وزير الأوقاف يحدد ثلاث معضلات تواجه تجديد الخطاب الديني

الإثنين، 23 أكتوبر 2017 01:00 ص
وزير الأوقاف يحدد ثلاث معضلات تواجه تجديد الخطاب الديني
محمد مختار جمعة وزير الاوقاف
كنبت منال القاضي

نشر وزير الأوقاف في مقال له نشر على موقع الرسمي للوزارة، قال فيه إنه  لا شك أن الخطاب الديني صار حديث الساعة، حديث المثقفين ، حديث العامة والخاصة ، ولا شك أن ذلك كله يأتي نتيجة لما أصاب هذا الخطاب في العقود الأخيرة من سطو وتسلّق عليه، أو محاولات لاختطافه، أو المتاجرة به، وما تبع ذلك من استخدام الدين من قبل أدعيائه المتاجرين به غطاء لعمالتهم وأعمالهم المشبوهة ضد أوطانهم في أعمال عنف أو تخريب ، بل تجاوز الأمر ذلك إلى أعمال إجرامية تهدف بأسلوب مباشر وصريح وفج إلى إسقاط دولهم وأوطانهم ، وتفتيتها وتمزيقها ، وتحويلها إلى بؤر وجماعات متصارعة تصارعًا لا يرجى الخلاص منه في القريب العاجل إلا برحمة من الله (عزّ وجل) ، ويقظة منّا جميعًا ، أفرادًا ودولاً ، وإدراكًا لحجم المخططات والمؤامرات التي تستهدف أمتنا ومنطقتنا العربية على وجه الخصوص.
 
وأضاف وزير الأوقاف: لا ينكر أحد أن حجم الإجرام والتخريب الذي يقوم به بعض المنتسبين إلى الجماعات والتيارات التي تتخذ من الدين ستارًا وشعارًا قد فاق كل التصورات ، وتجاوز كل معاني الإنسانية إلى درجة يوصف معها من يقوم بهذا الإفساد والتخريب بالخيانة للدين والوطن معًا ، مما جعل البعض يتجاوز باتهامه المخربين والمفسدين إلى الخطاب الديني نفسه.
 
وأوضح أن الخطاب الديني تكتنفه ثلاث معضلات كبرى الأولى هي معضلة الجمود، من هؤلاء المنغلقين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أن باب الاجتهاد قد أغلق، وأن الأمة لم ولن تلد مجتهدًا بعد ، وأنها عقمت عقمًا لا براء منه ، متناسيين أو متجاهلين أن الله ( عز وجل ) لم يخص بالعلم ولا بالفقه قومًا دون قوم ، أو زمانًا دون زمان ، وأن الخير في أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم القيامة.
 
وتابع: مما يتعلق بذلك الخلط في مفهوم المقدس بتجاوز ما يجب تقديسه إلى محاولة إضفاء صفة القداسة على بعض ما لا يجب ولا يمكن تقديسه، على نحو ما نجد من المقحمين لأنفسهم على الخطاب الديني من غير المتخصصين وغير المؤهلين الذين ينزلون أقوال بعض الفقهاء والمفسرين والمؤرخين وما ورد بكتب الأنساب وكتب السير والملاحم منزلة النص المقدس حتى لو لم يتم تمحيصها وتحقيقها وتدقيقها , وحتى لو كانت هذه الأقوال قد ناسبت عصرها وظروفها وأصبح عصرنا بظروفه يتطلب اجتهادًا جديدًا يناسبه.
 
وأوضح أن المعضلة الثانية هى معضلة الإسلام فوبيا حيث معضلة الخوف من الإسلام ، أو ما يعرف بـ ” الإسلام فوبيا ” ، مما يجعل بعض هؤلاء المتخوفين يظن خطأ أن علاج التشدد إنما يكون بالذهاب إلى النقيض الآخر ، مما يعود بنا إلى عقود من الصراع حدث فيها خلط كبير بين مواجهة التطرف وأهمية التدين ، حيث توهم بعض المتخوفين من الإسلام أن محاربة التطرف تقتضي وتستلزم تجفيف منابع التدين ، فاصطدموا بالفطرة الإنسانية ، ” فطرة الله التي فطر الناس عليها ” ، ونسوا أن أفضل طريق لمواجهة التطرف هي نشر سماحة الأديان ، وتحصين الناس وبخاصة الناشئة والشباب بصحيح الدين ، وأنك لا تستطيع أن تقضي على التطرف من جذوره إلا إذا عملت بنفس القدر والنسبة على مواجهة التسيب والانحلال والإلحاد الذي صار موجهًا لخلخلة مجتمعاتنا شأن التشدد سواء بسواء.
 
وأشار إلى أن المعضلة الثالثة هي الخوف من التجديد أو التجاوز فيه ، فلا شك أن التجديد يحتاج إلى شجاعة وجرأة محسوبة ، وحسن تقدير للأمور في آن واحد ، كما أنه يحتاج من صاحبه إلى إخلاص النيّة لله (عز وجل) بما يعينه على حسن الفهم وعلى تحمل النقد والسهام اللاذعة 
 
 
واستطرد: لكي نقطع الطريق على أي مزايدات فإنني أؤكد على أنه ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة ، وما أجمعت عليه الأمة وصار معلومًا من الدين بالضرورة كأصول العقائد وفرائض الإسلام من وجوب الصلاة ، والصيام ، والزكاة ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ، كل ذلك لا مجال للخلاف فيه ، فهي أمور توقيفية لا تتغير بتغيّر الزمان ولا المكان و الأحوال ، فمجال الاجتهاد هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي الثبوت والدلالة، و مع تقديرنا الكامل لآراء الأئمة المجتهدين فإننا ندرك أن بعض الفتاوى ناسبت عصرها وزمانها ، أو مكانها ، أو أحوال المستفتين ، وأن ما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر قد يكون مرجوحًا في عصر آخر إذا تغير وجه المصلحة فيه ، وأن المفتى به في عصر معين ، وفي بيئة معينة، وفي ظل ظروف معينة ، قد يصبح غيره أولى منه في الإفتاء به إذا تغيّر العصر ، أو تغيّرت البيئة ، أو تغيّرت الظروف ، ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة .
 
وقال وزير الأوقاف:  إننا نؤمن بالرأي والرأي الآخر، وبإمكانية تعدد الصواب في بعض القضايا الخلافيّة، في ضوء تعدد ظروف الفتوى وملابساتها ومقدماتها ، وإذا كان بعض سلفنا الصالح قد قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ، فإننا نذهب أبعد من ذلك فنقول : إن كلا الرأيين قد يكونان على صواب ، غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح ، فنأخذ بما نراه راجحًا مع عدم تخطئتنا لما نراه مرجوحًا ، ما دام صاحبه أهلا للاجتهاد ، ولرأيه حظ من النظر والدليل الشرعي المعتبر ، فالأقوال الراجحة ليست معصومة ، والأقوال المرجوحة ليست مهدرة ولا مهدومة، وأن تسارع وتيرة الحياة العصرية في شتى الجوانب العلمية والاقتصادية والتكنولوجية، إضافة إلى التقلبات والتكتلات والتحالفات والمتغيّرات السياسية ، كل ذلك يحتم على العلماء والفقهاء إعادة النظر في ضوء كل هذه المتغيّرات ، ويعلم الجميع أن الإقدام على هذا الأمر ليس سهلا ولا يسيرًا ، ويحتاج إلى جهود ضخمة من الأفراد والمؤسسات ، غير أننا في النهاية لابد أن ننطلق إلى الأمام ، وأن نأخذ زمام المبادرة للخروج من دائرة الجمود .
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق