يا بيوت السويس

الإثنين، 06 نوفمبر 2017 12:57 م
يا بيوت السويس
عبد الحليم محمود يكتب :

الكذب أشبه بلعب الجولف أو قيادة السيارة كلما اتقنته استمتعت به وما عليك إلا معرفة أساسياته وعين الكذب هو وعد بلفور 1917 الذي ساهم في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وحين تحتفي إسرائيل وبريطانيا معًا بالمئوية الأولى على هذا الوعد المشئوم وتعبير رئيسة الوزراء تيريزا ماي عن فخرها بدور بريطانيا في إقامة دولة إسرائيل فهو مشهد لا يختلف عمن يبتسم وهو يقرأ صفحة الوفيات أو مشهد الأخ الكبير - في رواية 1984 للكاتب جورج أورويل – حامي القيم بشعاره المعروف الحرية هي العبودية والحرب هي السلام تلك الشعارات المتأصلة في الأيدولوجية الصهيونية التي قتلت الآلاف في الحروب والمذابح الجماعية والاغتيالات السياسية ورغم مرور قرن من الزمان لم تتبخر ذاكرتهم وعبر المتوسط يحيون ذكرى بلفور فالوعود تتكرر والتاريخ يسجل والعاقبة واحدة "ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى".

وعلى الجانب الآخر فوق ضفاف قناة السويس تطوى صفحة من تاريخ الوطن بإلغاء الذكرى الرابعة والأربعين للعيد القومي لمحافظة قناة السويس الذي يواكب انتصار المقاومة الشعبية بالسويس على الجيش الإسرائيلي في آخر معارك أكتوبر 1973 هذه المقاومة التي أكدت على أن الشعوب هي خط الدفاع الأول عن الأوطان, فسويس مصر تضاهي ستراسبورغ فرنسا ملهمة الثورة الفرنسية الكفاح ضد جيوش أوروبا العازمة على إجهاضها آنذاك , ويخلد دور المواطن الفرنسي "دوليل" بقصيدته " إلى السلاح أيها المواطنون" والتي أصبحت رمزًا للسلام الوطني للجمهورية الفرنسية الحديثة " لامارسييز" وعلى نفس الطريق نجد السويس التي ردت جيوش العدو الإسرائيلي عندما تسلل على الجانب الغربي للخليج في ظلال جبل عتاقة لاحتلال المدينة بغرض قطع الاتصالات والإمدادات عن الجيش الثالث شرق القناة وعندها طلب العدو تسليم المدينة ورفع الراية البيضاء فكان لأهالي السويس كلمة آخر تجسدت في خطبة الدكتور عبد الله شحاتة يوم الجمعة الموافق التاسع عشر من أكتوبر 1973 حيث مهدت الطريق لكفاح الرابع والعشرين من أكتوبر ولا ينسى التاريخ الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية الذي رفض تسليم المدينة أو رفع الراية البيضاء فهو رجل اختارته الأقدار كما وصفه الفريق سعد الدين الشاذلي في مذكراته , ولما تصور العدو أنها مدينة الأشباح - كما ذُكر في كتبهم – فإذا هي مدينة النار وفي غضون ثلاث ساعات دمرت المقاومة ست وسبعين دبابة ومصفحة بجانب خسائر الأرواح ويكون للسويس نصيب من التضحية باستشهاد خيرة أبنائها, وهنا أدرك العدو عجزه عن دخول المدينة فحاصرها مئة يوم ليصمد أبناء السويس أمام عدو اخر هو الجوع والعطش وتسطر السويس صفحة البطولة في كتاب المجد والشرف.

وما بين ذكرى بلفور ونسيان السويس تتوه الكلمات ؛ فكفاح الشعوب لا يخص العالم القديم ولا ينتمي لزمان كان بل هو علامة على الطريق لأجيال حائرة تريد أن تهتدي لمستقبلها وإذا كانت مصر تمر بظروف صعبة فهل المقصود ان يكون الاحتفاء بذكرى السويس على طريقة مهرجان السينما العربية ACA !؟ الاجابة يقينًا لا فالفارق كبير بين هذا الاحتفاء وبين إحياء ذكرى تضرب بجذورها في أعماق نفوسنا وتنبض لها قلوبنا لنستلهم بها الثبات من النضال التاريخي لشعب السويس العظيم .

وإذا كانت كلمات المواطن الفرنسي "دوليل" صارت النشيد الوطني لفرنسا لتحيا على الأيام بأفواه الفرنسيين فإن كلمات الخال عبد الرحمن الأبنودي التي سطرها ببن الجنود على جبهة القتال مازالت تحيا في قلوبنا نرددها " يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى ، أستشهد تحتك وتعيشي إنتِ ، أستشهد والله وييجى التاني ، فداكِ وفدا اهلي وبنياني ، أموت يا صاحبي  قم خد مكاني، دى بلدنا حالفة م تعيش غير حره .. يا بيوت السويس

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق