عندما تكون الخرافة ثقافة

الجمعة، 20 أكتوبر 2017 04:12 م
عندما تكون الخرافة ثقافة
هبة العدوي تكتب:

(1)

الناس لأنها خايفة من المستقبل.. والقلق راكبها.. فبتصدق بالإيحاء أي وهم يطمنهم ويخليهم يحسوا بالأمان.. كل شيء أصبح مزيفا.. حتى النظريات.. الناس في حاجة ليقين.. لحقيقة واحدة تكون ثابتة.. ما زلت أتذكر الجملة السابقة على لسان أحمد زكي رحمه الله في فيلم «البيضة والحجر».

 

والحقيقة أنه عندما تكون الثقافة هي الخرافة، تنقلب كل موازين المجتمع.. يؤمن بالخرافة من تملّكه ضعف.. في الضعف يتساوى الجاهل والمتعلم والأميّ.. يجمعهم جميعا نفس الإحساس بالخوف.. والإيمان  بقوى خفية مطلقة تتسيدهم.. وتتملك إرادتهم فتسلبها منهم دون وعي ويصيروا في يدها كالدابة.. يجذبها حيث يشاء وكيفما شاء.. والحقيقة أن الخوف شعور طبيعي دافع للسعي خلف الشعور المعاكس له.. «الطمأنينة».. ولكن أي وجهة يسلكها الخائف الذي يمر بإحدي لحظات ضعفه؟

 

(2)

 

اقرصيها في ركبتها.. تحصليها في جمعتها.. خرزة زرقاء.. خمسة وخميسة.. عروسة مثقوبة.. البنت تخرف.. إذن الجن يلبسها.. وليس أبدا اختلال في كيمياء المخ، كما يحدثنا العلم عن اختلال مستوى الدوبامين!

معمول لها عمل على ورقة شجر.. كل الهوا ما يجي ويحركه.. كل ما جوزها يكرهها..

الشيخة نادية تسخر الجن الطيب.. هوووب طوابير كراماتك يا شيخة..

كل ما سبق بعضٍ من خرافات.. بتكرارها صارت حقائق بديلة لنا عن العلم والمعرفة الحقة.. مثلها مثلما صنع الإنسان قديما من الحجر تمثالا ثم عبده..

الآن من الغيب يصنعون إيمانا زائفا.. وسبحانك يا الله وقد نفخت فينا من روحك فصار هذا الطين الجماد.. إنسانا ..

ثم نأتي لنكفر فقط بأنفسنا.. بقدرتنا على التغيير.. بإرادتنا الحرة.. حتى هذه نأتي لنقول لبسها جن شرير..

أيلبس الإنسان الذي به نفخة من روح الله، جناً خلقه الله ليعبده مثلما نعبده نحن بني الإنسان؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

صدق الله العظيم

 

 (3)

 

في عصر العلم والمعرفة.. مازال المصري يحل مشكلاته بالاستعانة بالقوى الغامضة التي لا تُرى.. وقدراتها في نظرهم لا منتهية.. لا وجود لتلك القدرة المطلقة يقيناً سوى لله وحده جلّ وعلا..

تحدثنا الإحصائيات أن العرب ينفقون أكثر من 5 مليارات دولار سنويا علي الدجل والشعوذة..

يلهثون خلف «شماعات» يعلقون عليها إحساسهم بالضعف والشلل النفسي وعدم قدرتهم علي ابتكار حلول علمية.. أو الإيمان بسحر الدعاء ويقينه..

الخرافة «وهم».. كذبة أنت تريد أن تؤمن بها.. لتريحك من الحقيقة.

اعتدنا «استسهال» الأمور.. فبالتأكيد يسهل أمر شراء الخرزة الزرقاء، عن مشقة جهاد النفس وترقيتها لقيم الحب والخير والحرية والبر والنماء..

أو إعمال العقل وتدريبه على الفكر النقدي والابتكاري والتحليلي المنطقي.. وغيره من الذكاءات المتعددة..

 

(4)

 

ولكن متى أدمن الشعب المصري ثقافة الخرافة بدلا من العلم والحقيقة؟

رأيي من بحثي في التاريخ.. أن ذلك حدث منذ احتل أكتافيوس الروماني مصرنا في سنة 30 قبل الميلاد في موقعة إكتيوم..

اجمع معي نحن في سنة 2017 بعد الميلاد+ 30 قبل الميلاد = 2047 سنة احتلال بالقوة المخفية الخزعبلاية..

ألا يكفينا ما قضيناه في الخرافة!

 

(5)

يطالعنا الكاتب الكبير بأحاديث غير موضوعية لا أدري تحديدا كيف تساهم في بناء الوعي!.. فمنذ متى وتناول الشخصيات التاريخية مثل عمرو ابن العاص وصلاح الدين الأيوبي وأحمد عرابي بعين «النقض الهدام».. بدلا حتى من «النقد الموضوعي»، هو أمرا يستحق أن يُنسَب لأي مثقف؟

وما تعريف المثقف؟.. وهل الآن مصر تتعدد بها الوجهات الثقافية؟..

التعدد دوما أمرا محمودا.. ولكن هل هذا التعدد يصب في المصلحة العامة للمواطن المصري في تياره الرئيسي؟

وإذا لم تكن كيف يمكن التصدي للخرافات والخزعبلات إلا بسلاح العلم والمنطق والحجة يقابلها الحجة..

والبقاء للأصلح فكرا..

لمن يفيد المواطن ويبني المجتمع بما يضع المصري علي وجهة سعادته الشخصية واستقراره النفسي الداخلي..

لا سبيل لذلك سوى بالبنية التحتية الأخلاقية والعلم..

لا سبيل لذلك إلا بفتح المجال العام للمنقاشات الحرة..


(6)

فويل للوطن، إن انحرفت فيه بوصلة المتعلمون..

وصار الدجل هو الحقيقة الوحيدة التي يلهث خلفها الجميع بمختلف دروبه.. والعلم هو سرابها الذي يصر المجتمع علي رفضه وإنكاره..

مجتمع منقلب رأساً على عقب.. مجتمع أغلبه يسير مسحورا خلف مختلف أنواع السراب..

هي حقيقة إذن أن الدجل هو: اللعب الذكي بآمال وأحلام الناس..

كما حدثنا محمود أبو زيد في «البيضة والحجر»

 

(7)

تقف مكتبة الإسكندرية شاهدة على أن مصر كانت «منارة علمية» للعلم والمعرفة على مدى قرون طويلة، شيدها بلطيموس الأول.. وتعد أقدم مكتبة حكومية عامة في العالم القديم..

كان بها هذا المزج العلمي والثقافي بين علوم الشرق وعلوم الغرب.. كل عالم يدرس فيها، لابد له أن يترك نسخة من مؤلفاته..

تحرر فيها كل علمائها من التابوهات التي تفرقنا اليوم الخاصة بالعرق والسياسة وتفريق ديننا لفرق متناحرة.. قرروا فيها أن العلم للبشرية دون تصنيف.. فبقيت لنا أساسا لحضارة أسسها قدماء المصريون بالعلم والمعرفة والأخلاق كما يقول الكاتب هنري بريستد عن مصر «فجر الضمير»..

فالحضارات لا تُبنى أبدا علي الخرافة..

أحرق الرومان مكتبة الإسكندرية وكل ما بها من معلومات تركها لنا أجدادنا قدماء المصريين.. أحرقوا كل أسباب قيام حضارة من جديد كما يقال في أغلب الروايات التاريخية الموثقة..

ألقى جنكيز خان كذلك بكل المخطوطات والكتب في مكتبات بغداد في نهر دجلة  بالعراق..

ثم يأتي نفس الكاتب الكبير ليدافع عن جنكيز خان وبأنه ليس كما صورته الأفلام العربية..

إن لم يكن جنكيز خان قاتلا همجيا للبشر.. مرة باستباحه الأرض.. وأخرى باستباحه الحضارة العلمية.. فمن يكون إذن؟

 أتدرون لما يحطم أي مستعمر العلم إذن؟

ذلك أنه أول ما تبُنى به وعليه الأمم.. في «تكامل وتواصل» حضاري بديلا عن «صراعات» يغرسها المستعمر في أي أرض يطأها بقدميه..

وأتسائل متى يحكمنا من يؤمن بان الإنسان المصري كما له الحق في المأكل والمشرب والمسكن الصحي.. له الحق في المعرفة..

في الوعي الذي يفيقه من جهل خرافاته، فيصم آذانه بنفسه عن كل ما يجعله يتخلف عن ركب بناء حضارته..

ويطل بعقلية نقدية ونظرة موضوعية على التاريخ وكل ميراثه الحضاري.. مبتكرا حضارته الخاصة المصرية..

الأمر ليس بهين، ولكنه ضرورة قصوى فمنذ متى والشعوب التي جُهِّلت ومازالت تُجهّل عمدا، يمكنها أن تبني حضارة!

الإجابة متروكة لمن يهمه أمر الإنسان المصري

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق