روح أكتوبر.. الفريق سعد الدين الشاذلي.. طائرٌ فوق عش الوقواق (بروفايل)

الأربعاء، 04 أكتوبر 2017 05:00 ص
روح أكتوبر.. الفريق سعد الدين الشاذلي.. طائرٌ فوق عش الوقواق (بروفايل)
الفريق سعد الدين الشاذلي
محمد أبو ليلة

 
في يوم الثامن من أكتوبر عام 1973 وصل رئيس أركان حرب أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي إلى الضفة الشرقية للقناة على جبهة القتال، وكانت أول زيارة يُجريها قائد من غرفة عمليات الجيش إلى ميدان المعركة، وقتها  أحس الشاذلي بأنه جهوده التي بذلها في سنوات ما قبل الحرب كُللت بالنجاح.. "عند زيارتي للجبهة شاهدت الضباط والجنود وهم في قمة السعادة ويتمتعون بروح معنوية عالية كان الكثيرون منهم يهتفون عند رؤيتي .. التوجيه رقم 41 كان ممتاز وكان خير دليل لنا".. هكذا كتب الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر.
 
اعتاد "الشاذلي" منذ توليه رئاسة أركان حرب القوات المسلحة في 16 مايو من عام 1971، على كتابة توجيهات لجنود الجيش المصري على هيئة "كُتيب" صغير  يُوزع على الجنود ويوضح طريقة أداء الجنود للقتال على الجبهة وطريقة التعامل مع أي ظروف طارئة حتى في أوقات التدريب.
 
وكان التوجيه رقم 41 هو الخاص بعبور قناة السويس، حيث شرح الشاذلي لجنوده كيف سيتعاملون بعد عبورهم خط بارليف والسيطرة على الضفة الشرقية من قناة السويس، وكان لهذا التوجيه الفضل في الانتشار الجيد للقوات المسلحة المصرية على طول قناة السويس وبعمق 15 كم داخل سيناء بشكل منتظم.

المآذن العالية
الشاذلي بعد توليه منصب رئيس أركان حرب الجيش بثلاثة أشهر  فقط كانت لديه خطة واقعية لاقتحام قناة السويس وعبور خط بارليف المنيع، "المأذن العالية" كانت خطة الشاذلي التي وضعها في شهر أغسطس من عام 1971، من خلال اتاحة الفرصة للقيام بعملية محدودة لعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واحتلال من 10 إلى 12 كيلومتراً شرق القناة وهو أقصى نطاق لقوات الدفاع الجوي المصري، والتحول بعد ذلك لأخذ مواقع دفاعية، وكانت فلسفة هذه الخطة تقوم على أن لإسرائيل نقطتي ضعف هما عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرًا لقلة عدد أفرادها، بالإضافة لعدم تقبلها إطالة مدة الحرب فهي في كل الحروب التي سبقت حرب أكتوبر كانت تعتمد على الحروب الخاطفة التي تنتهي خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر، لأنها خلال هذه الفترة تقوم بتعبئة 18% من الشعب الإسرائيلي وهذه نسبة عالية.
 
ويروي الشاذلي في مذكراته عن الحرب أنه إذا أطلنا فترة الحرب سوف تتأثر الحالة الاقتصادية في إسرائيل بسبب توقف التعليم والزراعة والصناعة، لأن معظم الذين يعملون في هذه المؤسسات في النهاية ضباط وجنود في القوات المسلحة الإسرائيلية.
 
"المأذن العالية" كان لها بعدان آخران على صعيد حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية، من بينها حرمان الجيش الإسرائيلي من الهجوم من الأجناب لأن أجناب الجيش المصري ستكون مرتكزة على البحر المتوسط في الشمال، وعلى خليج السويس في الجنوب، ولن يستطيع الهجوم من المؤخرة التي ستكون قناة السويس، فسيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها ستدفع إسرائيل ثماً فادحاً.
 
 
204300_10150486585230109_868225108_17766425_82433_o
 
 
وكانت إسرائيل قبل أكتوبر تتمتع بميزة مهمة في المعارك التصادمية، وهي الدعم الجوي السريع للعناصر المدرعة التابعة له، حيث تتيح العقيدة القتالية الغربية التي تعمل إسرائيل بمقتضاها للمستويات الصغرى من القادة بالإستعانة بالدعم الجوي، لكنه طبقاً لخطة "الشاذلي" سوف تفقد إسرائيل كل هذه المميزات لأن القوات المصرية ستكون في حماية الدفاع الجوي المصري، ومن هنا تتم عملية تحييد الطيران الإسرائيلي خلال المعركة.
 
 
الشاذلي_يعبر_قناة_السويس
 

الشاذلي ونكسة يونيو
وقت نكسة يونيو من عام 1967 كان الشاذلي برتبة لواء ويقود مجموعة مقتطعة من وحدات وتشكيلات مختلفة (كتيبة مشاة وكتيبة دبابات وكتيبتان من الصاعقة) في عمق سيناء، مجموع أفرادها حوالى 1500 ضابط وفرد والمعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء بين المحور الأوسط والمحور الجنوبي.
 
بعد ضرب سلاح الجو المصري وتدميره على الأرض في صباح 5 يونيو، واجتياح القوات الإسرائيلية لسيناء، اتخذت القيادة العامة المصرية قرارها بالإنسحاب غير المنظم والذي أدى إلى إرباك القوات المصرية وانسحابها بشكل عشوائي بدون دعم جوي.
 
 وقتها استجاب الشاذلي لتلك الأوامر وقام بعملية مناورة عسكرية رائعة، حيث قام بعملية الإنسحاب ليلا وقبل غروب يوم 8 يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، ورغم هذه الظروف لم ينفرط عقد قواته، كما حدث مع وحدات أخرى، لكنه ظل مسيطرًا عليها بمنتهى الكفاءة.

قائد القوات الخاصة
استطاع الشاذلي بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربي لقناة السويس حوإلى 200 كم في عملية انسحاب عالية الدقة، بإعتبار أن الشاذلي كان يسير في أرض يسيطر العدو تماماُ عليها، ومن دون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، إلى أن وصل الضفة الغربية للقناة، وقد نجح في العودة بقواته ومعداته إلى الجيش المصري سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلى 20%. وكان بذلك آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء قبل أن تتم عملية نسف الجسور المقامة بين ضفتي القناة.
 
بعد عودة الشاذلي إلى غرب القناة، اكتسب سمعة كبيرة في صفوف الجيش المصري، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات في الفترة (1967 - 1969)، وقد كانت أول وآخر مرة في التاريخ المصرى يتم فيها الجمع بين القوات الثلاث. 

الشاذلي والسادات
في يوم 10 أكتوبر وبعد أن حققت القوات المصرية نصراً كبيراً وعبرت القناة أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبًا للقيادة الموحدة للجبهتين التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية تطلب منه زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس أنور السادات من أحمد إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على سوريا.
 
لكن الشاذلي عارض الفكرة بشدة بسبب أن أي تطوير خارج نطاق الـ 12 كيلو التي تقف القوات المصرية فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، وأي تقدم خارج المظلة معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلي، مازالت القوات الجوية الإسرائيلية قوية وتشكل تهديد خطير لأية قوات برية تتحرك في العراء دون غطاء جوي, وأغلق الموضوع.
 
وفشلت خطة التطوير كما توقع الشاذلي وخسرت القوات المصرية 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودة من بدء التطوير للتفوق الجوي الإسرائيلي. وكان قرار التطوير وبتقدير الكثيرين من المتابعين للشأن العسكري أسوأ قرار إستراتيجي اتخذته القيادة السياسية، مما أضر في سير العمليات فيما بعد وأثر على نتائج الحرب، وجعل ظهر الجيش المصري غرب القناة مكشوفاً لأية عملية التفاف، وهو ما حدث بالفعل.
 
بعدها اقترح الشاذلي إعادة تجميع ما تبقى من الفرقتين المدرعتين 21 و4 من شرق القناة إلى غرب القناة وإعادتهما إلى مواقعهما الرئيسية للقيام بمهام التأمين التي تدربوا عليها، ولكن المشير أحمد إسماعيل عارض الإقتراح على أساس أن سحب هذه القوات قد يوثر على الروح المعنوية للجنود وقد يفسره العدو على أنه علامة ضعف فيزيد من ضغطه على قواتنا، ويتحول الإنسحاب إلى ذعر. 
 
وعارض الشاذلي هذا الرأي معللا ذلك فيما بعد أن المشير أحمد إسماعيل كان يقود المعارك على الخرائط فقط، ولم يزر الجبهة قط إلا بعد وقف إطلاق النار ببضعة أسابيع، وإن عدم اتصاله بالضباط والجنود لم يسمح له بأن يلمس ما أحدث نجاح في عبور قناة السويس في رفع روحهم المعنوية، وفي استعادة ثقتهم بقادتهم.
في ليلة 15 أكتوبر قام الأمريكان بإبلاغ القيادة الإسرائيلية بوجود ثغرة غير محمية وبعرض 25 كيلو بين الجيش الثالث الميداني في السويس والجيش الثاني الميداني في الإسماعيلية.
 
ووجدت إسرائيل الفرصة أمامها فدفعت عبر البحيرات المرة ثلاث مجموعات، تمكن بعضها من اجتياز قناة السويس إلى ضفتها الغربية بين الجيشين الثاني والثالث عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرة، أدى عبور هذه القوة إلى إحداث ثغرة في صفوف القوات المصرية عرفت باسم "ثغرة الدفرسوار"، ونُصب جسر لعبور الدبابات والآليات المدرعة يوم 16 أكتوبر وتمكن لواءان وهما لواء مدرع ولواء مظلي من العبور والتواجد إلى غرب القناة بقيادة الجنرال أرئيل شارون قائد الفرقة المدرعة الإسرائيلية 143.
وحاولت هذه القوة احتلال مدينة الإسماعيلية فتصدى لها لواء مظلات وكتيبتان صاعقة مصرية، ومنعتها من احتلال الإسماعيلية وكبدتها خسائر فادحة، ولكن تمكن أرئيل شارون من احتلال المنطقة ما بين مدينتي الإسماعيلية والسويس.
 
800px-الفريق_سعد_الدين_الشاذلي
 
وفي يوم 17 أكتوبر، اقترح الفريق الشاذلي المناورة بالقوات وسحب الفرقتين المدرعتين 21 و4 من شرق القناة، وباستخدام هاتين الفرقتين يتم توجيه ضربة رئيسية للوائين إسرائيليين غرب القناة، وفي الوقت نفسه قام اللواء 116 المتواجد غرب القناة بتوجيه ضربة أخرى للعدو، بينما تقوم الفرقة 21 مدرعة المتواجدة شرق القناة، بتوجيه ضربة لقوات العدو بهدف إغلاق الطريق المؤدي إلى الثغرة، وليزيد من الخناق على القوات الإسرائيلية الموجودة في الغرب، والقضاء عليها نهائيا، علماً بأن القوات الإسرائيلية يوم 17 أكتوبر كانت لواء مدرع ولواء مظلات فقط وتوقع الفريق الشاذلي عبور لواء إسرائيلي إضافي ليلا. 
 
لم يقبل المشير أحمد إسماعيل والرئيس أنور السادات رأى الشاذلي بدعوى أن الجنود المصريين لديهم عقدة نفسية من عملية الإنسحاب للغرب منذ نكسة 1967 وبالتإلى رفض سحب أي قوات من الشرق للغرب، وقرر أن تتم مواجهة الثغرة بقيام القوات المدرعة المصرية في الشرق (في سيناء) بسد منافذ عودة القوات الإسرائيلية المتسللة إلى سيناء، واستدعاء قوات تهاجمها من الغرب وبذلك تكون محصورة بين القوات المصرية.
 
وهنا وصلت الأمور بين الرئيس أنور السادات والمشير أحمد إسماعيل وبين الشاذلي إلى مرحلة الطلاق وقام الرئيس أنور السادات بإقصاء الفريق الشاذلي لفترة مؤقته خلال الحرب وعين محمد عبدالغني الجمسي بدلاً منه ليقوم بالتعامل مع الثغرة.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق