انتصرى لقيمة العفة

الإثنين، 23 أكتوبر 2017 03:57 م
انتصرى لقيمة العفة
رشا الشايب تكتب:

العفة، خلقٌ ديني رفيع، وأمرٌ إلهى عظيم خُوطب به الذكر والأنثى على حدٍ سواء، نعم أُمِرنا أن نعفَّ جوارحنا عن كل المُحرمات، وأن ننتصر على شهواتنا ونُطهر أنفسنا من كل المُوبقات، ونظراً لكوننا في عصرٍ انحدرت فيه الأخلاق وانتشرت فيه الخِسة وسادت فيه الرذائل والموبقات، بالإضافة إلى ترسخ عُرف مجتمعي صادم يُعلى من الذَكَر، ولا يلوم تصرفاته المشينة ويُعطى مبررات لنزواته ورغباته الكثيرة، ومن أجل ذلك كان لا بد لي من تقديم هذا الطرح، والذى أخاطب فيه حواء باعتبارها بيت القصيد. 
 
(ملحوظة عزيزي القارئ أنا هنا في طرحى لا أعمم وليس من طبعي أن أرضى بالتعميم منهجاً، فمازال هناك رجال حقيقيون يقدرون قيمة وقدر المرأة).
المرأة كائن ضعيف ورقيق، مظلومة من معتقدات مجتمع قاسى، ذكوري بحت، تظل تحارب وتحارب لتنجو بنفسها من براثن أشباه الذكور ومُدّعى الرجولة والمرضى النفسيين، تصرخ من أعماقها اتركوني و شأني، وذلك تقريباً في كل مراحل حياتها سواء في بعض العلاقات بين الرجل والمرأة والتي تُسمى تدليساً حبا، وهى أبعد ما يكون عنه، أو في العمل أو حتى أثناء سيرها في الشارع، وسأسرد لكم واقع كل حالة بالتفصيل.
 
مثلاً في العلاقات العاطفية المزيفة، تجد الكلمات المعسولة والمشاعر الكاذبة والنظرات الهائمة والوعود المغرية المؤقتة والتبريرات الساذجة، فكلها لا تعدو كونها مجرد حيل وأدوات يتم اللجوء إليها لإحكام نظرية التضليل العاطفي لإيقاع الفريسة بشكل بارع وبصنعة محترف، له خبرات عاطفية طويلة وفتوحات نسائية كثيرة، فلا تنخدعي وتمسكي بعفتك للنهاية، وقاتلي من أجل صون شرفك.
 
ولا تركضي وراء حبٍ مُشوّه غير برئ، يُقدسُ الجسد على حساب الروح، ويعبدُ المُتعة ويعلن ذلك وبوضوح، ففي سبيلها يُقدم القرابين، ولأجلها يستخدم كل مُسببات الوصول كالكذب والتضليل، فينحني ذلاً لرغباته، ويركعُ رضاً لنزواته، مغتالاً بذلك مشاعرِكِ الرقيقة وأحاسيسِكِ البريئة، وفى النهاية يدّعى لكِ كذباً أن ذاك حباً.
 
فلا تُصدقي أبداً أن الحب الحقيقي انحسر شكله فقط في عبارات الغزل أو نظرات المتعة العابرة، فالحب الحقيقي أرقى وأطهر من ذلك بكثير.
 و اطردي من حياتك وبقسوة كل من تُسول له نفسه أن يتلاعب بكِ في سبيل متعته أو إرضاءً لغروره، أعلنيها رغماً عن أنف الجميع أنك أنثى لا ترضى بغير العفة تاج، وما أشرفه من تاج.
 
 أما في مجتمع العمل، في الغالب وليس في العموم، أسرد لكم بعض ما تواجهه حواء، فتجد من يُصنفون المرأة في قوالب فكرية جاهزة، وآراء عقلية مُعلبة، ناتجة عن نظرتهم الضيقة الشكلية الساذجة، فلا يُلتفَت لرجاحة عقلها أو لنزاهة يدها أو لاحترامها لذاتها أو حتى لتخصصها المميز في العمل، كل ما يظهر لهم هو جمالها، شكلها، عطرها، ملابسها، وغيره من التقييمات الشكلية المفرغة من الموضوعية وأبسط قواعد المنطق (خاصة إن كانت على قدر كبير من الجمال فحدث ولا حرج)، وعلى أساس ذلك تبدأ موجة التصنيفات المُجحفة الظالمة لها، مع تأليف بعض القصص حولها من ذوى النفوس المريضة، أو من الذين حاولوا لفت انتباهها وصدتهم، أو من أصحاب الفكر الرجعى القديم الذى يرفض عمل المرأة من الأساس ولا يقنع بتواجدها في مجتمع العمل ولا يراها إلا المربية لأولاده أو الطاهية لطعامه، أو من المغرورين من أصحاب السلطة، من يحاولوا استغلال مناصبهم لتقزيمها وإخضاعها والتنكيل بها إن رفضت مطالبهم الدنيئة.
 
وحتى في الشارع فالكل ينتظر منها إشارة البدء أو علامة الموافقة، وإن لم يجد منها ما يأمل، فيبادر هو ويحاول، وإن رفضت محاولاته يبدأ بالسير خلفها والتقرب منها عُنوة، ثم إن عنفته وصدّته، أغرقها بوابل من السباب والشتائم، كأن ما يريده منها، حق له عليها، وفرض واجب منها، وفى هذه الحالات لا مفر لكِ من أن تحملي معك باستمرار أداة للدفاع عن نفسك ضد هذه الكائنات المفترسة، فلا شك أننا في مجتمع لا أخلاقي إلا ما رحم ربى. 
                 
ولا يسعني هنا إلا أن أصف كل امرأة قوية نزيهة بالبطلة، نعم بطلة، تستحق الإشادة والفخر والاحترام، سواء تلك التي رفضت ابتزاز وضيع من أصحاب السلطة، أو التي اعترضت على سلوك كائن رقيع مغرور أرادها لنفسه، أو التي دافعت عن نفسها ضد أي محاولات مخزية، أو التي قاومت كل أشكال القهر المجتمعي الرخيص، وخرجت من دائرة التصنيفات الشكلية الباهتة المقتصرة على أنوثتها وجمالها فقط، تلك التي نجحت وعن جدارة في إثبات كفاءتها في تخصصها رغم كل ما سبق.
 
إنه حقاً لمجتمع غريب، إن رفضت محاولاتهم البذيئة وصفوها بالمعقدة نفسياً، وإن حاربت (مدافعة عن نفسها) تصنيفاتهم الفارغة لا تنجو من اتهاماتهم المُشينة، وإن سكتت وقررت السير في طريقها والتغاضي عما يعترض مسيرتها وفرض احترامها عليهم فرضاً لا تُترك وشأنها. 
 
في النهاية أعلنها مدوية وقولاً واحداً لا شك فيه أو جدال حوله، العفة لابد وأن تكون قرارِك الحتمي، واختيارِك الأبدي، وانتصارِك النهائي، هي منهجِك المتأصل في فكرِك، والقيمة التي يَشرُفُ بها سُلوكِك وسمتك، وسبب عُلو قيمتك وشأنِك.  
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق