نستولوجيا الفتاوى

السبت، 30 سبتمبر 2017 06:27 م
نستولوجيا الفتاوى
خالد راشد يكتب:

تشتعل كل فترة حرب الفتاوى حين يخرج علينا أحد المشايخ بفتوى عجيبة تعيدنا الوراء ألف عام. ومن  نكاح المتوفية إلى الفرعون وليد مروراً بجواز مواقعة البهائم.

هذه الفتوى امتداد لعشرات الفتاوى السابقة التي تسير علي نفس الدرب وتتخذ ذات الأسلوب وتستند الى مرجعيات وفتاوى بعضها له أصل في كتب السير والتفاسير  ، نذكر منها فتوى إرضاع الكبير وجواز شرب البيرة وغيرها العشرات من فتاوى تثير الجدل والخلاف وتفتح باباً للتجديف في الدين وتشتت الانتباه عن قضايا أكثر إلحاحاً وأجدي نفعاً. ومعها يتجدد الحديث عن  الخطاب الديني وتحديد الأولويات بل أبجديات الفتوى.

كل البرامج الدينية علي كل الشاشات تعتمد سواء كان مقدموها من خريجي الأزهر أو مشايخ  السلفية علي آراء وفتاوى وأسانيد فقهية  تعود إلى الوراء نصف قرن أو يزيد. لن تجد شيخاً إلا فيما ندر يعتمد في الرأي أو الفتوى علي محدث أو معاصر حتى ولو كان هذا المحدث شيخ الأزهر الحالي أو سابقوه... وكأن باب الاجتهاد في الرأي قد أغلق بعد الأئمة والشيوخ الأوائل، ولعل من المناسب أن يعلم القارئ أن ابن تيمية قد مات سنه 728 هجري أي منذ ما يزيد عن 700 عام وأن ابن كثير صاحب التفسير الأشهر قد مات منذ ما يزيد عن 600 عام وأن الإمام البخاري قد مات منذ ما يزيد عن 1000 ألف عام. 

إن متغيرات العصر ومستجداته وتشابك المصالح تحتاج إلى فتاوى معاصرة لقضايا لم تكن مطروحة في أوقاتهم ولمجتمع يغاير مجتمع الأئمة والفقهاء الأوائل ولو كان  بيننا ابن تيمية لأعمل العقل والاجتهاد فيما لا نص فيه كما اجتهد قديماً وخلف لنا ثروة هائلة من الفتاوى والآراء التي توقف مشايخنا اليوم عليها دون اجتهاد يحسب لعصرهم بل يواجهون باستماتة محاولات إعمال العقل والتجديد والتفكير خارج الإطار المحدد سلفاً حتى قد يصل الأمر الي حد التكفير والإخراج من الملة في نقاشات وآراء تتسع في أغلبها للاختلاف والحوار بالحجة والدليل. 

أن تكرار الفتاوى التي تستحضر الماضي علي حساب الحاضر والمستقبل تمثل حالة نستولوجيا والتي جري تعريفها علي انها حالة حنين للماضي وهي طبيعية وفي صميم الذات الإنسانية أن نستعيد الماضي بشخوصه وأبطاله والأزمنة بمعطياتها كما يحن كل منا إلي البيت الذي تربي فيه، إلى أبوه المتوفي ،إلى أصدقاء الدراسة.

لكن الخوف أن تتحول إلى حالة مرضية يتوقف عندها الإنسان عند الماضي فلا فثوى ولا اجتهاد ولا تجديد فنصبح أسري للماضي هروباً من واقع وحاضر إما بسبب ضعف أدوات الفتوى وغياب الثقافة العامة والقدرة علي الاجتهاد  أو عدم قدرة علي التكيف مع حاضر يفرض فتاوى مغايرة لما تربي علية وما درسه وتناقله من علوم . وبين فتاوى طازجة فيها روح العصر ومشاكله- لكنها لا تستعدي الشرع ولا تخرج عنة - وأخرى تتحدث عن نكاح الزوج لزوجته المتوفية {نكاح الوداع} يقف المجتمع ووجهه ومستقبلة  للحائط في انتظار فتوى الخروج الأخير .

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق