيارات إلى باريس وخرجا معًا للتسوق.
 
كظلم يوسف نبي الله مع امرأة العزيز.. قدم «موسى» كل هذه المبررات لجعله نبيًا ظلمه قومه؛ له الحق فدبلوماسي يتقرب من الرئيس، ويخرج معه، ويعرف أنه يفضل الجوارب (شرابات) متوسطة الطول، له كل الحق أن يراه ملاكًا! ويبرر أفعاله بدافع «العِشرة» أو «حفظ الجميل».. ولكن من مقابلة واحدة لعبدالناصر رآه «مقامرًا» بمصر.. وعلى سمعٍ من غيره رأى السادات مغامرًا بمستقبل مصر؛ فإن كان الاثنان غامرا أو- كما ادعى- قامرا بمصر.. ماذا فعل مبارك طوال 30 عامًا؟
 
شهور العسل توشك على الانتهاء بين المخضرم والرئيس المنوفي «مبارك».. ففي أعقاب  الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتحديدًا في مؤتمر شرم الشيخ 2000، في أحد الاجتماعات اعترضت مادلين أولبرايت، وزير خارجية أمريكا وقتها، صراحة على طريقة «موسى» في تسيير الأمور كرئيس للوفد المصري في الاجتماعات.. وقالت إن «عمرو موسى سيفسد العلاقة مع إسرائيل». 
 
وهنا يحاول- في مذكراته- «موسى» أن يبرئ نفسه ملقيًا اللوم على مبارك، فيقول: «تدخل مبارك بشكل غير مباشر لإبعادي، عن المؤتمر، وعقد اجتماعًا سريًا مع أولبرايت، دون إخطاره، وقبل الرئيس مقترحاتها في وقف القتال بين الفلسطينيين والإسرائيليين».
 
محاولاته في خروجه بصورة مشرفة لم تنته، فيقول: «علمت بموضوع هذه المقابلة، فتوجهت إلى الرئيس وأنا فى قمة الغضب. تحدثت بلهجة فيها شىء من الحدة، من دون أن أتجاوز حدود اللياقة. قلت: كيف يتم اجتماع مع وزيرة الخارجية الأمريكية دون حضورى؟ أليس من الطبيعى أن أكون حاضرا لاجتماع فيه نظيرتى الأمريكية، وأنه لابد وأن أكون فى الصورة كاملة مما يجرى؟.. احتد النقاش- وإن فى حدود- ثم غادرت الغرفة غير مقتنع، ولخروجى مسرعا أغلق باب الغرفة بقوة خلفى، فاعتبر المحيطون بالرئيس أن هذا كان استكمالا للهجتى الحادة معه، ولكن الواقع أننى خرجت دون أن أغلق الباب تاركا ذلك للحاجب الذى كان واقفا، ولم أعلم بأنه أغلقه بصوت مسموع ربما سببه تيار هواء».
 
ألقى موسى اللوم كاملا على «مبارك» في نتائج مؤتمر شرم الشيخ، واستعان بمذكرات كلينتون تحت مصطلح «الخطة الأمنية التي وضعها مدير المخابرات الأمريكية جورج تينت»، سياسي مخضرم يرى نفسه في بداية مذكراته بأنه السائق الرئيسي للعلاقات الخارجية والرئيس مجرد (cover)، يستعين بمذكرات من حاول- طوال صفحات الكتاب- إظهار أنه يكن لهم عداوة لا مثيل لها، ووطنية لم يحذو حذوه زعيمان ورئيس!
 
«عنجهيته» لم تهدأ، فهو يرى أنه كان يتوق إزاحته من على كرسي الخارجية بعد 10 سنوات وأن الوقت الذي قضاه- 10 سنوات- أصبح كافيًا!.. في الوقت الذي كان عمرو موسى حديث الشارع المصري، الشعبي قبل أولاد الذوات.. والدليل أغنية شعبان عبد الرحيم «بحب عمرو موسى.. وبكره إسرائيل».. وكان الرجل الألعمي حديث طلبة الجامعات- بحسب شهادة الصحفي خالد أبو بكر محرر هذه المذكرات- ودفاعه عن القضية الفلسطينية باستماته، ولم يتوقع أحد أن عمرو موسى سيرحل.. يحاول «المخضرم»أن يجعل نفسه المتنبئ بكل ما يحدث وما سيحدث، وأنه خُلق ليحدد مصائر الشعوب، وسياسات دول، وأدمغة رؤساء!
 
إذا قرأت كل ما سبق بعنايةٍ، تجد كمًا من التناقضات يتناسب طرديًا مع زيادة «الأنا» في الصفحات.. يبدو أن السياسي المخضرم عمرو موسى حتى يوم 15 مايو 2001، لم يستطع أن يفقد رونقه وأناقته ونظارته المألوفة وسيجاره الشهير، فيحكي: «كنت أعددت مكتبًا لوزير الخارجية في النادي الدبلوماسي، لاستقبال ضيوفي الرسميين، فذهبت يوم حلف اليمين الدستورية للوزير الجديد للجلوس هناك، حتى لا أكون في مقر الوزارة ويتم الإعلان عنه».
 
ويحكي بـ«عنجهية» الديك الرومي: «عدت إلى الكرسي الوثير، وضت ساقًا على ساقٍ، وأشعلت سيجاري، وبينما يتصاعد دخانه الكثيف في حجرة المكتب رحت أفكر وأتأمل...».. والصدفة البحتة تظهر له في أثناء إطلاعه على الصحف الصباحية ليجد تحقيقًا عن الريف والقرية المصرية (مجرد صُدفة).. ليستعيد ذكريات سنواته الأولى من (قرية مرحوم- غربية) و(بهادة- قليوبية).
 
بعد كل هذه الصدف يا سيد عمرو؛ أتمنى أن تقرأ الفقرة الآتية بعناية فائقة بعيدًا عن دخان سيجارك الذي يعيق عدستي نظارتك: «في مجلة بوسيتيف النفسية الفرنسية (رجل أعمال يقول لقد نجحت؛ لأنني أستطيع أن أقدم لعائلتي ما تريد.. فقال أحد علماء النفس: هل أنت متأكد أن هذا هو فقط ما تريده عائلتك حقًا؟.. ألا تريد منك المزيد؟ مزيدًا من الاهتمام، مزيدًا من الإصغاء؟)».
 
4f131ffa-1b3e-4da2-a5c5-0ec032b0d48d (1)

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق