إريال فوق عمارة كشف لنا الجاسوسة بطلة فيلم «الصعود إلى الهاوية»

السبت، 07 أكتوبر 2017 01:00 م
إريال فوق عمارة كشف لنا الجاسوسة بطلة فيلم «الصعود إلى الهاوية»
حرب أكتوبر
شريف عارف

سجل المصريون انتصارات عظمى قبل معركة العبور، وسيسجلون بعدها، لكن يبقى ليوم السبت السعيد السادس من أكتوبر معناه الخالد. لقد خاض جيشنا معركة غاية فى الأهمية بعد النكسة بأيام قليلة وكبد العدو خسائر فادحة، نعنى معركة «رأس العش» وهذا معناه أن النصر لم يكن نادرًا ولا شحيحًا، بل هو سلسلة ذهبية مترابطة الحلقات، لكن نصر أكتوبر على وجه التحديد، يكتسب قيمته الكبرى من كونه اليوم الذى حصد فيه المصريون ثمار جهادهم ليس على الصعيد العسكرى فحسب، ولكن على أصعدة أخرى غاية فى الأهمية، منها إعلاء شأن العقل ودقة التخطيط وبراعة هندسة الحرب من الطلقة الأولى حتى الختام، ثم هذا التلاحم الشعبى الفريد مع بطولات خارقة قامت بها قواتنا المسلحة، لقد كان الشعب خير معين لأبنائه من المقاتلين. 
 
احتفالا بهذا اليوم الخالد فى تاريخنا نخصص ملفًا لتعطير قلوبنا بنسمات الكرامة والعزة والفخار، نبدأ مع اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية اثناء معركة أكتوبر والذى أهدانا زميلنا شريف عارف صفحات من كتاب كامل حاوره خلاله، ثم نقرأ معًا شهادة الفريق أول محمد فوزى أحد الآباء المؤسسين للعسكرية المصرية فى عصرها الحديث، ثم شهادة اللواء عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثانى الميدانى أثناء الحرب، ثم مقتطفات من مذكرات البطل الشهيد الدكتور أحمد حجى الذى شارك فى التجهيز ليوم الكرامة، والشهادات الثلاث تكرمت دار «الكرمة» بإهدائها لـ«صوت الأمة». ونختم ملفنا بقراءة لتطور جيشنا وتعاظم قوته من زمن الحرب وإلى الآن. كل عام وجيشنا منتصر وكل عام ومصرنا شامخة لا تركع لعدو.
 
 
شاء الله لفؤاد نصار أن يكون شاهد عيان على جولات الصراع العربى - الإسرائيلى الأربع، وربما تحول فى آخرها إلى أحد المشاركين فى صناعة القرار بحكم موقعه كمدير للمخابرات الحربية المصرية أثناء حرب أكتوبر عام 1973.
 
إن أفضل وصف يمكن أن يوصف به هذا الرجل هو أنه «خزانة متحركة» من الأسرار، والتى يدرك - بحكم خبرته - متى يفتح أبوابها ويخرج منها ما يناسب التوقيت.. ومتى يغلقها ويترك للتاريخ وحده مهمة الكشف عنها
 
التقيت اللواء أ.ح فؤاد نصار مرات عديدة على مدى العشرين عاما الماضية، فى كل مرة كان يفاجئنى بأسرار جديدة، ولكنه كان دائمًا يجيب على قدر السؤال.
 
سألت اللواء نصار..
 
 ■ للمخابرات دور رئيسى ومهم فى الحروب.. أو كما يطلق البعض عليها «حروب المخابرات».. كيف ترى هذه الحروب ؟

- أى حرب مهما كانت لها بداية ونهاية إلا حرب المخابرات، فحروب المخابرات حرب مستمرة ليس لها أية نهاية.. ولكن أسلوب عملها ووسائلها تختلف طبقًا للموقف والحاجة.. لأن مهمتها الرئيسية هى الحصول على معلومات عن العدو ومنعه - فى نفس التوقيت - من الحصول على معلومات عن قواتنا، ومعنى هذا أننا بصفة مستمرة نحارب للحصول على معلومات، ونمنع العدو من الحصول على معلومات عنا، وهذا لا يتوقف على أن هناك حربًا أم لا.. فرجال المخابرات يعيشون طوال حياتهم فى حرب، ومع ذلك فإن المخابرات هى الجندى المجهول فى أية حرب، فهى التى تعمل فى صمت وسرية لجمع المعلومات عن العدو فى مختلف المجالات وتدققها وتحللها للخروج باستنتاج عن قوة العدو وتسليحه واستخداماته بل نواياه وردود أفعاله؛ أى أن المخابرات تقوم بتقديم جميع المعلومات التى يتم على أساسها وضع خطط القيادة، وليس هذا من مسئولية المخابرات فقط، بل من مسئوليتها منع العدو من الحصول على معلومات عن قواتنا ونواياه فإذا نجحت العملية أدت المخابرات واجبها، وإذا فشلت أو تعثرت يلقى العبء على المخابرات لفشلها فى الحصول على المعلومات فى الوقت المناسب أو عدم دقة المعلومات. 
 
وهذا ما فعلته إسرائيل عقب هزيمة أكتوبر عام 1973 حيث قامت بتشكيل لجنة أطلق عليها اسم لجنة «أجرانات» للتحقيق فى أسباب الهزيمة، وقالت هذه اللجنة فى تقريرها: إن من الأسباب الرئيسية فى أسباب الهزيمة هو ايلى زعيرا مدير المخابرات العسكرية على الرغم من أن الهزيمة كانت هزيمة لكل مؤسسات الدولة وليس للمخابرات العسكرية فقط.. وهذا يقودنا إلى التطرق للظروف والإمكانات التى عملت بها المخابرات الحربية للحصول على معلومات أثناء التحضير لحرب أكتوبر.. لماذا؟.. لأن المخابرات الحربية تم فرض قيد رئيسى على عملها وهو عدم اختراق خط الجبهة قبل بدء تحضيرات الطيران والمدفعية.. أى قبل ساعة الهجوم، وبذلك حرمت المخابرات من استخدام الاستطلاع الجوى أو القوات المسلحة نفسها فى الحصول على معلومات قبل بدء المعركة.ولهذا فلم يعد متبقيًا أمامنا سوى استخدام العنصر البشرى بطريقة سرية.. !

■ ما هى بصمتك الحقيقية على إدارة المخابرات الحربية.. خاصة فى تحديث الفكر والأسلوب؟
 
- بصمتى الحقيقية كانت فى البحث والدرس.. وتتلخص ببساطة فى أننى نظرت إلى نقاط القوة الخاصة بالعدو وكيف يمكن تلافيها ونقاط الضعف وكيفية استغلالها.. وكذلك عناصر القوة والضعف عندنا.. وكمثال لم أجد عندنا من الإمكانات الفنية والتكنولوجية ما أستطيع الاعتماد عليها للحصول على المعلومات الا العنصر البشرى.. وفعلاً بدأت اعتمد اعتمادا كليا على الفرد. 
 
كانت هناك مجموعة قتالية تحمل اسم «39 قتال» يقودها الشهيد المقاتل إبراهيم الرفاعى ومعه مجموعة من الضباط لديهم إيمان كامل بأداء المهمة أو الشهادة..
 
هؤلاء عبروا قناة السويس وخط بارليف وأحضروا معدات من هناك وجلبوا لنا معلومات عنه وقاموا بأكثر من 39 عملية قتال وسميت بعدها المجموعة بهذا الاسم.. 
 
وهناك مجموعة ثانية كان اسمها «منظمة سيناء» هذه المنظمة عبارة عن مجموعة من أبناء سيناء لأن هؤلاء يعرفون سيناء بالشبر، وعملت معنا مجموعة أخرى من المتطوعين من المدنيين والعسكريين، وأقمت بيوتًا للمتطوعين يتعلمون فيها الشفرة وقراءة الخرائط والمعلومات التى نريدها والرموز الموجودة.. 
 
كل هذا كان فى مدة شهرين حتى يتعلم الفرد كل شيء ويأخذ جهازا لاسلكيًّا يبلغنا من خلاله بكل المعلومات مهما كانت صغيرة، وبهذا غطينا سيناء كلها. 
 
بعد الحرب سألوا ديان: كيف استطاعت مصر الحصول على كل هذه المعلومات بهذا التفصيل والدقة علمًا بأنه ليس لديها أجهزة متطورة أو معدات فنية تستطيع بها الحصول على هذه المعلومات وليست هناك دولة تساعدها بأقمارها الصناعية.. فأجاب لقد غطت مصر سيناء برادارات بشرية ذات عقول ترى وتستنتج وترسل أفضل مائة مرة من الرادارات الصماء، وبذلك استطاعت مصر أن تحصل على كل المعلومات داخل سيناء.
 
■ يقودنا حديثكم إلى السؤال عن قصد القيادة العامة - آنذاك- من إضفاء الصفة العسكرية على عناصر الاستطلاع البشرية.. هل كانت تقصد بذلك إعلان الحرب؟
 
- تم إرسال 22 مجموعة وتتكون الواحدة من 3-4 أفراد وتم إنزالها بحرًا وجوًّا باستخدام الهليوكوبتر والتسلل على الأقدام.. وأهم من ذلك هو «مخازن الطوارئ» وهى بعض المخازن التى كانت تعدها إسرائيل للاستخدام لأن عدد أفراد الجيش قليل، والدولة بأكملها جيش فى وقت الحرب. بمعنى أنها عندما تحس أن هناك خطرًا ما تقوم على الفور بإعلان التعبئة العامة.. ولذلك فالمعدات موجودة داخل المخازن ويأتى الأفراد لاستخدامها مباشرة ويخرجون للقتال، ولذلك تأكدنا أنهم لن يقدموا على الحرب دون المرور على مخازن الطوارئ، ولذلك كانت مخازن الطوارئ الإسرائيلية هى مقياس اشتعال الحرب لدينا.. بمعنى أن الإسرائيليين إذا قدموا على استخدام هذه المخازن، فمعنى ذلك أنهم علموا أن هناك حربًا تعدها مصر.. كنا نعتبر مراقبة هذه المخازن من الأشياء المهمة التى لا يمكن تركها للحظات.
 
■ وماذا بعد مراقبة مخازن الأسلحة الرئيسية لدى إسرائيل؟
 
-فى يوم 5 أكتوبر أصدرت المخابرات رسائل عاجلة إلى قواتنا قالت فيها إن إسرائيل اكتشفت نوايانا فى الهجوم، وكان لهذه الرسائل مبررها، وهو أن إسرائيل قامت بإغلاق الأجواء الإسرائيلية ومنع الحركة على الجسور المفتوحة. 
 
وقالت مجموعة استطلاع المؤخرة التابعة لنا إن العدو قام بنقل قواته بالأتوبيسات وأخذوا فى استلام الأسلحة من مخازن الدبابات فى منطقة «المليز»، وتم نقل أفراد إسرائيليين إلى منطقة تمادا لاستلام أسلحتهم وأفراد آخرين من داخل إسرائيل إلى رفح وكل هذه التحركات معناها أن إسرائيل علمت بنية مصر فى الحرب. 
 
■ هل كان هناك اتصال مباشر بينك وبين الرئيس السادات؟
 
- نعم باستمرار كان هناك اتصال مباشر لعرض الموقف أولاً بأول وبدقة متناهية.. وكلما توافرت معلومات ذات قيمة أقوم بإبلاغه بها.
 
■ قيل إن السبب فى انتصار أكتوبر المعلومات.. قبل كل شيء؟
 
-كان هناك عاملان أساسيان المعلومات والمفاجأة.. !
 
وهذا كان أساسًا عمليًّا وقد تعلمت درسًا، وأخبرت به السادات وهو أن روسيا عندما أرادت أن تهاجم تشيكوسلوفاكيا أجرت مناورة على الحدود ودخلت عن طريق هذه المناورة.. ولذلك بدأنا فى إجراء مناورة كل سنة وقلنا يجب أن نستغل هذه المناورة لشن حرب من خلالها.. أما التخطيط وموعد الحرب فهذا ما كنا نحافظ عليه جدًّا لدرجة أن أحدًا لا يعرف إلا المطلوب منه فقط. 

■ وما أهم معلومة وصلت إليكم أثناء الحرب؟
 
- المعلومات كثيرة.. ولكن تحضرنى معلومة مهمة تلقيناها من مصادرنا وهى تحريك رءوس الكبارى الإسرائيلية ليلة 17 أكتوبر «المعروفة بالثغرة».. وقتها وردت لنا معلومات أكيدة حول وجود موشيه ديان فى إحدى المناطق بالضفة الغربية للقناة أثناء مروره على القوات بالثغرة، وعلى الفور أخطرت الرئيس السادات بذلك فقال لى: «تقدر تحدد المنطقة».. وقمت بتحديدها فى مساحة 200×200م2 وعلى الفور أمر السادات بتوجيه ضربة طيران إلى هذه المنطقة وقتل ديان.. وبالفعل شنت الطائرات المصرية غارة على المنطقة وقصفتها قصفًا شديدًا. 
 
وعلمت من مصادرنا أن المنطقة احترقت بالكامل.. وبعدها جلسنا ننتظر نبأ مقتل ديان.. وفى اليوم التالى وصلت إلىَّ إحدى الصور الفوتوغرافية لموشيه ديان وهو متعلق بإحدى أشجار النخيل ومن حوله النيران فى منطقة تبعد قليلاً عن المنطقة التى تم توجيه الضربة إليها.. وقمت بوضع الصورة أمام الرئيس السادات وقلت له: «ربنا لسه كاتب له عمر».
 
سألته: 
■ قلتم إن حروب المخابرات لا تعرف «السلام».. أو أنها «حروب بلا نهاية».. وخلال هذه الحروب يسقط عشرات الجواسيس من الطرفين.. وهو ما حدث قبل يونيو 67 وحتى أكتوبر 1973.. وتحولت قصص اصطياد الجواسيس الإسرائيليين إلى أعمال درامية.
 
■ ما أهم «حروب الجواسيس» التى عاصرتها بنفسك.. ؟
رغم إحكام عمليات التأمين والسيطرة، إلا أن المخابرات الإسرائيلية كانت تسعى بكل جهد، وبكافة الوسائل إلى تجنيد أكبر عدد من الجواسيس للعمل لحسابها كعملاء خاصة بعد يونيو67.
 
وخلال فترة الإعداد للحرب، لاحظنا أن هناك خطابات بالحبر السرى، يتم إرسالها إلى خارج مصر، وتمكنت عناصر المخابرات من اكتشافها، وبفحصها وجدنا فيها عددًا من الخطط الخاصة بتحركات القوات المسلحة.. ومنها بعض الخطط التى ستقوم بتنفيذها فى المستقبل القريب.
 
وعلى الفور ذهبت إلى المشير أحمد إسماعيل وأخبرته واستأذنته فى مراقبة بعض الأشخاص، وأراد الله أن يكشف هذا الجاسوس من خلال أحد الخطابات التى كان يرسلها. 
 
قال الجاسوس بالحرف إننى قمت بتركيب « إريال» على سطح العمارة، واستطيع الآن استقبال إشاراتكم وأوامركم، فأرسلوا الإشارة باللاسلكى. وبدأنا نحصر كل الأشخاص الذين يعلمون بهذه المعلومات، وأى عمارة بها إريال غير تقليدى يتم معرفة صاحبه، وذات يوم كان هناك اجتماع فى القيادة العامة للقوات المسلحة، بحضور الرئيس السادات فأخبره المشير أحمد إسماعيل بما حدث وبعد قليل وأنا فى الاجتماع تلقيت اتصالاً من عناصر المخابرات لإبلاغى أنهم وجدوا الشقة المستهدفة.. 
 
وبالفعل استدلت عناصر المخابرات سريعًا عن صاحب الشقة، وكان يعمل مهندسًا، فطلبت من عناصرنا معلومات أكثر عن هذا الشخص، وأسلوبه ونمط حياته، فجاءت التحريات لتؤكد أنه مهندس مشهود له بالكفاءة فى عمله وهو رجل أعزب، ولكنه يحتسى الخمر، ويقيم بعض السهرات الخاصة فى شقته.
 
وعلى الفور أبلغت الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل بتفاصيل القصة، وعندما تم استدعاؤه واجهناه بالخطابات المكتوبة بالحبر السرى.. فقال: أنتم عرفتم.. وتوالت اعترافاته.. فقال: سوف أقول لكم الحقيقة كاملة وافعلوا ما شئتم!.. قال: كانت هناك واحدة اسمها عبلة كامل.. وكنت أريد أن أتزوجها، ثم وقع خلاف بين العائلتين، وتركت هى مصر وسافرت إلى فرنسا وكانت على اتصال بى.. ومنذ فترة حضرت لزيارة مصر فأخذتها فى رحلة إلى الإسكندرية وشاهدت الرادارات الخاصة بالقوات الجوية.. وفى النهاية أخبرتنى أنها كانت تعمل فى عمل صعب فأخذها اليهود وأعطوها شقة، وعينوها فى شركة بمرتب محترم، ثم بعد ثلاثة أشهر «رفدوها» ثم عادت مرة أخرى لمدة شهرين.. وقالوا لها هل تعرفين «فلان الفلانى» والمقصود بذلك أنا.. نحن نريد منه معلومات.. وقالت لى إن كل معلومات سيحصلون عليها منكم سيقابلها مبلغ كبير.. فأغرانى الكلام فقلت نعمل «قرشين» وبعدها أسافر إلى فرنسا وأترك مصر نهائيًا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق