«كتابيه»

الإثنين، 16 أكتوبر 2017 06:51 م
«كتابيه»
عبد الحليم محمود يكتب:

لعل ما يلفت النظر في مذكرات الدبلوماسي المخضرم عمرو موسى هو الاسم الذي اختاره عنوانًا لمذكراته تحت اسم «كتابيه» اقتباسًا من قوله تعالى «فأما من أُوتى كتابه بيمنه فيقول هاؤم أقرءوا كتابيه» ذلك لأن المرء حينما يكتب مذكراته فهو – في الواقع – يقدم أوراق اعتماد للتاريخ ليكون شاهدًا له أو عليه، وتأتي قيمة «كتابيه» في السرد المنتظم لرحلة العمر الممتدة لأكثر من ثمانين عامًا، والمناصب التي تقلدها كوزير سابق للخارجية المصرية (1991-2001) لتنتهي مسيرته في الدبلوماسية المصرية بظهور أغنية شعبان عبد الرحيم «بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل».
 
 
ثم تأتي مرحلة جديدة من الدبلوماسية العربية كأمين عام لجامعة الدول العربية (2001-2010) وما شهده خلالها من أزمات كالغزو الأمريكي للعراق وموقفه من التطبيع مع إسرائيل فيما وصفه بالاندفاع العربي «التطبيع المجاني» أو الهرولة العربية ثم المرحلة الممتدة من ثورة يناير 2011حتى إقرار دستور 2014 والسؤال الذي يفرض نفسه الآن ما القيمة التي تضاف للمجتمع من مذكرات عمرو موسى؟ وما الذي نتوقعه منه بما يتناسب مع حجمه كرمز من رموز الدبلوماسية المصرية وتقلده العديد من المناصب المهمة لأكثر من عشرين عامًا؟ وهل تشكل مذكراته وعاءً للتجربة أم تسجيل للوقائع والأحداث والذكريات، والملاحظة المثيرة في هذا السياق حينما وصف كل من الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات بأن كليهما ديكتاتور.
 
وإن عبد الناصر كان يستورد طعامه من سويسرا من أجل اتباع نظام غذائي معين، في حين وصف مبارك بأنه كان قماشة مختلفة ولم يكن يحب الزعامة وكان عازًفا عن أي دور إقليمي.
 
 
والمذكرات بما لها من قيمة فمن المفروض أن تتجاوز حاجز الزمن وتوضع لأجيال آنية وآتية لتكشف عن تجارب هامة ومؤثرة في المشهد السياسي المصري، وفي رأيّ أن "كتابيه" قد وضع القارئ في مواجهة المشهد الأخير دون أن يطل به على تجربة كل رئيس من الرؤساء الثلاثةـ عبد الناصر والسادات ومبارك ـ في عصرها أو عالمها أو النظام العالمي الذي نشأت فيه وعلينا ألا نتعجل في الحكم على هذه المذكرات في كونها مذكرات شخصية أم لا فإن لي رأيًا في ذلك اظنه قد يكون مقبولا بقدر ما يساويه.
 
 
إن المذكرات لم تقدم لنا تفسيرًا لكثير من الأمور أهمها حال مصر منذ أكثر من ستين عامًا منذ عهد الرئيس عبد الناصر حينما كانت مصر مصدر القوة العسكرية والدبلوماسية في الشرق الأوسط بلا منازع في حين تراجع دور القاهرة والدبلوماسية المصرية إقليميًا في عهد مبارك والذي انصرف إلى الاهتمام بالشأن الداخلي " التوريث" على حساب الشأن الخارجي لمصر ودورها الإقليمي، كما لم يفسر لنا هذا التناقض بين ديكتاتورية عبد الناصر والسادات من ناحية ـ كما وصفها موسى ـ وقماشة مبارك المختلفة من ناحية أخرى.
 
 
وبرغم من شعبية جمال والسادات التي تجاوزت شعبية مبارك بكثير ونظرة الغالبية العظمى من المجتمع العربي والعالمي على أن عبد الناصر هو الأب الروحي المؤسس لحركات الاستقلال العربية والإفريقية وصاحب قرار تأميم شركة قناة السويس ومشروع السد العالي والتصنيع والإصلاح الزراعي، ولن أذهب بعيدًا إذا قلت أن السادات وهو رجل الحرب والسلام عندما أراد تشكيل لجنة لتخليد ذكرى عبد الناصر واعترض البعض بقولهم أن عبد الناصر لم يكن أسطورة فلم ينكروا أنه كان رجل تاريخ، في حين تراجعت شعبية مبارك على المستويين الداخلي والخارجي وهو ما أدّى إلى انطلاق شرارة ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام ألفين وأحد عشر.
 
 
كما لم يفسر لنا «كتابيه» كيف استفادت مصر من مشروعات التصنيع والسد العالي والإصلاح الزراعي في عهد عبدالناصر وتراجعت اقتصاديًا في عهد مبارك رغم المعونات المقدمة لها والتي قد تجاوزت تريليون دولار.
 
 
المذكرات لها قيمة لا تنكر إلا أنها كما أشرت من قبل تضع القارئ أمام مشهد في آخر الرواية دون تقييم شامل لوعاء للتجربة - حتى يستطيع القارئ الحكم بتجرد وموضوعية بعيدًا عن الميل والهوى - والعله في ذلك ان تجربة السياسي ليست حقًا شخصيًا خالصًا له بل تنشئ للمجتمع حقًا مفروضًا لازمًا فكيف لنا أن نعزل الإنسان عن تاريخه السياسي؟
 
 
والتاريخ إنساني بطبعه وهو تجربة الشخص والمجتمع معًا بما تحويه من دروس الماضي حتى نستطيع وضع رؤية واستراتيجية للمستقبل وبقدر ما يكون للتجربة من معنى في الماضي بقدر ما يكون لها معنى في الحاضر وفي حسابات المستقبل وغاياته وتلح على منذ حين عبارة الرئيس السادات في مقدمة كتابه «البحث عن الذات»، والتي قال فيها «إنها قصة حياتي التي هي في ذات الوقت قصة حياة مصر منذ عام 1918» لا أقلل من قيمة «كتابيه» لكننا ننتظر من موسى تجربته التي نحملها باليمين لتضع إضاءات على طريق المستقبل لمصر وهو شخصية مرموقة لديها الكثير.
 

 

تعليقات (1)
...
بواسطة: Khalid
بتاريخ: الأربعاء، 18 أكتوبر 2017 08:48 ص

ماشي كل اللي عمله عبد الناصر ده ميمنعش انه اكبر ديكتاتور مسك البلد

اضف تعليق