تخاريف أحمد فؤاد الثاني: يسأل من أفقر مصر؟.. ونسى من رهن وباع قناة السويس!
الإثنين، 25 سبتمبر 2017 10:00 ص
الملك أحمد فؤاد الثانى
مصطفى الجمل
العارفون بعلم النفس والمشتغلون به، يعلمون جيداً ويحذرون دائماً من خطورة العزلة الاجتماعية على الفرد، وآثارها السلبية التى تصل بالكثيرين إلى الوفاة أو الانتحار فى بعض الأوقات، تحذير العلماء دائما ما يرافقه شرح لطريقة التعامل مع هؤلاء المصابين بمرض الانعزال، فلا تستغرب منه ولا تأخذ عليه هذيانه فى بعض الأحيان، فليس على «المنعزل» حرج.
الملك أحمد فؤاد الثانى -كما يحب أن ينادى- بدأت تظهر عليه آثار الحياة المنعزلة التى يعيشها فى الريف السويسرى، حيث لوحات الأجداد وتماثيلهم وصورهم التى شكلت سجناً، عجز الرجل البالغ من العمر 64 عاماً عن الخروج منه.
الرجل وصل به الهذيان، إلى الادعاء –فى تغريدات كتبها على موقع التدوينات القصيرة تويتر- أن مصر وقت أبيه وأجداده لم تكن فقيرة، متسائلاً عن المتسبب فى وصولها إلى هذه الحال، قائلاً: «مصر العظيمة ذات السبعة آلاف عام من الحضارة لم تكن يوما فقيرة كانت دول العالم أجمع مدينة لها خرج أبى عن الحكم والجنيه يعادل 6 دولارات فمن أفقرها؟».
قطعاً سنجيب الرجل الذى بلغ من الكبر عتياً، بالأدلة القاطعة، ولكن بالنظرة المتأنية للصفحة «التويترية»، التى يطب عبرها على متابعيه، لاحظنا عدة أمور يجدر سردها فى عجالة، فهذه ليست التغريدة الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، التى يحاول فيها آخر ملوك مصر -حسبما نصبه والده وهو ابن ستة أشهر- تشويه رموز الدولة المصرية، الذين تعاقبوا على حكم مصر بعد رحيل الملكية، فضلاً عن أن الرجل دائم تحريض الجماهير على النفور والتظاهر، والخروج عن الخط العام، والتمرد على الوضع العام، كما أنه فيما يبدو حياته بأوروبا أثرت على فهمه لحروف العربية، إن كان هو من يدير الحساب بنفسه فالتغريدة الواحدة له تحتوى على عدد لا بأس به من الأخطاء اللغوية بشكل لا يتماشى مع النرجسية والغطرسة التى يتحدث بها، فوجدناه يكتب «الأيستيلاء، أجابة، أتهمتم، أغراق»، قاصداً «الاستيلاء، إجابة، اتهمتم، إغراق».
من أفقرها؟ نعد للإجابة عن الاستفهام اللولبى الذى طرحه الملك الجهبذ، وترك الإجابة للعصف الذهنى للمتابعين والقراء، بحلول عام ١٨٧٠، بدأت ديون مصر تتراكم، وحينها بدأت فكرة بيع أسهم من قناة السويس تُساور الخديو إسماعيل، وفى أوائل نوفمبر سنة 1875، كان متواجدًا فى باريس آنذاك، علم أحد الماليين المخضرمين هناك، يدعى إدوارد درفيو، الحالة المالية فى مصر، فأرسل الخبير المالى الفرنسى إلى أخ له فى الإسكندرية، يدعى مسيو أندريه، وطلب منه أن يعرض على الخديو بيع أسهم مصر فى القناة، وأخبره أيضًا بأنه مستعد إذا قبل الخديو البيع أن يجد المشترى لها فى باريس.
وبالفعل، ذهب أندريه بعدها إلى القاهرة، وهناك تلقى تلغرافاً من أخيه بتاريخ 11 نوفمبر سنة 1875، يبعث على الأمل فى نجاح الصفقة، فقابل على إثره إسماعيل باشا صديق، وزير المالية فى ذلك العهد، وعرض عليه الفكرة، فلقيت منه قبولاً، وبادر إلى تقديم الرسول الفرنسى إلى الخديو، فقص عليه نبأ مهمته، فارتاح الخديو إلى الفكرة.
وبالفعل طرح الخديو إسماعيل فى عام ١٨٧٥، الأسهم التى تمتلكها مصر فى قناة السويس، ٤٤ بالمائة من إجمالى الأسهم، للبيع من أجل تجنب خطر الإفلاس، واشتراها على الفور رئيس الوزراء البريطانى، بنيامين دزرائيلى، الذى حصل على قرض قدره ٤ ملايين جنيه إسترلينى من بنك عائلة روتشيلد من أجل شراء هذه الأسهم دون إخبار البرلمان أولًا.
وفى يوم 25 نوفمبر، تحرر عقد البيع مع الحكومة الإنجليزية، ووقع عليه كل من إسماعيل باشا صديق، وزير المالية المصرى، نائباً عن الحكومة المصرية، والجنرال ستانتون، قنصل بريطانيا، نائباً عن الحكومة الإنجليزية، وتبين قبل إبرام العقد أن الأسهم لم تكن 177.642 سهم كما كان مفهوماً، بل هى 176.602 أى أنها تنقص 1040 سهمًا فسوى حساب الثمن بعد استبعاد الأسهم الناقصة، فصار صافى الثمن 3.976.582 جنيهاً إنجليزياً، بعد أن كان أربعة ملايين.
والتزمت الحكومة المصرية بأن تدفع للحكومة الإنجليزية كل سنة ابتداء من عام 1875 حتى سنة 1894 فوائد 5% عن قيمة الثمن، أى 198.29 جنيهًا سنويًا، مقابل حرمان الحكومة الإنجليزية من أرباح الأسهم طوال هذه المدة، وكانت هذه الصفقة، التى تعد أشهر عملية بيع أسهم، كارثة على البلاد، حيث إنها مهّدت للاحتلال الإنجليزى.