وطويت الصفحة الأخيرة من تاريخ مصر الجديدة

على السادة المسؤولين.. ترك "تروماي" مصر الجديدة من أجل سلامة التاريخ

الجمعة، 20 أكتوبر 2017 03:24 م
على السادة المسؤولين.. ترك "تروماي" مصر الجديدة من أجل سلامة التاريخ
ترام مصر الجديدة
مصطفى الجمل

 
كانت ليلته الأخيرة بالقاهرة، على مدار ثلاث ليال وأربعة أيام، جاب من معالم بنت المعز ما استطاع وخضع لميزانيته التي جاء بها من قلب الصعيد الضارب سرطان الفقر والإهمال بجسده، الحاجة الآن إلى مكان يلتقط فيه صورة تذكارية على الطراز الحديث أو كما قالوا «سيلفي»، يرفعها على صفحته، ليوثق لحظات زيارته الأولى للمدينة التي تسمى في قريته بـ«مصر»، على ألا يفرط في أكثر من 50 جنيهاً مما تبقى من الميزانية.
 
نصائح التنزه بالقاهرة على صفحات «فيس بوك» تشير إلى أن بمنطقة مصر الجديدة، مترو قديم أو ترام اسمه « تروماي مصر الجديدة »، تحفة أثرية أكثر منه وسيلة نقل قتلها الإهمال مع سبق الإصرار والترصد، بجواره سار العشاق والشعراء والأدباء، كل هؤلاء وجدوا ضالتهم هنا، الصور المنتشرة له تبرز روح تثري في أوصال مرتادي المكان.
 
الرحلة من منطقة وسط المدينة إلى منطقة مصر الجديدة، أخذت ما يزيد عن الساعة، وإن كانت تقديرات خبراء الـ«GBS» تشير إلى أنه كان بالإمكان الوصول في وقت أقل عبر عدة اختصارات لا يعلمها «الغريب الأعمى»، ولكن يبقى عزاءه في أنه ها هو قد وصل إلى حيث قصد، غير أن مفاجئة لم تكن على البال كانت في الانتظار، آلات هدم وتكسير تنزل على قضبان تحمل عبق التاريخ، ورجال ونساء يلتفون حول ماكينات الهدم التي سورت بلافتات مكتوب عليها «ممنوع الاقتراب.. منطقة عمل»، شد الشاب الصعيدي أطراف حديث المجموعات التي أضائت مكان العمل بـ«فلاش الموبايل»، دقائق واستوعب الشاب الصدمة، فالمكان الذي تحمل من أجله الاختناق المروري ورائحة العرق بالمواصلات، قررت الحكومة أن تكتب نهايته، لغرض التوسعة وفك الزحام المروري بالمنطقة. 
 
ازالة ترام مصر الجديدة
 
خلع قضبان ترام مصر الجديدة
 
 
عرف الشاب، كما هو معروف للجميع أن التروماي الذي كان يسير فوق الأرض يحتل مكانًا فريداً بداخل ذاكرة ونفوس قاطنى الحي الراقي وقاصديه،  استوعب على مدار عشرات السنوات ولا يزال يستوعب رغم ما ضربه من إهمال- الطلبة والموظفين والمتنزهين، لم يأن ولم يتوقف، حتى بات علامة مميزة لكل من زار المكان. 
 
عوضاً عن الصورة الضائعة، سار الشاب يسأل عن تاريخ المكان، فعرف من أحاديث الملتفين المتناثرة، وفيما بعد مما هو متاح على المواقع الالكترونية، أن تاريخ المترو يعود إلى عام 1910، حين بدأ إنشاء أول خط بين القاهرة وهليوبوليس بواسطة شركة بلجيكية خاصة سميت «شركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس»، وكان هذا الخط في البداية بين محطة كوبري الليمون وروكسي بمسافة 7 كم، تعمل عليها قطارات بتقاطر كل نصف ساعة وعدد الركاب لا يزيد عن 4800 راكب في السنة. 
 
طرأ تطور على شبكة مترو مصر الجديدة عام 1951، عندما بدأ تشغيل خط عبد العزيز فهمي، وعام 1952 نقل نهاية خط النزهة من محطة عماد الدين إلى شارع الجلاء، وفي عام 1962 تم إنشاء خط مدينة نصر وامتداد خط الميرغني 2ر1 كم، أما عام 1963 فامتدت الخطوط من الجلاء إلى كورنيش النيل، وعام 1972 كانت بداية تشغيل خط المطرية الدراسة.
 
في بداية التشغيل كانت العربات عددها 27 عربة، وتم زيادة 23 مركبة ما بين عامي 1920 و 1938، وفي عام 1951 وضعت 12 مركبة في الخدمة وجميعها كانت صناعة بلجيكية.
 
 منذ عام 1962 حتى عام 1989 تم زيادة أسطول التروماي أو "الترام" بعدد 280 مركبة صناعة يابانية بدأت في عام 62 بقطار مكون من عربة واحدة ثم قطارات مكونة من عربتين وثلاث عربات وأربعة عربات، وكان يتكون مسار المترو كوسيلة نقل كهربائي من السكة وشبكة التغذية الكهربائية ومسار المترو كان ينتهي بمحطة رمسيس وتعمل عليه خمسة خطوط تربط مصر الجديدة ومدينة نصر حتى محطة رمسيس، حيث كانت تبلغ طول شبكة سكة خطوط المترو حوالي 90 كم سكة مفردة باتساع متر واحد وتبلغ عدد محطات العبور لخطوط المترو عدد (250 ) محطة.
 
وبدأت الدولة منذ أكثر من عامين، فى تفكيك كافة خطوط ترام مصر الجديدة، ولم تُبق منه إلا على خطين فقط، المعلومات كلها تشير إلى أنه لم يكن يوماً وسيلة تنقل فقط، بقدر ما كان شريانًا يضخ الحياة فى قلب مصر الجديدة، واستطاع أن يملأ الضاحية الهادئة بالمتعة والجمال، والآن عرف الشاب سبب الانزعاج الحقيقي لسكان المنطقة من إزالة هذا الأثر، وإن كان الأمر سيوسع الشوارع ويخفف عليهم الزحام المروري. 
 
قبل الرحيل، قلب الشاب عينيه بين الوجوه الباكية على أطلال الترام، فظهروا وكأنهم جميعاً ينطقون بجملة واحدة، سمع مثيلة لها أول أمس بمترو آخر يسمونه «مترو الأنفاق»، سمعهم يقولون دون أن تتحرك شفاهم :«على السادة المسئولين.. الابتعاد عن قضبان الترام من أجل سلامة التاريخ».
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة