بلد النيل لا تزرع البردي والكتان والمشمش.. 3 محاصيل مهددة بالانقراض

الأحد، 24 سبتمبر 2017 12:51 م
بلد النيل لا تزرع البردي والكتان والمشمش.. 3 محاصيل مهددة بالانقراض
المشمش
هناء قنديل

تعتبر الزراعة أحد الأركان الرئيسة لإقامة مجتمع، قادر على صناعة دولة؛ لأن الزراعة تقتضي وجود الماء، بالإضافة إلى أنها مصدر الغذاء، هما العنصران اللذان يحتاجهما الإنسان في بداياته الأولى لتكوين مجتمعه.

ومن المعلوم تاريخيا أن الدولة المصرية، الضاربة بجذورها في أعماق الزمان، اعتمدت في نشأة مجتمعها الأول على ما حبتها به السماء من نهر متدفق لا يجف ماؤه، ولا ينقطع عطاؤه.

ورغم أن مصر يوما ما كانت "سلة غذاء" العالم، بحكم أنها بلد النيل، فإنها صارت الآن جرداء غير قادرة على تلبية مطالب أهلها؛ بسبب الكثير، والكثير من القرارات الخاطئة، والإجراءات المجحفة التي نفذتها حكومات ما قبل ثورة 25 يناير، إزاء ثروة مصر من الأرض الزراعية.

وما بين مبيدات مسرطنة، أهدرت خصوبة الرقعة الزراعية، على ضفاف النهر الخالد، وبين اعتداءات وتعديات جائرة، غضت عنها الدولة طرفها، وغلت يدها الرقابية عن معاقبة مرتكبها، أصبحت مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وانهارت الزراعة الأشهر في تاريخ المحروسة وهي القطن، وتراجع إنتاج المحاصيل واحدا تلو الآخر، إلى أن صرنا في مواجهة انقراض وشيك لعدد كبير من الزراعات مثل: البردي، والكتان، والمشمش.

 

SAM_2033
 

 

بردي قرماوص في خبر كان

عرف المصريون القدماء، زراعة نبات البردي، وصنعوا منه الأوراق التي خطّوا عليها أثمن، وأهم، وأغزر حضارة عرفتها البشرية، لكن المصري الحديث لم يعبأ بكل ذلك، وتخلى عن هذا النبات المرتبط بتاريخ، ومجد الأجداد، إلى أن صارت قرية "قرماوص" بمحافظة الشرقية، التي كانت يوما ما مصدر هذا النبات، إلى العالم، غير قادرة على زراعته، وعمّت البطالة 90 % من أبنائها، الذين لم يتعلموا في حياتهم إلى زراعة، وتصدير هذا النبات المصري الأصيل.

عندما تتجول في شوارع "قرماوص"، تجد أعواد البردي الخضراء تتمايل في كل مكان؛ لتلقي في أذنيك حفيفا يحكي قصة تاريخ تليد، احتضنته أوراق هذا النبات، الشاهد على عظمة الأجداد.

عفوا فقد كان ذلك قديما، حين كان الأهالي يزرون ما يزيد عن 500 فدان من هذا النبات، الذي أتقنوا تحويله إلى ورق؛ لبيعه إلى البازارات السياحية، أما الآن فجاءت الصعوبات الاقتصادية، وسوء إدارة الثروة الزراعية، لتحط بجناحيها الفساد، والإهمال على تلك الزراعة؛ لتدمرها.

ويقول أشرف عبدالجليل، أحد المزارعين العاملين في نصاعة البردي حتى الآن، إن زراعة، وصناعة هذا المحصول، تأثرت خلال الفترة الماضية؛ بتدهور أوضاع السياحة، فقلت الطلبيات، ومع توفق دعم الدولة لهم، من جميع الوجوه؛ بات الخراب مسيطرا على كل مكان، وفقد الأهالي بقرية "قرماوص"، مصدر الرزق الوحيد لهم.

وطالب "عبدالجليل"، الدولة بالتدخل، والاهتمام بهذا المحصول العالمي، وإعادته إلى مكانته، كأحد المصادر المهمة جدا لجذب السياحة، ودعم الفلاحين بإنشاء سوق مشترك، وكذلك تنظيم رحلات سياحية إلى القرية؛ ليشاهد السائحون، طرق تصنيع البردي، وتحويله إلى ورق، على النسق الفرعوني.

 

SAM_2035
 

 

غياب الكتّان يعكر مزاج المصريين

اشتهرت قرية الرملة بمحافظة القليوبية، بأنها المصدر الرئيس في القطر المصري، لزراعة نبات الكتان، واستخلاص خيوطة وبذوره ذات الفائدة الصحية العالية.

ويستخلص الصناع من بذرة الكتان، الزيت الحار، الذي يحلو للمصرين إضافته إلى وجبتهم الصباحية المفضلة، وهي الفول المدمس؛ لتناول أشهى طبق يمكن للإنسان أن يبدأ به يومه.

وبقدر ما ستسخره مصر من انقراض هذه الزراعة، اقتصاديا، بقدر ما يعكر مزاج المصريين غياب الزيت الحار عن أطباق الفول اليومية، خاصة أن جودة الزيت المستخلص من بذرة الكتان المصرية، لا مثيل لها في العالم بأسره.

ويرجع العاملون في زراعة وصناعة، هذا المحصول المهم، أسباب انقراضه؛ إلى إهمال الدولة، الذي أجبر الأيدي العاملة الماهرة، على الفرار من تحت سماء قرية الرملة، للعمل في مجالات أخرى تكون كفيلة بتحقيق الربح، الذي يوفر احتياجات العمال، وأسرهم.

SAM_2038

 

وأدى عدم دعم هذه الصناعة من قبل الدولة، إلى تراجع أعداد المصانع العاملة في هذا المجال، من 40 مصنعا، في الرملة وحدها، إلى مصنع واحد فقط!!

ويقول محمد عبدالحفيظ ، أحد العمال في مصنع الكتان الوحيد الباقي بالرملة: "الدولة لم تهتم بصناعة الكتان، رغم أنها لا تقل أهمية عن باقي الصناعات الأنها تدر عملات أجنبية؛ من خلال تصدير خيوط الكتان، كما أن الدولة لا تدعم المصانع مما أدى لتعثرها، بعد رفض منح أصحابها قروضا ميسرة تعينهم على مواجهة ارتفاع تكاليف الإنتاج عقب تحرير سعر صرف الجنيه".

في المشمش

"في المشمش"، يعبر المصريون بهذه الجملة البسيطة، عن استحالة حدوث الشيء الذي يأملونه، وبهذه العبارة أيضا، رد مزارعو هذه الفاكهة المحببة لدى المصريين، على سؤال مفاده: هل يمكن إنقاذ محصول المشمش من الانقراض؟!!

وتعد قرية العمار، بمحافظة القليوبية، أشهر الأماكن التي تزرع المشمش في مصر، ويطلق عليه "مشمش العمار".

ويتسم موسم زراعة المشمش، بقلة عدد أيامه، وبالتالي قلة المحصول الناتج عن الزراعة، وشدة الإقبال عليه؛ فإن كمياته تنفد سريعا من الأسواق، دون أن تفي باحتياجات المستهلكين.

بالإضافة لهذه الندرة الطبيعية للمشمش، فإن محصوله تعرض خلال السنوات الماضية، لانتكاسات أثرت سلبا على حجم الإنتاج، والمساحة المنزرعة بالقرية  التي تقدر بنحو ٣٥٠ فدانا فقط.

 

المشمش
 

 

بدأت قرية العمار زراعة المشمش في عهد محمد علي باشا، ونمت زراعته حتى وصلت شهرته للعالمية؛ بسبب طعمه وشكله المميزين.

وشهد محصول المشمش انتكاسة كبيرة، في عهد وزير الزراعة الأسبق يوسف بسبب المبيدات مسرطنة، وإجبار المزارعين على استخدامها لرش المحصول؛ مما تسبب في ذبول مساحات شاسعة من الأشجار، وتفشي أمراض كثيرة في الأشجار.

وطالب حسن محمود، أحد المزارعين، وزارة الزراعة بتزويد الجمعية الزراعية بالعمار، بمرشدين زراعيين متخصصين في مكافحة أمراض وآفات المشمش؛ لتوعية الفلاحين والمزارعين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق