ديجول.. الواقع والتاريخ

الأحد، 01 أكتوبر 2017 10:16 م
ديجول.. الواقع والتاريخ
عبد الحليم محمود يكتب:

التاريخ 23 يونيو 1940 أدولف هتلر يقف أمام برج إيفل بباريس حيث سقطت فرنسا بعد غزو الألمان لها في الحرب العالمية الثانية وشاء حسن الطالع أن يظهر شارل ديجول ملهمًا فريدًا للمقاومة الفرنسية صاحب شعار"فرنسا لا تقبل الهزيمة وصاحب مقوله إذا كنا قد خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب"، حيث لجأ إلى إنجلترا ليقود المقاومة من خارج فرنسا وبحس سياسي عميق استطاع فهم حسابات الحلفاء  خاصة الأمريكان ونواياهم في السيطرة علي أوروبا بعد طرد الألمان.

وعندما طلب تشرشل رئيس وزراء إنجلترا منه بأن يوجه خطابًا إلى الأمة الفرنسية بعد خطاب القائد الأمريكي رفض قائلًا: إن فرنسا لها من يتكلم عنها وهي ليست بلدًا تابعًا بل شريكًا أساسيًا في الحرب، كما رفض نزول تشرشل إلى ميدان القتال في فرنسا مبررًا ذلك بأنه ليس لرئيس دولة أن ينزل أرض فرنسية إلا بإذن فرنسا، ولرؤيته المستقبلية وبعد تحرير فرنسا حاول أخذ ألمانيا إلى السوق الأوربية المشتركة، وقال إن الوحدة الأوربية تبدأ من فرنسا وألمانيا إيمانا منه بأن ذلك هو السبيل إلى مقاومة أطماع الولايات المتحدة الأمريكية في أوروبا.

وعندما استولت أمريكا على المستعمرات الفرنسية في الشرق الأوسط والمغرب العربي واسيا بنشر  الأساطيل السبعة المعروفة- من الأسطول الأول علي شواطئ  أمريكا حتى الأسطول السابع في كوريا  واليابان - استطاع ديجول أن يحوّل فرنسا من الإمبراطورية الفرنسية العسكرية إلى الإمبراطورية الفرنسية الثقافية "الفرانكوفونية" متمسكا في ذات الوقت بوثيقة الحقوق- أيقونة كل فرنسي" الصادرة عن الثورة الفرنسية ، ثم إعداد دستور 1958 والذي تضمنت مادته الأولى "أن فرنسا جمهورية علمانية ديمقراطية اجتماعية غير قابلة للتجزئة تكفل مساواة جميع المواطنين أمام القانون دن تمييز على الأصل أو العرق أو الدين وتحترم جميع المعتقدات "وبكامل إرادته تنحى عن حكم فرنسا بعد أن حققت الموافقة على تطبيق اللامركزية نسبة أقل قليلا من النسبة التي حددها سلفا.

 وبالتالي نحن هنا أمام رجل تاريخ  لم يتجاوز الواقعية فحسب بل لا أبالغ إذا قلت أنه أكبر من الواقعية وتحديات المرحله حينذاك،  فقد أدرك حسابات و موازين القوة الحاكمة المسيطرة وإدراك المعني الحقيقي لوجود أمة تمتلك قوة معنوية هائلة تقود إلى النصر والتقدم بحكم وبطبيعة الأشياء.

استحق وبجدارة أن يكون  الآب الروحي والمؤسس للجمهورية الفرنسية الخامسة عابرًا بالدولة الفرنسية إلى العالمية في ظل نظام عالمي جديد أخذ يتشكل على حافة الأفق بإنشاء هيئة الأمم المتحدة سنه 1945، حيث أصبحت فرنسا ذات تأثير عالمي على المستويين السياسي والاقتصادي باعتبارها عضو دائم بمجلس الأمن الدولي وعضو في حلف الناتو - منظمة حلف شمال الأطلسي - وأحد الدول الصناعية الكبرى في العالم حيث تحتل المرتبة الثانية بين الأسواق الأوربية وتقترب من المرتبة السادسة على مستوى العالم.

تلك تجارب شعوب وحقائق تاريخية وسياسية نشأت أمام لمحات من المشهد العام لا تزال مؤثرة لقائد تاريخي نظر على خريطة العالم ككل ولم ينظر إليها بلد بلد، تعامل مع تحديات المرحلة كقضية أمة لا قضيه حكم أو ملك، كان نموذج ملهم لدول كثيرة استطاعت بجهد أكبر ومعرفة أكثر أن تبحث عن مستقبل في عالم ذو تفاعلات متصلة ومتشابكة في عصر تكنولوجي لا يمكن تجاهله أو الانعزال عنه أخذو منه ما يتناسب مع ظروفهم وثقافتهم لوضعه في المحيط العالمي وهو عالم شامل لا يعرف الحدود مفتوح لمن يستطيع الوصول إليه والأخذ منه.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة