الملحمة المنسيّة لـ "أبطال السويس"

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017 03:29 م
الملحمة المنسيّة لـ "أبطال السويس"
صبرى الديب

في مثل هذا اليوم من 44 عاما، وتحديدا في 24 أكتوبر عام 1973، سطر شعب السويس الباسل ملحمة بطولية فريدة، سقط خلالها العشرات من أبناء المدينة دفاعا عن "الوطن" وتصلح قصة أي منها منفصلة، ودرسا وافيا في الوطنية، يتعلم منها المتآمرون على الوطن.
 
ففي يوم 25 أكتوبر عام 1973 كادت القوات الإسرائيلية أن تتمكن من إحتلال مدينة السويس، وبالفعل اتصل قائد القوات الإسرائيلية بـ "سعد الهاكع" مدير شركة السويس للبترول في ذلك الوقت، وأخبره أنهم جاءوا لاحتلال المدينة، وأن عليه أن يبحث عن المحافظ ليعلن استسلام المدينة ويسلمها للقوات الإسرائيلية حقنا للدماء، ارتعد "الهاكع" من حديث القائد الإسرائيلي، وظل يبحث عن المحافظ في كل مكان بالمدينة إلى أن وجده بمنزل شخص يدعى "الحاج مصطفى" بحي الأربعين، وأخبره بما حدث، فوافق المحافظ على لقاء القائد الإسرائيلى. 
 
وبالفعل تم اللقاء، ودون مقدمات قال القائد الإسرائيلي للمحافظ: "إننا جئنا لاحتلال المدينة، وإذا لم تسلمها إلينا خلال نصف ساعة من الآن، فسوف نأمر الطيران بدك المدينة، وستكون أنت المسئول" 
 
فرد عليه المحافظ: "أعطني مهلة لاستشير القاهرة" 
 
فرد القائد الإسرائيلي بحده: "لا القاهرة ولا تل أبيب.. موعدنا بعد نصف ساعة في الاستاد الرياضي، فإذا لم تحضر ومعك الراية البيضاء فتحمل مسؤولية ما يحدث".
 
وبالفعل انصرف القائد الإسرائيلي تاركا المحافظ في حيرة، فالمغامرة بالدخول في مواجهة عسكرية بحجم القوات الموجودة في المدينة، أمام كم الدبابات والقوات الإسرائيلية المدججة بالسلاح التي تحاصر السويس، قد يؤدي إلى مأساة، وخاصة أن قواتهم قد نجحت بالفعل في الدخول إلى خلف الاستاد الرياضي. 
 
وعلم القائد العسكري للمدينة العميد "عادل إسلام" بما دار بين المحافظ والقائد العسكري الإسرائيلى، فانطلق على الفور إلى مسجد الشهداء الذي كان يحوى مركز قيادة "المقاومة الشعبية"  فوجد الشيخ "حافظ سلامة" قائد المقاومة الشعبية، يوزع السلاح في صحن المسجد على الشباب، فطلب منه الصعود بمفردهم إلى مكتب سلامة بالطابق الثاني، وأخبره بما حدث بين المحافظ والقائد الإسرائيلي، وأكد له أن المحافظ قد وافق على التسليم، وأنه لم يتبق من المهلة التي منحها القائد الإسرائيلي للمحافظ سوى عشر دقائق.
 
فقال له سلامة منفعلا: " لن نستلم، وسأواصل القتال، والموت شرف لنا عن الاستسلام.. وكيف استسلم وقد نجحنا أمس في تدمر 18 دبابة وعربة مدرعة وقتل مئات الجنود، واليوم نجحنا في تدمير 8 قطع وقتل من فيها.. فكيف أسلم"؟.
 
 وطلب سلامة من القائد العسكري، أن يبلغ المحافظ بهذا القرار.
 
وبمجرد أن اتصل القائد العسكري للمدينة بالمحافظ صاح فيه: "أنت فين يا عادل لم يتبق من المهله سوى 5 دقائق، والقائد الإسرائيلي في انتظارنا، والموقف متأزم".
 
فقال له العميد عادل: أنا عند الشيخ حافظ استشيره يافندم، وياريت تمر علينا لنتشاور، لأن الشيخ والشباب يرفضون الاستسلام.
 
فرد المحافظ: "هو حافظ قائد عسكري يا عادل علشان تستشيره.. يا عادل القائد الإسرائيلي في انتظارنا، وأنا لا أدرى عواقف التأخير ولا بد أن نذهب".
 
وهنا صاح سلامة في العميد عادل قائلا: "أعلم من الآن أنت والمحافظ ومدير الأمن، إنني من الآن مسئول عن المدينة عسكريا ومدنيا، وعلى كل منكم أن يظل في مكانه، وسأتولى أنا والشباب مسئولية القتال".. فرد العميد عادل: وأنا معكم يا شيخ.
 
وفى تلك اللحظات بدأ الإسرائيليون يعلنون من خلال مكبر الصوت بمسجد المعهد الديني بالمدينة، أن السويس قد استسلمت.. وأن المحافظ قد سلم المدينة.. وإنه على المدنيين التوجه إلى الاستاد الرياضي، حيث ستقوم القوات الإسرائيلية بترحيلهم إلى خارج المدينة.
 
فنزل الشيخ حافظ سلامة من مكتبه مسرعا، وأمسك بمذياع مكبر الصوت بمسجد الشهداء، وتحدث إلى شعب السويس قائلا: "أيها الشباب، إن الله وعدنا النصر، وما علينا إلا أن نستمر في المقاومة إلى آخر قطرة من دمائنا.. فلنجعل شعارنا الموت في سبيل الله خير من الأسر في يد الأعداء.. واعلموا أننا سنقاوم، مع رفضنا للإنذار الإسرائيلي، أما أنتم أيها اليهود الجبناء فاعلموا أن أرض السويس في حاجة إلى أن تروى بدمائكم".
 
وقد أحدث الخطاب الذي وجهه قائد المقاومة الشعبية إلى أبناء المدينة، من خلال مكبر الصوت، فعل السحر وأحدث دويا في المدينة، وظن الإسرائيليون أن هناك تعزيزات قد وصلت أبناء المقاومة الشعبية،.. فتراجعوا ولم ينفذوا تهديداتهم بضرب المدينة، ومر يوم 25 أكتوبر 29 رمضان بهدوء، وظلت المقاومة تقوم بدورها البطولي حتى طرد آخر جندي إسرائيلي من مدينة السويس.
 
إن قصة صاحب أول طلقة فى الملحمة "المنسية" للمقاومة الشعبية في السويس، كفيله بإن تكون درسا في الوطنية، لكل المتأمرين على الوطن.. ففى يوم 24 أكتوبر، دخلت القوات الإسرائيلية إلى السويس وهى مطمئنة تماما بإن المدينة ستستسلم دون مقاومة، وبالفعل تحركوا إلى وسط المدينة  بكول مكون من 13 دبابة وعربة مجنزرة، وعندما وصلوا إلى منطقة "زر وشارع الجيش" وبالتحديد بجوار"سينما رويال" كان في انتظارهم كمين مكون من الأبطال "إبراهيم سليمان ـ محمود عواد ـ محمد البهنسى ـ محمود عبدالقادر" فأطلق "إبراهيم سليمان" أول قذيفة للمقاومة الشعبية من مدفع أربجية كان يحمله، ولم يكن به سوى طلقتين، فأصاب الدبابة الأولى في الكول الإسرائيلي، وأطلق القذيفة الثانية على سيارة مدرعة فدمرها بمن فيها.. واندفع وألقى بقنبلة "ملز" كانت بيده إلى داخل دبابة أخرى ففجرها بمن فيها.
 
 وفارتعد أفراد الكول الإسرائيلي، وتركوا أسلحتهم وهربوا في شوارع المدينة وسط مطاردات من أبطال المقاومة، إلا أنهم ما يزيد عن 40 جنديا منهم استطاعوا الاختفاء داخل قسم الأربعين، وظلوا محاصرين وسط مقاومة عنيفة طوال ليلة 25 أكتوبر، حتى سقط "إبراهيم سليمان" شهيدا.
 
وبعد انتهاء المعركة بنحو 3 أشهر، جاء أهل الشهيد "إبراهيم سليمان" إلى الشيخ حافظ سلامة، ونقلوا له رغبة الأسرة في نقل جثمانه إلى مكان آخر ، وبالفعل ذهبت الأسرة إلى المقبرة بعد أن جهزوا كثيرا من العطور وكفن أبيض، حيث كانوا وقت المعركة لم يجدوا ما يكفنه به "إبراهيم" سوى بطانية صوف.
 
ويقسم الشيخ حافظ، أنهم عندما فتحوا القبر على "إبراهيم" وجدوا جثته كما هى دون أدنى تحلل، ووجدوه مبتسما ولحيته مبلله ، و كأنه توضأ منذ لحظات.. فنظر إلى من كانوا معه وقال: "انظروا إلى شهيدكم، لقد صدق الله فصدقه الله".
رحم الله كل شهداء الوطن، وأسكنهم فسيح جناته.

 

تعليقات (1)
الزقازيق
بواسطة: رمضان اليمانى
بتاريخ: الجمعة، 10 نوفمبر 2017 06:53 ص

وطنى ياصبرى

اضف تعليق