سنوات السيسي.. الحلقة الثالثة: الرئيس الضرورة

الأحد، 24 سبتمبر 2017 10:45 ص
سنوات السيسي.. الحلقة الثالثة: الرئيس الضرورة
إيهاب عمر يكتب:

في 3 يناير 2010، تولى اللواء عبد الفتاح السيسي إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع خلفاً للواء مراد موافي الذي أصبح محافظاً لشمال سيناء، وذلك بعد أن تدرج اللواء السيسي في العديد من المناصب داخل المؤسسة العسكرية المصرية العريقة، حيث خدم من قبل رئيسا لفرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع، وقائد فرقة مشاة ميكانيكية (الفرقة الثانية)، ورئيس أركان المنطقة الشمالية العسكرية، بالإضافة إلى قائد المنطقة الشمالية العسكرية، كما شغل منصب الملحق العسكري في المملكة العربية السعودية لفترة.
 
ويلاحظ أن السيسي الذي تخرج من الكلية الحربية عام 1977 لم يمضي حياته العسكرية كاملة في إدارة المخابرات الحربية بل تولى رئاسة الإدارة لمدة عامين وسبعة أشهر فحسب، ولا أعرف سبب الكتابات التي تروج للرئيس باعتباره ضابط مخابرات بينما هو ضابط عسكري قد تدرج وقضى سنواته في العديد من الإدارات العسكرية العتيدة، ولكن بلا شك هي محاولة لتغييب التاريخ العسكري للسيد الرئيس وحصره في إدارة المخابرات الحربية فحسب.
 
وقد عرف عنه حبه للقراءة، وتدينه والتزامه الأدبي والأخلاقي والديني، وتفكيره الدائم في مشاكل مصر وكيفية حلها، فلم يكن يوماً من الشخصيات التي حصدت رغد الحياة فعزل نفسه وتمتع بمزايا الحياة، وحتى اليوم يحرص الرئيس السيسي على معرفة رأى رجل الشارع ونبض الجمهور، ولم يكن ذلك إلا درساً تعلمه برؤية قائد الدولة المصرية قبل عام 2011 وهو يزداد عزلة عن رأي الشارع والشعب بينما الدائرة الضيقة تعطي تصورات أخرى.
 
وفي يناير 2011، كان اللواء السيسي هو أصغر أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة سناً، وهو المجلس الذي تولى حكم مصر في الفترة ما بين حكم مبارك ومرسي، ورغم صغر سنه ألا أنه كان يعتبر أهم مساعدي وأقرب المقربين من المشير حسين طنطاوي وذلك منذ عدة سنوات، ويعرف الحلقة الضيقة من المشير طنطاوي بوجه عام أن المشير كان يفضل أن يخلفه السيسي في منصب وزير الدفاع من قبل يناير 2011، وهو ما حدث لاحقاً بالفعل.
 
وقد عاصر السيسي الأحداث التاريخية داخل المؤسسة العسكرية، من محاولات شلة التوريث إقالة طنطاوي خلال يناير 2011، أو محاولة توريط الجيش في العنف حيال الشعب، وتشبث قيادة الجيش بأداء واجبها الوطني والخروج من محاولة الوقيعة بمصر في سيناريوهات تورط الجيش في العنف ضد ما يبدو اعلامياً انه تجمعات مدنية او توريط الجيش في انشقاقات سياسية او تحالفات حزبية، وتحديات اخري سوف يأتي وقت قريب ويفصح عنها، وقد تحملت القوات المسلحة كافة الاهانات والتطاول في هذه المرحلة وصمم ابطالها على العبور بمصر من مستنقعات المرحلة الانتقالية الأولى ثم حكم الاخوان وهو ما حدث بالفعل.
وفى 12 أغسطس 2012، تعرف المصريون للمرة الأولى على اسم وملامح اللواء عبد الفتاح السيسي، حينما أصبح القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي، وهو من مواليد 19 نوفمبر 1954، ويحمل نوفمبر 1954 ذكرى سيئة لتنظيم الاخوان يوم بدأ الرئيس جمال عبد الناصر في التخلص منهم عقب حادث المنشية في أكتوبر 1954، وللمفارقة ايضاً فأن 19 نوفمبر عام 2011 وافق بدء احداث عنف في منطقة وسط البلد أطلق عليها احداث محمد محمود.
وقد نفذ السيسي خطة خداع استراتيجي بحق الاخوان والثوار عامي 2011 و2012، جعلت الاخوان يظنون ان مدير المخابرات الحربية إسلامي الهوى، واستمرت الخطة حينما أصبح وزيرا للدفاع، قبل ان يقود الدولة المصرية للانحياز الى الثورة الشعبية في 30 يونيو 2013، وكما انخدع الشعب المصري في خطة الخداع الاستراتيجي التي قام بها الرئيس محمد أنور السادات قبل حرب أكتوبر 1973 وظنوه رجلاً ضعيفاً لن يحارب، فأن نسبة من الشعب المصري ايضاً ظنت قبل ثورة يونيو 2013 ان وزير الدفاع اخواني الهوى بالفعل.
 
وحينما انقشع غبار الثورة، وارتفعت وتيرة الإرهاب، كان هنالك شبه اجماع بين المصريين ان تجربة سنوات فوضى الربيع العربي قد اثبتت الحتمية التاريخية بأن من يحكم مصر يجب ان يكون من قلب المؤسسة العسكرية، او على اقل تقدير من داخل الجهاز الإداري للدولة، وهكذا تفهم المصريون اخيراً حقائق التاريخ وأصبح المزاج الشعبي يميل لتولى شخصية ذات تاريخ عسكري حكم البلاد.
 
ولكن لم يكن هذا الدرس التاريخي هو سبب اتخاد الرئيس السيسي لقرار الترشح من عدمه، ولكن الحاصل ان الأسماء التي طرحت على الساحة وقتها كانت لا تفيد نهج ثورة 30 يونيو بأى حال من الأحوال.
ففي البداية كان استبدال محمد مرسي بعبد المنعم أبو الفتوح شديد الشبه باستبدال الاتراك نجم الدين اربكان برجب طيب اردوجان، كلاهما إسلامي ولكن الأسلوب هو المختلف فحسب، وكلاهما – اى اربكان واردوجان – ذهب بتركيا الى فوضى أجبرت المؤسسة العسكرية على التدخل في حال اربكان وسوف تجبر نفس المؤسسة على التدخل يوما في حال اردوجان، اما محمد البرادعي فقد اختار ان يفر من المسؤولية حينما كان نائباً لرئيس الجمهورية ولم يتحمل مسؤولية الرئاسة أكثر من بضعة أسابيع.
 
وكان اختيار حمدين صباحي كوميدي للغاية، ليس لعلاقة النسب التي تربطه بالإخوان، او حقيقة ان صباحي طيلة تاريخه لم يدير مؤسسة واحدة بشكل ناجح سواء على المستوي الحزبي او الصحفي، وليس حقيقة ان صباحي طيلة تاريخه كان يفوز بأصوات الاخوان وان حزبه كان يفوز دائماً بصوت الاخوان وان حزبه لم يفوز يوماً بمقاعد انتخابية الا بصوت الاخوان واخرها عضوية حزب الكرامة في التحالف الديموقراطي من اجل مصر برئاسة حزب الحرية والعدالة الاخواني والذى خاص انتخابات برلمان 2011 – 2012 يوم شرعن المصريون 85 سنة إرهاب بتقليدها الكتلة الأكبر في البرلمان المصري، وكان لحزب الكرامة ستة مقاعد في هذه الانتخابات أتت كلها عبر أصوات صوتت للوائح الاخوانية.
 
وليست مشكلة صباحي انه – مثل الأغلبية الساحقة من رموز اليسار المصري – لديهم باع في الصداقة والرحلات المكوكية والسياحية مع انظمة صدام والقذافي وملالي إيران ومهرجانات المقاومة في لبنان بحضور قيادات حزب الله وحماس، ولكن المشكلة الأهم ان مصر لن تتحمل مرة اخري تجربة ازدواج السلطة وانه على رئيس الدولة المقبل – وقتذاك – ان يكون منسجماً مع مؤسسات الدولة وهو ما لم يتوفر حتى اليوم في أي مرشح مدني من خارج الجهاز الإداري للدولة خاصة القوات المسلحة.
والفريق احمد شفيق ما هو الا مجرد واجهة لشلة التوريث، سواء في توليه رئاسة الوزراء عام 2011، او ترشحه للرئاسة عام 2012، وحتى لو ترشح مجدداً، وبالتالي فأن الوطن لن يتحمل فكرة ان يدير وريث الحكم من خلف الستار مرة اخري، او استئناف مشروع التوريث او تكرار لعبة مراكز القوي عبر لجنة السياسات.
 
اما الفريق سامي عنان فكان بدوره وجه من الماضي، حال توليه السلطة فأن نشطاء المؤامرة قادرون على الحشد ضده بسهولة عبر استدعاء مشاهد المرحلة الانتقالية الاولي من ثلاث جولات عنف في محمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها، كانت مصر بحاجة الى قيادة جديدة كلية وليس أسماء لها سجل يمكن ان يتلاعب به المتآمرون على مصر خصوصاً ان مصر كانت تتأهب لدخول مرحلة تحدى الإدارة الامريكية على مستوي لم يحدث منذ ستينات القرن العشرين.
والأخطر ان كل هؤلاء وغيرهم ليس لديهم النية الحقيقة في عزل سياسي حقيقي للإخوان كما جرى في سنوات السيسي، او تحدي حقيقي لإدارة باراك أوباما وإملاءاتها التي لو اخذ بها لما وصلت مصر لبر الأمان اليوم ليس في شؤونها الداخلية فحسب ولكن لك ان تتخيل ان تكون مصر ضالعة في مخططات إدارة باراك أوباما ثم نصطدم مع اليمين القومي الأمريكي في إدارة دونالد ترامب اليوم، اذ ان معارضة مصر لمخططات أوباما جنبت مصر خطر أكبر كان يمكن ان يضربها مع مجيء ترامب.
 
والى جانب ذلك فأن التفاف الشعب حول شخص السيسي كان فرصة تاريخية للقيام بإجراءات صعبة حيال تنظيم الاخوان، بدلاً من رئيس محدود الشعبية يتسول مباركة إقليمية او دولية لشرعيته، بينما كانت شرعية السيسي الحقيقة دائماً هي ذلك الاحتفاء الشعبي.
وهنالك عامل ايدولوجي هام يتمثل في عدم انسجام كافة المرشحين مع فكرة القومية المصرية او يمين القومية المصرية، وهي الايدولوجيا التي كانت بشكل او باخر محركة وصانعة لثورة 30 يونيو 2013.
 
وبالتالي فأن السيسي كان مرشح الضرورة أكثر مما كان اختياراً شخصياً او شعبياً، رفاهية الاختيار والتجربة لم تعد متاحة والبلاد تنزلق الى الفوضى، ازدواج السلطة وتجارب شخصيات فاشلة في إدارة أقدم دولة مركزية في التاريخ، رجالات أنظمة سابقة تسعي للعودة لتحسين صورتها امام محكمة التاريخ، بينما أمريكا وبعض الدول الإقليمية تسعي للتدخل في مصر لإعادة عقارب الساعة الى ما قبل 30 يونيو 2013.
وبعيداً عن فكرة الرئيس الضرورة، فأن السيسي كان ولا يزال بمعايير انتخابات 2018 هو أكفأ وأفضل الموجودين بالفعل، ولعل حقيقة انه الأفضل والانسب هي ما رجعت كفته ليصبح الرئيس الضرورة.
 
وفى 8 يونيو 2014 أصبح عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، وحينما وصل للمرة الأولى الى قصر الرئاسة، كان ذلك في أولى ساعات الصباح، وقد اصطف كافة رجالات مؤسسة الرئاسة لتحيته، فطلب منهم امرين يوضحان اولياته الإنسانية، الطلب الأول هو عدم القيام بطوابير التحية مرة اخري متى كان يمر في المقرات الرئاسية، والطلب الثاني الا يدخن أي شخص ولو سيجارة واحدة في المقرات الرئاسية.
ولكن كيف واجه تحديات الداخل والخارج؟ هذا ما نعرفه في الحلقة المقبلة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق