لمن لم يرو حرب السويس.. الفدائيون هزموا إسرائيل بالضربة القاضية

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017 03:50 م
لمن لم يرو حرب السويس.. الفدائيون هزموا إسرائيل بالضربة القاضية
حرب السويس
محمد أبو ليلة

حينما دقت الساعة السادسة من صباح يوم 24 أكتوبر عام 1973، تواصل القصف المكثف من المدفعية والطيران الإسرائيلي على مدينة السويس، كان إسرائيل تٌحاول أن تحقق أي مكسب معنوي باحتلال مدينة السويس في ذلك اليوم حتي تخلق نوع من التوازن في مفاوضاتها مع الجيش المصري الذي كان قد عبر قناة السويس يوم الـ 6 من أكتوبر.
 
وكان القصف شديد والتركيز على منطقة الزيتية والمناطق المحيطة بالقطاع الزراعي وشمل القصف كل مناطق المدينة، حيث استمر حتى العاشرة والنصف صباحاً، لكن طائرات العدو تجنبت إصابة المداخل الرئيسية الثلاثة للمدينة، وكان المدخل الأول هو محور المثلث وهو المدخل الغربي من ناحية الطريق الرئيسي القادم من القاهرة إلى السويس، وامتداده هو شارع الجيش وميدان الأربعين.
 
والمحور الثاني هو محور الجناين عبر الطريق القادم من الإسماعيلية حيث المدخل الشمالي للسويس حتى منطقة الهويس ثم شارع صدقي ومنه إلى ميدان الأربعين، والمحور الثالث هو محور الزيتية وهو المدخل الجنوبي للسويس من ناحية بورتوفيق.

الاستعداد للمعركة
الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر قال أن العدو بدأ هجومه على السويس بلواء مدرع يتقدم من الشمال على محور الإسماعيلية السويس "محور الجناين" ولواء مدرع مدعم بكتيبة مظلات يتقدم على محور القاهرة السويس"محور المثلث" ولواء مدرع أخر يتقدم من اتجاه الزيتية جنوب وجنوب شرق السويس، مضيفا أن الهجوم الذي جاء من المحور الشمالي في "الجناين" فشل ولم يستطع دخول المدينة بينما دخلت دبابات العدو على محور المثلث والزيتية، ودارت تلك المعركة.
 
كان هناك كمين رئيسي وعدة كمائن فرعية عند كوبري الهويس(على محور الجناين) شكله أفراد القوات المسلحة، وعلى امتداد محور المثلث كان هناك عدة كمائن أخرى منها كمين رئيسي عند مزلقان البراجيل بشارع الجيش يضم أفراد من القوات المسلحة والشرطة والمدنيين وأحمد أبو هاشم وفايز أمين من منظمة سيناء العربية، وعلى امتداد المحور كمين أخر في ميدان الأربعين يقوده محمود عواد وعلى سباق وعدد من المواطنيين ثم كمين أخر عند مزلقان السكة الحديد بجوار مقابر الشهداء رأي أفراد المقاومة الشعبية نصبه في هذا المكان رغم أنه لا يقع على محور رئيسي وذلك لمواجهة احتمال أن يقوم العدو بحركة تطويق لميدان الأربعين عن طريق دفع عدد من العربات إلى الشارع الجانبي المحازي لسور نادي اتحاد السويس، وضم هذا الكمين محمد سرحان وأحمد عطيفي وإبراهيم يوسف وفايز حافظ وعدد من المدنيين.
 
2014-635499490067298394-729
 
وإلى جانب كل هذه الكمائن كان يقبع في المنازل على امتداد المحاور الثلاثة خاصة محور (المثلث-الأربعين) ألاف من جنود القوات المسلحة وأفراد فرق حماية الشعب والمدنيين ورجال الشرطة، وكان تسليحهم لا يزيد عن البنادق الألية أو المدافع الرشاشة الخفيفة وبعضهم كان بلا سلاح على الإطلاق.
 
يقول المؤرخ السويسي حسين العشي في شهادته على المعركة - التي روى تفاصيلها في كتاب كل رجال السويس- ، أنه في حوالي الساعة العاشرة صباح يوم 24 أكتوبر، بدأ الهجوم الإسرائيلي بصورة متتابعة على المحاور الثلاثة، حيث جاءت أولى قوات الهجوم في محور الجناين في التاسعة و 45 دقيقة صباحا عندما قامت كتيبة من اللواء المدرع الإسرائيلي الذي يقوده العقيد(أريه) بالتقدم، وعندما بدأت طلائع الكتيبة في العبور على كوبري الهويس للوصول إلى شارع صدقي لإجتيازه إلى ميدان الأربعين، تصدت لها الكمائن الموجودة ودارت معركة رهيبة قام فيها كمين من القوات المسلحة المصرية بتدمير أول الدبابات على الكوبري حيث تسببوا في تعطيلها مما أدي إلى استدارة باقي الدبابات للخلف حيث كانت القوات الإسرائيلية تتجمع في منطقة جبلاية السيد هاشم ولم تقم الكتيبة بأي محاولة للتقدم من هذا المحور بعد ذلك.
 
وفي الساعة العاشرة و50 دقيقة تقدمت كتيبة مدرعة أخرى إسرائيلية من لواء العقيد (أربيه) مدعمة بكتيبة مظلات بقيادة المقدم(يوسي) في عربات مدرعة نصف جنزير على ثلاث موجات وكانت كل موجة مكونة من 8 دبابات تتبع كل دبابة عربتان مصفحتان بالإضافة إلى مجموعة من عربات المؤن والأتوبيسات، بعضها مصري من بين المعدات التي تم الإستيلاء عليها  أثناء التقدم من الدفرسوار إلى السويس.
 
"أول موجة دبابات دخلت، كانت وراء كل دبابة عربات مجنزرة عليها لوحات الجيش المصري وأعلام الجزائر، وورائها في الصندوق دمي (6 تماثيل) كل واحد ماسك بندقية، لا يوجد بها جنود ما عدا سائق العربة وصف ضابط، اليهود خدعونا علشان يرصدوا مصادر النيران، فيعرفوا أماكن المقاومة"..يروي هذه المعلومات قائد الفدائيين محمود عواد في شهادته على أحداث المعركة بـ كتاب كل رجال السويس.
 
وقد وصلت هذه الموجة الأولي إلى منطقة المثلث وعبرت المنطقة المواجهة لعمارات المثلث بهدوء وثقة، ثم اجتازت شارع الجيش، وعندما وصلت الموجة الأولي إلى ميدان الأربعين.
22834349_2104504282900487_881252755_n

 

إبراهيم سليمان
وكان القدر على موعد مع إبراهيم سليمان حينما طلب من زميله محمد سرحان أن يعد له القذيفة، كي يطلقها على الدبابة السنتوريون الإسرائيلية، وجلس إبراهيم سليمان بجوار الخندق الموجود بين سينما رويال وسينما مصر وترقب قدوم الدبابة السنتوريون، ثم أطلق قذيفة الأر بي جي، لتستقر أسفل برج الدبابة، ويختل توازن الدبابة السنتوريون ويستدير برجها متجها إلى حيث يقف إبراهيم سليمان وأحمد عطيفي ومحمد بهنسي، وثلاثة من أفراد المقاومة.

ويخيل لهم للحظات أن برج الدبابة سيطلق عليهم قذيفة للحال، وفجأة سقط برج الدبابة على الأرض أمام الفدائيين، وكأن ما حدث لبرج الدبابة يجسد ما قاله الأستاذ حسين العشي عن تلك الواقعة (أن ماسورة الدبابة سقطت على الأرض وكأنها تنحنى احتراماً لأبطال السويس وفدائيها)، وقد أسفرت قذيفة الأر بي جي التي أطلقها إبراهيم سليمان على الدبابة السنتوريون عن قطع رقبة سائق الدبابة وسقوط ما تبقى من جسده على الأرض، لكن لا يزال عدد من جنود العدو داخل الدبابة السنتوريون لا يستطيعون الخروج لأن إبراهيم سليمان وأحمد عطيفي يواصلون إطلاق النيران ناحيتهم.
 
"وقتها أمرهم محمود عواد أن يخفوا الضرب، وجرى بسرعة في اتجاه الدبابة الإسرائيلية وقفز وألقى قنبلة في برج الدبابة، دمرها بطريقة غير متكررة في خط المواجهة كله لدرجة أن الذين صنعوا الدبابة، وهم إنجليز جاءوا للسويس بعد الحرب ليشاهدوا التدمير الذي حدث للدبابة وكانوا مذهولين جدا بما حدث، واشتعلت قلوب الفدائيين بالحماس"، هكذا روى عبد المنعم قناوي أحد أبطال الفدائيين في شهادته عن تلك المعركة التي رواها في كتاب كل رجال السويس. 
 
بعدها يتجه إبراهيم سليمان سريعاً إلى ناحية الخندق الأيسر ليطلق القذيفة الثانية على حاملة الجنود التي توقف بعد إصابة الدبابة الأولى، ويتوقف نتيجة لذلك كل الطابور المدرع وتتكدس الدبابات والسيارات المدرعة أمام مبنى قسم شرطة الأربعين، وفي نفس اللحظة يخرج عدد من جنود الجيش المصري والمواطنون الذي كانوا يتواجدون في المنازل إلى ميدان الأربعين وتحديدا أمام قسم الأربعين يطلقون الرصاص وقذائف المولتوف والقنابل اليدوية نحو دبابات العدو وعرباته المدرعة، وقتها صدر الأ مر لقوات العدو المتناثر في ميدان الأربعين أن يختبأوا داخل قسم الأربعين ويتخذوه حصنا لهم، وقد اعترف الجنرال (هيرتزوج) الرئيس الأسبق لدولة إسرائيل في كتابه عن حرب التكفير قائلا ((إن الكتيبة المدرعة التي دخلت السويس من ناحية المثلث وكان عدد دباباتها 24 دبابة قد قتل أو جرح عشرون قائد دبابة من قادتها الأربعة والعشرين.
 
وبعد أن احتمت القوة الإسرائيلية بقسم الأربعين يُجهز الفدائيون إبراهيم سليمان وأشرف عبد الدايم وفايز أمين وإبراهيم يوسف خطة للإقتحام القسم وتحريره من الإسرائيلين، ذهب ابراهيم سليمان ليقفز من على سور القسم من الشارع الخلفي لتدمير القوة الإسرائيلية التي بداخله، شاهده أحد القناصة الإسرائيلين اللذي كان متواجد في الدور الثاني من القسم، وأطلق عليه عدة طلقات ليستشهد إبراهيم سليمان على سور القسم وظلت جثته معلقة على السور حتى العاشرة من صباح اليوم التالي للمعركة يوم 25 أكتوبر.
 
22834377_2104504069567175_377671702_n

قسم الأربعين
لا تزال معركة قسم الأربعين مشتعلة، حيث وصل البطل أشرف عبد الدايم لمدخل القسم الرئيسي ومن خلفه يحميه فايز أمين، وكان الأثنين من أسرة واحدة،  واشتبكوا مع القوات الإسرائيلية داخل القسم ، وأستشهد أشرف عبد الدايم على عتبات القسم، بينما يطلق أحد القناصة رصاصته على فايز أمين ليستشهد هو الأخر بجوار الخندق الداخلي للقسم.
 
وفي الكمين الأخر الذي نصبه الفدائيون للإسرائيليين بالقرب من ''مزلقان البراجيل''، أستشهد قائد المجموعة أحمد أبو هاشم، بعدما دمر أخر دبابة في الفوج الإسرائيلي الثاني الذي دخل من شارع الجيش، واستمرت تلك المعركة حتى أذان المغرب وقتها كان الجميع صائم وهلل المتواجدون في المدينة بعد أن هدأت المعركة وحققوا فيها نصراً كبيراً.
 
لكن جنود العدو كانوا لا يزالون مختبئين في بعض المنازل ودباباتهم وعرباتهم المجنزرة لا يزال جزء منها سليم، في تلك الأثناء أمر محمود عواد قائد مجموعة الفدائيين بإشعال كل دبابات العدو الصالحة، حتى لا يستخدمها العدو مرة أخرى، واستخدم "جدعان" السويس البنزين وزجاجات المولوتوف في إحراق تلك الدبابات، وقتها أمر قائد الفدائيين محمود عواد زملاءه باشعال دبابات العدو  ومدرعاته الموجودة في شوارع السويس بالبنزين حتى لا يستغلها الجنود المتبقيين.
 
ما حدث في يوم 24 أكتوبر من الفدائيين جعل إسرائيل تخشى من محاولة احتلال السويس مرة أخرى، وظلت إسرائيل تقصف السويس بالطيران أيام 26و27 من أكتوبر، ولم يتوقف القصف إلا صباح يوم 28 أكتوبر بعد وصول قوات الأمم المتحدة إلى السويس، واكتفت إسرائيل بحصار السويس من الخارج، وقد بلغت خسائر الجيش الثالث ومدينة السويس نتيجة قصف الطيران في حرب السويس من يوم 24 إلى 27 أكتوبر حوالي 80 شهيد و42 جريحاً، بينما خسرت إسرائيل 100 قتيل إسرائيلي وحوالي 500 جريح.. وذلك حسب إحصاءات رئيس أركان الجيش في ذلك الوقت الفريق سعد الدين الشاذلي.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق