سنوات السيسي.. الحلقة الخامسة: عودة الحرب الباردة

الأربعاء، 04 أكتوبر 2017 11:14 ص
سنوات السيسي.. الحلقة الخامسة: عودة الحرب الباردة
إيهاب عمر

كان واضحاً يوم ساندت الإدارة الامريكية تنظيم إرهابي مثل الاخوان للوصول الى حكم مصر ان تلك الإدارة قررت قطع الطريق كاملا بلا رجعة في تحويل مصر الى منصة لأطلاق الإرهابيين في المنطقة خدمة للإدارة الامريكية، وبالفعل في الساعات الأخيرة لحكم الاخوان كان رئيسهم الجاسوس بحكم محكمة يفتح باب الجهاد لأرسال أبنائنا الى سوريا للقتال في صفوف داعش واخوتها، تلك التنظيمات التي كسرت الجيش والدولة والشعب السوري، ثم انسحبت في لمح البصر امام الجيش الأمريكي حينما قرر احتلال شرق سوريا ونصب 40 قاعدة عسكرية في الحسكة والرقة، وامام الاكراد لتدشين جمهورية روج آفا الكردية شمال سوريا .
 
وخلال سنة حكم الإرهاب وقفت مؤسسات الدولة حائط صد امام محاولات اخونة الدولة، خاصة الجيش والمخابرات والداخلية، بالإضافة الى الكتلة الشعبية الرافضة للاخوان والتي وقفت ضد كافة محاولات اخونة الجهاز الادارى للدولة او ان يحصد الاخوان مكاسب جديدة في القطاع العام والخاص والشان العام، وعقب قيام ثورة 30 يونيو 2013، تقرر ان يكون هنالك سياسة خارجية مختلفة تماماً عما جرى في العقود الأربعة الماضية، في استحضار فريد لروح السياسة الخارجية في ازمة الحروب.
 
فمن جهة قررت القاهرة التواصل مع الأقطاب الدولية بشكل فعال، و ليس مجرد تواصل روتيني او اقتصادي، وفتح خط اتصال وتنسيق سياسي مع روسيا، وصل للذروة اليوم بمشاريع انتاج حربي مشترك في مجالات السلاح والزراعة، حيث أصبحت مصر للمرة الاولي في تاريخها لديها مشاريع انتاج عسكرية مشتركة مع دولة عظمي بثقل روسيا التي استطاع زعيمها فلاديمير بوتين ان يقدم نسخة اكثر تطورا من الإمبراطورية الروسية مقارنة بما جرى في سنوات يلتسن و قياصرة الاتحاد السوفيتي، حتى ان روسيا اليوم قد استعادت حيوية روسيا القيصرية في زمن كاترين الثانية.
 
وقد أدى الاتصال مع روسيا الى تنسيق في ملف سوريا والعراق وغيرها من دول المنطقة، ما جعل الكونجرس الأمريكي وعدداً من مؤسسات الدولة الامريكية ينقلب على أوباما بالقول كيف تتسبب الإدارة الامريكية في تحول اكبر صديق لواشنطن في العالم الإسلامي الى موسكو بهذا الشكل.
 
وحاول أوباما في المقابل ان يعاقب القاهرة بقطع المساعدات العسكرية والاقتصادية، ولكن روسيا كانت حاضرة بوابل من صفقات السلاح لم ينتهي حتى اليوم، ما أعاد تأهيل الترسانة المصرية، وتدخلت الكويت والسعودية والامارات والبحرين لتعويض الفجوة الاقتصادية، ولم يكن التعويض عن المساعدات التي لم تأتي ولكن لسد فجوة فواتير الربيع العربي الذى ضرب الاقتصاد المصري.
 
صحيح كانت اغلب مساعدات الخليج العربي تدخل ضمن الديون الخارجية لاحقاً، ولكن جرى ذلك في زمن كان هنالك تشديد امريكي لجميع دول العالم بعدم مساعدة مصر وتركها تغرق.
 
ويمكن القول انه لولا السلاح الروسي الذى وصل القاهرة لما استطاعت مصر لاحقاً شراء و لو بندقية من أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، حيث اثبتت القاهرة ان سياسة تعدد مصادر السلاح هي حقيقة واقعة وليس مجرد تهديد بلا فعل، وايضاً كان التنسيق المصري مع روسيا في اغلب الملفات السياسية مفتاح عودة التواصل مع أمريكا وأوروبا، حيث تخوفت واشنطن وبرلين ان تذهب القاهرة الى محاور موسكو بلا رجعة.
 
هكذا نجحت سياسة الرئيس السيسي في إزالة الجليد مع موسكو في إزالة الجليد مع الغرب ايضاً، فربح اطراف فاعلة في المعسكرين، لذا لا عجب ان تخوض مصر في سبتمبر 2017 مناورات عسكرية مشتركة مع أمريكا وروسيا معاً، حيث تعد الدولة الوحيدة في التاريخ التي وصلت الى هذا المستوي والاتزان في العلاقات بين موسكو وواشنطن.
 
والى جانب روسيا، كانت الصين حاضرة، ولما ايقنت صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي، وان توجه القاهرة الى بكين لن يكون وقتياً، بل ان القاهرة تعلمت درس سنوات مبارك، وسوف تسن سياسة التعامل مع كافة اقطاب العالم، أصبحت بكين تدعو الرئيس السيسي لكافة القمم الدولية التي تعقد في الصين، سواء قمة العشرين عام 2016، او قمة بريكس عام 2017.
 
والى جانب قطبي العالم الجديد، كان الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عاهل السعودية حاضراً بقوة، ليسجل اول فعل سعودي معارض لامريكا علناً عبر تاريخ الدولة السعودية الثالثة، ومعه وزير الخارجية المخضرم سعود الفصيل، وبالمثل كانت الامارات القوة الضاربة والصديق الوفي بل وكانت أبو ظبي ودبي من عواصم هندسة العديد من القرارات الدولية و الإقليمية المؤيدة لثورة 30 يونيو حتى اليوم، بالإضافة الى حكام البحرين والكويت، ولم يفوت الملك الأردني عبد الله الثاني الفرصة، و سار على درب سياسة والده في اتخاذ القرار الشجاع شريطة الا يكون اول من يفعلها حتى لا يتم وضع الأردن وحده في وجه المدفع، وما ان دعمت الدول الخليجية الأربع ثورة المصريين حتى كانت الأردن خامسهم.
 
خلال الفترة ما بين يونيو 2013 وحتى رحيل أوباما في يناير 2017، اعطي رجالات أوباما الضوء الأخضر لوكلاء الإرهاب في المنطقة، سواء تركيا او قطر، بان يطلقوا أيديهم في الداخل المصري، مع اعتماد ميزانيات مفتوحة لنشطاء التيار المدني والإسلاميين، وشن أكبر حملة اغتيال معنوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيال الرئيس ومؤيديه، وكانت الفكرة التي يريدون الوصول اليها هي ان اختياركم وانحيازكم في يونيو 2013 كانت فاشلة.
 
ولم تصمت القاهرة، فمن الناحية العسكرية والأمنية استطاعت الدولة حصر الإرهاب في شمال شرق سيناء، وظلت القاهرة على مواقفها الصارمة حيال رفض دمج الاخوان مرة اخري في المنظومة السياسية، والتواصل مع العناصر المعتدلة داخل المنظومة السياسية في أمريكا وأوروبا من اجل حلحلة الاحتقان.
 
وبالفعل بدأت فرنسا وإيطاليا نهاية عام 2013 في تفهم الموقف في مصر، تالياً أتت المانيا بحذر، بينما ظلت بريطانيا وتحديداً حكومة ديفيد كاميرون تتخذ نفس موقف إدارة باراك أوباما.
 
الرئيس السيسي أدرك اننا نعيش في عصر التحالفات الكبرى، و ان الوقوف في وجه قطر دون حلفاء من إقليم الخليج العربي يعد ضربا من الخيال نظراً لان قطر وكيل إقليمي لإرهاب يخدم اجندات أمريكية وأوروبية وتركية وايرانية، وهكذا كان الإصرار دائماً على العلاقات الحسنة مع الامارات والسعودية والبحرين والكويت، ليصل المحور المصري الخليجي الى مرحلة غير مسبوقة في التنسيق السياسي.
 
والحال نفسه حيال تركيا، حيث تم التواصل مع اليونان وقبرص اليونانية، حيث شكلت مصر محور شرق المتوسط.
 
واثبتت سياسة القاهرة بعد نظر، حينما بدأت صناديق الاقتراع بداية من عام 2016 تلفظ الحكومات والإدارات التي ايدت صعود الإسلاميين في دول الربيع العربي، لتثبت ثورة 30 يونيو المصرية انها لم تخلص مصر من حكم الإسلاميين فحسب بل جنبت مصر التصادم مع الغرب في مرحلة ما بعد باراك أوباما.
صعد اليسار الجديد في اسبانيا واليونان والبرتغال، واليمين القومي في إيطاليا وبريطانيا وألمانيا، وفى جميع الأحوال كانت القاهرة حليف للزعامات الجديدة، ولكن الانقلاب الأكبر كان حينما راهنت القاهرة على صعود دونالد ترامب في أمريكا على حساب هيلاري كلنتون.
 
وبينما البعض يعوي بأن السياسة الامريكية واحدة، فأن القاهرة أدركت ان ترامب مختلف عن باقي النخبة السياسية الامريكية، ولم يكن الرهان المصري على ترامب بعيداً عن تنسيق أبو ظبي مع ترامب قبيل توليه الرئاسة، حيث رأت أبو ظبي ان استمرار نهج أوباما – هيلاري كلنتون في البيت الأبيض لولاية ثالثة على يد السيدة كلنتون مضر بالمنطقة عموما ومحور القاهرة – أبو ظبي خصوصاُ، لذا تلقى ترامب مساعدة قوية من أبو ظبي في رحلة صعوده للبيت الأبيض.
وأدى صعود ترامب في أمريكا وفتح البيت الأبيض امام الرئيس السيسي في ابريل 2017، الى هرولة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل الى القاهرة أوائل عام 2017، لتحسين العلاقات بين القاهرة وبرلين، بعد ان ادركت أوروبا ان مصر هي الفائز الأكبر من التحول السياسي في أمريكا من جهة، و من جهة أخرى فأن الدور المصري في ليبيا، وسوريا على حساب اضمحلال الدور التركي أدى الى تطلع أوروبا للقاهرة باعتبارها بديلاً عن انقرة التي تتآكل على يد الإسلاميين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة