أين الأزهر من الدم الذى يراق فى سيناء؟!

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017 12:00 م
أين الأزهر من الدم الذى يراق فى سيناء؟!
رفعت سيد أحمد يكتب:

إثر كل عملية إرهابية تتم فى سيناء المصرية (وما أكثرها هذه الأيام) يتساءل الإعلام والساسة ومن تبقى شريفا من علماء الأمة؛ أين الأزهر؟ ولماذا يترك هذه الساحة فارغة لكى تنمو فيها داعش المصرية (ولاية سيناء) ولكي يتجدد فيها الفكر التكفيرى الذي أباح القتل ضد الجيش والشرطة والمدنيين الأبرياء؟! لماذا لا يملأ الأزهر الساحة بالفكر والدعوة الوسطية المشهورة عنه؟ لماذا ينشغل بقضايا فرعية لا تفيد الأمة ؟ 
 
* أسئلة تدفعنا إلى البحث مجددا عن الأزهر ورسالته المفتقدة :
رغم أن موضوع الأزهر من الموضوعات التى وضعت على طاولة البحث كثيرا ، وتناولها العديد من الكتاب والباحثين بالبحث والتفنيد فى النشأة والهدف والمعارك والمراحل التاريخية إلا أن الحديث عن الأزهر لا يتوقف نظرا لأهمية دوره المأمول منه ولموقعه من الأمة، هذا الموقع الذى لم تستطع أى جامعة إسلامية أن تحل محله منذ بدأ وحتى الآن، ورغم تراجع دوره ، إلا أن العناصر المكونة له وتاريخه ومعاركه ورصيده الحضارى هو الذى جعل الأمة تتعلق به كلما جد جديد وحلت أزمة أو كارثة بالأمة .
 
فالأزهر الذى أنشئ عام 359هـ/ 970م، وافتتح فى العام 363هـ/974م . بات مطلوبا اليوم (2017) وسط هذا الفيضان من الإرهاب الداعشى والفكر التكفيرى.
 
* إن ما يجرى منذ سبع سنوات فى سوريا والعراق وفى مصر (بلد الأزهر) وليبيا وغيرها من هجوم (للإسلام الداعشى) على كل ركائز الهوية الإسلامية المعتدلة، ليدعونا إلى مناداة الأزهر ثانية وبأعلى صوت أن يتواجد وأن يقاتل مجددا بفكره ودعوته ودعاته!!  
 
* إن ثمة ضرورة إسلامية كبرى أيضا اليوم (2017) لاستنهاض دور الأزهر الوسطى المعتدل فى مواجهة الصراعات المذهبية والطائفية ، وهى القضية التى أخذت تتدحرج شيئا فشيئا من داخل بعض الأقطار فى المنطقة «الإقليم» ، إلى دولة أخرى حتى استحدث منها قضايا سياسية تربك علاقات الأخوة والجوار، ونخشى من حروب إسلامية – إسلامية قادمة قد تحدث فى القريب إذا ما ظل الأزهر على هذه الحالة من التراخى والسكون، وقد كان أهم نقاط أحد أبحاثنا عن الأزهر قبل سنوات، هى الفقرة الأخيرة فى تلك الدراسة التى نقول فيها: «المطلوب الآن هو الدعوة إلى إعادة دور الأزهر الثقافى والدعوى والسياسى فى مواجهة دعوات الفكر الظلامى، والذى يكفر كل مختلف معه فى فروع الدين وهو الفكر الذى يثير – منذ سبع سنوات (منذ بدء الربيع العربى المزعوم) - الفتن فى العراق والآن فى مصر وسوريا وسيناء ولبنان وفلسطين باسم الدفاع عن الإسلام ، والإسلام منه براء.
***
إن أحداث قتل الضباط والجنود من الشرطة والجيش اليومية، من خلال تنظيم (ولاية سيناء) الوهابى المتطرف ليست بعيدة عن أنظارنا، ودعاة هذا الفكر ينتشرون الآن فى البلاد الإسلامية ويخلطون بين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال وبين الإرهاب المتمسح زيفا برداء الإسلام.
من هنا يمكن أن نعيد طرح السؤال الذى طرحناه من قبل منذ العام 2007م ، عندما عقد مركزنا البحثى (مركز يافا للدراسات والأبحاث) عشرات الندوات ضد الفكر التكفيرى، داعيا إلى عدم حرف البوصلة بعيدا عن قضية الأمة المركزية، فلسطين، وهو «أين الأزهر»؟.. أين الأزهر فى قضية الجهاد والمقاومة والإخوة الدينية التى يجب أن نحافظ عليها  ونحفظها حتى وان اختلفت مذاهبنا وأفكارنا وطرق حلولنا للقضية الواحدة، إن غياب دور الأزهر فى العراق أدى إلى نشوب صراع على المذهب ، أو صراع تم تبريره بأنه بين «الشيعة الرافضة» و «أهل السنة والجماعة» رغم أن الأمر ليس كذلك أبدا!!
 
على الرغم أن الدائر فى العراق كما هو الأمر فى سوريا وفى فلسطين ولبنان ... بين ضمير الأمة المتمثل فى جهاد أخلص أبنائها وبين جماعات الاحتلال والتكفير الوهابى على اختلافها ان الفرز.. اليوم بين الأمة وأعدائها.. من مع المقاومة وحرية الوطن والمواطن، ومن ضد المقاومة ومع الاستسلام والقهر والتسلط والعجز والخنوع للمحتل وهنا يأتى الدور المنشود للأزهر «إن دور الأزهر فى حروب مصر إبان عهد عبدالناصر 1956 – 1967م وما تلاها، هذا الأزهر العظيم الذى تراجع دوره وباعتراف علمائه وتدهورت رسالته وتحول العديد من خرجيه إلى مجرد موظفين لدى الدولة، وافتقدنا فيهم أمثال الافغانى ومحمد عبده والمراغى وشلتوت والخضر حسين وأبو زهرة وغيرهم من نجوم الفقه والاجتهاد الاسلامى» آن له اليوم أن يستيقظ.
 
ومن المعلوم أن تلك الفترة كانت واحدة من أخصب الفترات التى عاشها الأزهر نظرا لتداخل رؤيته الجامعة والموحدة والمتسقة مع أهداف الثورة ، فالدوائر التى كان يتحدث عنها ناصر هى نفس الدوائر التى ينشط خلالها الأزهر لنشر رسالته، فإذا كانت الثورة ترى أهمية الدوائر الثلاث العربية والأفريقية والإسلامية، فان الأزهر له نفس الدوائر باعتباره الجامعة الكبرى المصرية موقعا، العربية لسانا، الإسلامية دينا، الإنسانية هدفا ورسالة، فالأزهر هو الجامعة التى سمت وتجاوزت فوق اللون والجنس والموطن القُطرى، وأشاعت جوا من الإخاء الانسانى وأساتذتها هم من علموا أهل كل الأقطار والأمصار فبذلك حققت كل شروط الحرية والالتزام الجامع. 
***
* إن محاولة إعادة القوة للأزهر الشريف أمر أصبح متعلقا بمصير المسلمين فى تلك الآونة التى ازدادت فيها حدة الجمود، وازداد عدد تنظيمات الإرهابيين الذين يدعون انتماءهم للإسلام، وبخاصة داعش والقاعدة واخواتهما فى سوريا وسيناء المصرية وليبيا والعراق، لقد أصبح من الضرورى أن يجتمع علماء الأزهر مع من يماثلهم من علماء المسلمين الشيعة والسنة من مختلف أنحاء العالم ويقفوا وقفة رجل واحد ضد هذا الخطر الذى يهدد الامة وقضاياها، ولا تكفى مؤتمرات عقيمة أو بيانات إبراء الذمة التى تتم عقب كل عملية إرهابية فى سيناء! لا بد من موقف أكثر راديكالية وقوة وشمولا لجغرافيا المنطقة والعالم!! 
 
* كذلك يهمنا الإشارة إلى أن الحديث عن الحوار الحضارى ودور الأزهر فيه  باعتباره هو الرائد فى هذه الدعوة بما يملك من رصيد تراثى وحضارى وغلبة ثقافة الحوار عليه فإنه مؤهل دون غيره فى الاطلاع بدور الوسيط الحضارى بين الحضارات المختلفة للقضاء على فكرة العنف الدينى ووصم «المسلم» دائما بالإرهاب ومن خلال ثبات الصورة الذهنية التى تختزل دائما الإسلام بـ «جماعات الإسلام السياسي» وبأن الإسلام دين عنف .والذى نجحت «القاعدة وداعش» واخواتهما فى تثبيته وتأكيده!!
 
* إن التقدم بالحوار يقتضى استحضار الثوابت التى يبدأ منها الانطلاق، على أن يكون نصب أعيننا هدف رئيسى هو تعزيز وتحقيق وحدة الأمة ، وهذا يتطلب أن يأخذ الحوار مكانته اللائقة به فى مناهج تربية الأجيال وتعليمها احتراما وممارسة ، فى البيت والمدرسة والمجتمع، ويمكن أن نرى حقيقة الأزهر الحوارية من زاوية أن الأزهر كمؤسسة لم تنشأ ليكون جهة إعلامية أو فى خدمة أحد، حيث إن الفاطميين أنشأوا الأزهر ليكون مؤسسة دينية وعلمية إسلامية للدعوة الحرة المستنيرة، مؤسسة لكل مذاهب أهل الإسلام تتجادل فيه وتتناقش وهذا هو الدور الذى حمله الأزهر وبشر به بين المسلمين، فالأزهر الشريف هو المؤسسة العلمية التعليمية الدعوية الوحيدة فى عالمنا العربى والإسلامى التى لا تتعصب لمذهب بعينه وعليه، فالأزهر هو المؤسسة الوحيد تقريبا القادرة اليوم على الدخول فى حوار حضارى أو الدعوة للحوار الحضارى بين أصحاب الحضارات المختلفة والديانات المتعددة، وفى مواجهة فكر داعش التكفيرى المنتشر فى سوريا كما فى سيناء المصرية ، والأزهر حين يقود الأمة فإنه ودون نقاش قادر على جمع الكلمة وتحقيق مشروع امتنا الحضارى الذى يلتقى عليه الكل من مختلف الثقافات والتيارات ليسهموا فى عمران عالمنا، بمنهج وسطى قويم وليس منهجا تكفيريا منفرا كما هو الحال مع أصحاب فقه البداوة القادمين من المدرسة الوهابية، الذى أهانوا الاسلام وأساءوا اليه.
 
وما هذا الدم المراق يوميا فى سيناء المصرية (كما فى سوريا العروبة) وباسم الإسلام، إلا دليل ساطع على خطورة هذا الفكر التكفيرى، وبالمقابل أهمية حضور الأزهر وبقوة فى مقاومته، وفى طرح البديل الإسلامى الوسطى المقاوم، قبل أن يضيع الإسلام، وتتمزق دوله وطوائفه على أيدى داعش وأخواتها. والله أعلم.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق