صراع الدين والفلسفة حول نبذ "الانتحار" (تقرير)

الإثنين، 02 أكتوبر 2017 11:08 م
صراع الدين والفلسفة حول نبذ "الانتحار" (تقرير)
انتحار - أرشيفية
رامى سعيد

الحياة "هبة" منحت من دون أن يطلبها أحد، وإن الشخص المفكر عليه واجب فلسفى للتفكير فى طبيعة الحياة والظروف التى تأتى معاها، وأنه إذا ما قرر شخص رفض الهبة التى لم يطلبها، فإن من الواجب الأخلاقى والإنسانى أن يتصرف بناء على عواقب هذا القرار.

هذه العبارة الفلسفية وضعها الكاتب الانجليزى "جوليان بارنز" فى روايته "الإحساس بالنهاية" على لسان أنبه أبطالة الذى أقدم على الانتحار كفعل فلسفى "يرفض بأن يسمح للحياة بأن تحدث له فقط، مضيفًا، مقطع اعتراضى على رؤية المجتمع ورجال الدين تجاه اقدام الفرد نحو إنهاء حياته قائلا: "إن أنت قتلت نفسك ستكون بحكم القانون مجنونًا على الأقل فى اللحظة التى ارتكبت فيها الفعل. إذ إن القانون والمجتمع والدين قرروا أنه من المستحيل أن تكون عاقلا وسليما وتقدم على قتل نفسك".

الأديب الإنجليزى جوليان بارنز الذي تنوعت كتابته بين الفلسفة والخيال العلمى، والمقالات النقدية والروايات،  ليس أول من عبر عن  العدمية التى تؤيد فكرة "الانتحار"وتنصفها من الناحية الفلسفية.. فقد سبقه إلى هذا النوع من الكتابه، الأديب والفيلسوف الوجودى " ألبير كامو" الذى وصف  الانتحار بـ: التصرف الفلسفى الصحيح.. واصفًا الحياة، فى كتابته باعتبارها عبثية، خاوية من المعنى، فهو على حد وصفه هى عبارة عن صراع دائم ما بين الواقع وما بين أمانينا المنتظرة، بين مثالياتنا وبين واقع الأمور كما هي.

 ويتصور كامو الحل الوحيد للخروج من مأزق الحياة والمجهود الروتيني "السيزيفي" القاتل والخالي من الجدوى، حسب وصفه تصوره "أمام البشر حلّين لا ثالث لهما، إما الانتحار والتخلص من هذا الألم، أو التمرد والخروج تماماً عن المألوف".

 

- عدمية "العلم"
ويمثل هذا النوع من الكتابات  اتجاه معاصر - ارتبط بعدد من الاكتشافات العلمية وتحديدًا بعد اكتشاف  نيكولاس كوبرنيكوس الذى صاغ نظرية مركزية الشمس فى كتابه "دوران الأجرام السماوية"، التى أحدثت بدورها صرعًا نفسيًا دينيًا لدى الإنسان لإحساسه بعدم مركزيته للكون، وإن لا يمثل سوى نقطة فى كون لامتناهى، إضافة لما صاغه "تشارلز داروين" فى كتابه "أصل الأنواع" الذى أحدث هو الأخر صدى واسعًا داخل الأوساط العلمية والدينية، حول طبيعة خلق الإنسان، وما جاء بعد ذلك من نظريات نفسية، صاغها عالم النفس النمساوى "سيجموند فرويد" مؤسس علم النفس التحليلى، حول غريزة الإنسانه وإنه ليس أكثر من "ضحاية لغرائزه"، كل تلك الاكتشافات والفرضيات صاغت الفكر العدمى فى الكتابات الفلسلفية والأدبية وطرحتها بقوة .


 انتحار المفكرين  

وبطبيعة الحال أن حوادث  المعنين بالفلسفة وتحديدًا الوجودية، على الانتحار ليس بالقليلة، فقد أعلن العقاد وأنيس منصور خلال لقاءات تليفزيونية عن أقدامهم على فعل الانتحار حيث وصف الأخير أنه اقدم على الانتحار مرتين، مرة بعد نجاحة فى الثانوية العامة ولم يهنأه أحد فحاول الانتحار، ومرة ثانية وصفها  بالفلسفية التى جاءت بعد عملية حسابية اجراها،  جمعًا عدد سنوات عمره، قياسيًا بانجازته وأعمالة فوجد النتيجة تساوى " صفر"  فأقدم على الانتحار للمرة الثانية، ويروى أنيس، أيضا عن العقاد بأنه حاول الانتحار ذات مرة.

كما حامت الشكوك أيضا حول انتحار "عبد الرحمن بدوى" أحد أبرز أساتذة الفلسفة العرب في القرن العشرين وأغزرهم إنتاجا، إذ شملت أعماله أكثر من 150 كتابا تتوزع ما بين تحقيق وترجمة وتأليف، ويعتبره بعض المهتمين بالفلسفة من العرب أول فيلسوف وجودي مصري، جاء ذلك أخر أيام حياته التى كان يعيشها فى فرنسا وحيدًا.

الانتحار السوشيال ميديا
 

ولا يقتصر الانتحار على المفكرين والفلاسفة فحسب، فقد اقدم عدد من الشباب خلال الآونة الأخير وتحديدًا قبل ثورة 25 يناير على الانتحار  لضيق ذات يد الأفراد، أو لفشل البعض فى الحصول على وظيفة، أو لاسباب أخرى تتعلق بعدم التحقق العاطفى، وأنتقلت تلك الحوادث عقب ذلك  إلى ساحات السوشيال ميديا وتحديدًا  صفحات الفيس بوك، الذى كان أشهرها انتحار زينب مهدى، وشريف قمر الذى وضع على صفحته سؤال يسأل فيه عن كيفية الانتحار، ووضع اختيارات وهى عن طريق السم أو الشنق أو القفذ "النط"، وصوت متابعيه على "تويتر" على الاختيار الأخير بنسبة 80%.

ولم يكن يعلم متابعيه أن سؤاله ربما يأتى لفكرة سيقوم بتنفيذها خلال أيام قليلة، أن وفاته نتيجة الانتحار.

وبعد وفاة شريف أعلن أحد أصدقائه عن تدشين مؤسسة - غير هادفة للربح " للتوعية ضد مرض الاكتئاب "، مشيراً أن المؤسسة ستكون بإسم " شريف قمر ".


الدين والانتحار  

وعلى الطرف الآخر، عبر الدكتور محمد عبد العاطى عميد الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر عن الموقف الشرعى الدينى حول الانتحار قائلا: "الإنسان الذي يقدم على الانتحار  ليس فى باله الله عز وجل، ولا ما جاء فى الدين، مشيرًا إلى قوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين".

وأكد عبد العاطى لـ"صوت الأمة": "نهى الله ورسوله عن قتل النفس"، قائلا: "إن المنتحر شخص يأس من رحمه الله عز وجل ويأس من وجوده ورحمه الله، ولم يرض بقضاء الله عز وجل وسلم بقضاءه وقدره  مشيرًا إلى أن اليأس قنوط وكفر بالله مستندًا إلى قوله تعالى، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون".

ودعا عميد الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، الشباب من الفئات المختلفة التحصن بدينهم وأهمية التوعية، موضحًا أن رجال الدين الأزهر والأوقاف يؤدون دورهم على أكمل وجه ولا يدخرون جهدهم فى التوعية وإعطاء النصح.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق