الوشم الديني.. انشروا الطائفية على الأبدان

الخميس، 12 أكتوبر 2017 01:00 ص
الوشم الديني.. انشروا الطائفية على الأبدان
وشم
محمد الشرقاوي

 

إبر كهربائية، ورسوم، وفتحات جلد دامية، وآهات تنتهي بهيكل تم الاتفاق عليه مسبقًا، ما بين كلمات "الله، محمد، علي وفاطمة، الحسن والحسين، لولا الله لعبدت الحسين، مسيح وعذراء، وصليب، وقساوسة، ونجمة داود"، كل يطلب "وشمه" حسبما يعبد ويعتقد.

الوشم، شكل من أشكال التعديل الجسماني يتم بوضع علامة ثابتة على الجسد، بغرز إبر ثم صبغ موضعها، لتبقى داخل الجلد ولا تزول.

وشم
 

ارتبطت "الأوشاوم" بالعادات والتقاليد، وبدأت منذ عدة قرون في جميع أنحاء العالم، في اليابان "الآينو" -السكان الأصليين،  "الأمازيغ" في شمال أفريقيا، "الماوري" في نيوزلندا، و"الهاوسا" في شمال نيجيريا، والعرب في شرق تركيا، والبدو في سوريا، وعند "الأتايال" في تايوان، وتايوان والفلبين وبورنيو وجزر مينتاواي وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى وأوروبا واليابان وكمبوديا ونيوزلندا ومايكرونيزيا.

على مدار عقود من الزمن، ارتبط الوشم بالعادات والتقاليد في دول العالم، غير أنه كان بالنسبة للعرب التعبير عن معتقد ديني، على الرغم من تحريم الأديان السماوية الثلاث له، وهي الديانات التي تأسست في حواضن عربية.

lead_370
 

لعن الله الواشمات

النص الديني في الشريعة الإسلامية عن تحريم الوشم، جاء صريحًا، ففي السنة النبوية، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (لعَنَ اللهُ الواشماتِ والمُستوشِماتِ، والنّامصاتِ والمُتنمِّصاتِ، والمُتفلِّجاتِ للحُسْنِ المُغيِراتِ خلقَ اللهِ)، واتفق كافة المذاهب الفقهية على الحرمانية، معتبرين أن ذلك تغييرًا في خلق الله.

غير أن بعض الفقهاء أحل "الوشم" في حالتين، هما: أن يكون الوَشم وسيلةً مُتعيِّنةً –متفق عليها-لعلاج مرضٍ والتّداوي منه، فيجوز عندئذٍ للضّروة؛ لأنَّ الضّرورات تُبيح المَحظورات كما تنصُّ القاعدة الفقهيَّة، وفي الحالة الثانية أن يكون الوشم طريقةً تتزيَّن بها الزوجة لزوجها بإذنه، عند بعض الفُقَهاء.

اختلف المذاهب الإسلامية، أتباع المذهب السني اتفقوا على حرمانيته، غير أن الوشم في المذهب الشيعي اعتبر تعبيرًا عن حب دفين وقوي مرتبط لآل البيت، ازدادت شعبيته في ظل صراعات طائفية تشهدها الدول العربية، في أن هناك حديث يقول: "إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ".

EP-307299992-6
EP-307299992-6

 

هبوا للانتقام للحسين

تقول دراسة لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أعدتها زميلة المعهد الباحثة حلا نصر الله، بعنوان: " الطائفية في الأوشام"، إن شعبية الأوشام الدينية ازدادت بسرعة بعد اندلاع الصراع السوري، خاصة بين أنصار المذهب الشيعي.

تضيف الدراسة، تحمل الكثير من هذه الأوشام دلالةً طائفيةً مرتبطة بالطائفة الشيعية، وتعكس هذه الدلالة الطائفية الواضحة، بعدّة طرق، استعداد الأفراد في المناطق الطائفية المحدّدة لشنّ أي معركة للدفاع عن مجتمعاتهم الدينية، وإنّ هذه الأوشام هي الأكثر انتشارًا في المجتمعات الفقيرة، وتميّز بالتالي أفراد الطبقة الدنيا أكثر عن نظرائهم من الطبقات الاجتماعية الأخرى الذين سعوا لفصل أنفسهم عن الفقراء بحسب الحي السكني أو المدرسة مثلًا.

1280x960_2_462389
 

توضح الباحثة، أن الكثير من الشباب الشيعي لجأ لتلك الأوشام للتعبير عن إحباطهم إزاء أوضاعهم المعيشية والحرب السورية وللإشادة بأقوال الإمام الحسين بن علي، عن الشجاعة والنبل في الحرب، وافق كلّ منهم على رسم وشم يحمل رموز الطائفة الشيعية.

8973
 

من بين الأوشام الشيعية الأكثر شيوعًا: "هبوا للانتقام للحسين" و"كلنا عباس يا زينب" و"خلّصنا يا بقيّة الله" و"يا زينب"، تضيف الدراسة أن اهتمام الشباب بالأوشام يرتبط بنتيجة الحرب، فينحسر هذا الاهتمام مع انحسار الحرب.

 

ولا تَجرَحوا أجسادَكُم لِمَيْت

13680811_1059013457520705_2571089097857664765_n

يقول الكتاب المقدس سفر لاويين: "ولا تَجرَحوا أجسادَكُم لِمَيْت. وكِتابَة وَسْم لا تَجعَلوا فيكُم. أنا الرّبّ" (لاوييّن 19: 28)، وهي المرة الوحيدة التي تناولت الحديث عن الوشم، تقول مراجع مسيحية، إن الله أعطى هذه الوصية لبني إسرائيل ليميزهم عن الشعوب المجاورة الذين وشموا أجسادهم بأسماء آلهتهم ورموزها، وهو ما ورد في سفر (‏تثنية ١٤:‏٢‏)، وأن الاستناد لكتب الشريعة اليهودية هنا اتفاق المبدأ.

وفندت المراجع المسيحية، لجوء بعض أبناء المسيح عيسى بن مريم، إلى الوشم، بأن ذلك لتعزيز إحساسهم بهويتهم الفردية أو إثبات استقلاليتهم،‏ أو تأكيدًا لحقهم في حرية التصرف في جسدهم.‏ وهو ما يتعارض مع آيات الكتاب المقدس: "قرِّبوا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مقبولة عند الله،‏ خدمة مقدسة بقوتكم العقلية».‏ (‏روما ١٢:‏١‏).

المسيح
 

يقول موقع "المسيح" الكنسي، إن الأسوأ في ظاهرة "الوشم" تفشّيها بين المؤمنين الّذين يَشِمون أجسادهم بآيات وصور من الإنجيل، ليُظهِروا إيمانهم ومعتقداتهم متناسين أنّ الرّبّ حذّر من الوَشْم، وهو لا ينظر إلى الجسد بل إلى القلب، ويُفضِّل أن نشهد له في حياتنا بدلاً من أن نضع رسمًا دينيًّا على أجسادنا. إنّ هذه الرّسوم لا تقرّب النّاس الى المسيح، بل تترك تأثيرًا عكسيًّا.

 

وكتابة وسم لا تجعلوه فيكم

استندت الشرائع المسيحية واليهودية إلى نص واحد، وهو ما ورد في "سفر لاويين"، وجاء التحريم مطلقًا عند اليهود، فهم يعتبرون أنه من التمائم وهي محرمة لديهم، في حين أباح بعض الحاخامات "الأوشام" بشرط أن تكون مؤقتة، وأن يكون على الطبقة السطحية للجلد وليس غائرًا.

وفق مراجع يهودية، تنتشر الوشوم بين الإسرائيليين العلمانيين، وأغلبهم يفضلون وشم "نجمة داود"، وبعض العبارات المقتبسة من "العهد القديم"، في حين تفضل النساء وشوم الطيور والأزهار والفراشات والرسومات الأسطورية.

 

 

الطائفية على الأبدان

وفق خبراء ومختصون، الوشم يُظهِر نوعًا من الاختلال النّفسيّ والانحراف السّلوكيّ، بحيث يعبّر الشّخص عن سخطه وتميّزه في المجتمع، خاصة في ظل المجتمعات التي تعاني من نزعات طائفية، فكل صاحب دين ومذهب يود أن يرى الجميع مدى تدينه وأن إيمانه ليس داخليًا فقط بل ظاهريًا أيضًا.

34cc2222d5e1a00d2dabfc95bdecf882

تضيف أبحاث نفسية، أن من بين الأسباب التي يلجأ بها الواشمين إلى الأوشام: الفراغ وعدم الثّقة والأمان، إضافة إلى عدم وجود ثقافة دينيّة واضحة لديهم وعدم شعورهم بقيمة الحياة، وأن الإنسان المضطرب، هو الّذي يريد تغيير شكله وتجديده.

Skärmavbild-2015-12-05-kl.-10.14.20

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق