حتى لا نقع في هذا المأزق

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017 06:44 م
حتى لا نقع في هذا المأزق
حسين عثمان يكتب:

ضجة إعلامية استحقها إعلان اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نتائج التعداد العام الأخير للسكان والإسكان والمنشآت في الأول من أكتوبر الحالي،الأهمية القصوى لهذا التعداد، تأتي في المقام الأول باعتباره التعداد المميكن الأول من نوعه، والذي تم باستخدام أجهزة التابلت وشبكة الإنترنت والخرائط الرقمية، وهو مما وفر الوقت والجهد على القائمين عليه، فمنحهم فرصة التركيز بشكل أكبر على دقة الحصر والتسجيل، وسلاسة التحليل والإحصاء، فأعطى مصر لأول مرة قاعدة بيانات، نراها بحق أساساً قوياً يمكن البناء عليه، فإذا كنا نتحدث عن إدارة فاعلة، تستهدف الانطلاق من منصات علمية، يكون القياس هو المدخل للقدرة على الإدارة.

لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه، هكذا علمتنا علوم الإدارة، وفي القلب منها علم إدارة الجودة، والتي وضع لها أحد روادها، الأمريكي ويليام ديمنج، خمسة محاور رئيسية تمثل خارطة الطريق لتفعيل معايير الجودة في أداء أي مؤسسة، أول هذه المحاور يضم المبادىء الأربعة عشر لإدارة الجودة، وتتلخص في أن يكون التحسين المستمر هو الهدف الدائم لأي مؤسسة، وأن تتجه الإرادة دائماً لتبني مناهج جديدة، وأن تتخلى المؤسسات عن الاعتماد على التفتيش لصالح استخدام الطرق الإحصائية، وألا يقوم قرار شراء السلع أو الخدمات على السعر فقط، والعمل المستمر المتواصل على تحسين عمليات التشغيل، والتأسيس لثقافة التدريب والتعليم المستمر في العمل.

ويستطرد دمينج مستكملاً مبادىء محوره الأول نحو تفعيل تطبيقات الجودة، مؤكداً ضرورة تحقيق التوافق بين مفاهيم الإشراف والإدارة، وإزالة الخوف من العاملين وخلق الدافع داخلهم نحو معرفة المشكلات وإخطار الإدارة المسئولة عنها دون تردد أو خوف وبهدف تقويم وتحسين الأداء، ثم إزالة الحواجز بين مختلف الإدارات والأقسام داخل المؤسسة والعمل بروح الفريق، والتقليل من ترديد الشعارات والمواعظ وعبارات النقد، وتعظيم الإجراءات التي تعزز سلوك الفريق بعيداً عن تكليف الأفراد بتحقيق نتائج محددة، وتقدير حق العاملين في التباهي بجودة إنجازاتهم، والتأسيس لبرامج التطوير وتنمية قدرات الأفراد، وآخرها هنا تعظيم شعور الأفراد بأهمية أدوارهم جميعاً في تحقيق التغيير إلى الأفضل داخل المؤسسة.

وفي المحور الثاني من محاور إدارة الجودة، أو جودة الإدارة، شخص ديمنج الأمراض القاتلة للمؤسسات، وفي المقدمة منها عدم الاستقرار على الهدف، والتركيز على تحقيق نجاحات سريعة على المدى القصير، وتقييم الأداء داخل المؤسسة مرة واحدة سنوياً تعتمد في الأساس على الأحكام الانطباعية دون قياسات دورية محددة ومدققة، وكثرة الإحلال والتبديل في المواقع القيادية داخل المؤسسة بما لا يعطي الفرصة للقادة لاستكمال ما بدأوه من خطط، وكذلك استخدام الأساليب النمطية في الإدارة، ثم تناول دمينج في المحور الثالث ما سماه معوقات الإدارة، ومنها الحلول الافتراضية والعمل الفردي، وقبل أن يختتم العالم الأمريكي محاوره الخمسة بمحوري المناخ الملائم، وتوافر المعارف المتعمقة.

وقياساً على منهج دمينج وغيره من علماء الإدارة، نجد أن التعداد العام الأخير للسكان والإسكان والمنشآت، قد وضع يد الدولة على أهم المقومات الأساسية لإدارة الجودة داخلها، وباعتبارها هنا مؤسسة كبرى، تضم عدة مؤسسات تعمل في دوائر مستقلة ومتواصلة في نفس الوقت، فقد وضع أمامنا التعداد مؤشرات واضحة ومحددة تلقي الضوء بقوة على أوضاع محاور التنمية الأساسية لأي دولة، والمتمثلة في الفقر والجهل والمرض، أو الأحوال الاقتصادية والتعليمية والصحية للمجتمع المصري في مجموعه، وفي هذه الفترة الحرجة من عمر وطن ومواطنين انتظروا طويلاً لحظة عبور حقيقية إلى المستقبل، وهو ما نلحظه بسهولة بمجرد الاطلاع بعمق واهتمام على بعض هذه المؤشرات.

والتي تبدأ بالتطور الزمني للتعداد السكاني للأسر والأفراد، ولا تنتهي بالأنشطة الاقتصادية المتمثلة في الأساس في تجارة الجملة والتجزئة والصناعات التحويلية، ومروراً بتحليل النمو السكاني، والتوزيع العمري للسكان، والتأكيد على أن المجتمع المصري مجتمع شاب يمثل فيه الشباب أكثر من ثلثي تعداده، ومعه تطور أوضاع الحالة التعليمية للسكان، بما فيها أعداد المتسربين من التعليم، وغير الملتحقين به من الأساس، ثم أحوال الزواج والطلاق بشكل عام، والمبكر منهما تحديداً، وكذلك حالات الإعاقة على سبيل الحصر، وخريطة التأمين الصحي في الحكومة والقطاع الخاص، وارتفاع معدلات استخدام تطبيقات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وحصر أعداد المباني واتصالها بمرافق الصرف الصحي، وغيرها مما يمس حياة المصريين.

لا يتبقى الآن سوى اهتمام مختلف مؤسسات الدولة التنفيذية بما جاء بهذا التعداد من أرقام وإحصائيات، بحيث ينشط المسئولون نحو وضع الأهداف المرتبطة بتحسين الأوضاع في مختلف الاتجاهات، وبشرط أن تكون الأهداف ذكية، يمكن قياسها، وواقعية قابلة للتحقيق، وفي توقيتات زمنية محددة تتناسب وطبيعة كل منها، وعلى أن توضع فوراً لكل هدف منها، مؤشرات قياس الأداء الخاصة به، يستعرضها المسئول أمامه دورياً فتنير له الطريق، وتدعم صنع واتخاذ القرارات التصحيحية ذات الصلة في الوقت المناسب، التعداد العام الأخير للسكان والإسكان والمنشآت، خطوة هامة ومبشرة ومحفزة، وعلينا استثمار نتائجها، وحتى لا نقع في مأزق العجز عن إدارة ما تم قياسه بالفعل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق