«داعش» العائد إلى أوروبا!

الأحد، 12 نوفمبر 2017 01:00 م
«داعش» العائد إلى أوروبا!
د. رفعت سيد أحمد يكتب:

 إلا أن المعلومات الاستراتيجية المتوفرة تؤكد أن إحدى الساحات المهمة لعمل داعش الإرهابى القادم هى تلك الساحات التى ساهمت فى تخليقه وصناعته كتنظيم وتأتى الساحة الأوروبية فى مقدمتها، وفى تقديرنا لن تكون هناك دولة أوروبية بمنأى عن عمليات هذه التنظيمات والجماعات المتطرفة، خاصة أن هناك ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل أجنبى ضمن تنظيمات التطرف فى سوريا والعراق وليبيا، منهم على الأقل 10 آلاف أوروبى، هؤلاء سيعودون إلى بلادهم.. فهل سيعودون كى يلعبوا مثلا أو كى يكونوا مواطنين صالحين؟.. بالطبع لا، فهم سيعودون، وهم يحملون ثأرا من المجتمع الأوروبى والغربى (وليس فحسب أجهزة الحكم) الذى خذلهم، لأنه هو الذى مولهم فى البداية، ثم قاتلهم فى المرحلة التالية، وبالتالى هم سيعودون مهزومين كى يثأروا منهم، وكل واحد منهم يمكن أن يشكل تنظيما جديدا، فليس ضروريا أن يقوم بالعمليات بنفسه، إنما من خلال التنظيم الذى يمكن أن يشكله، خاصة إذا علمنا أن هذه الدول الأوروبية بها جاليات أفريقية ومغاربية مسلمة تعيش حول أحزمة الفقر فى المدن الكبرى (باريس نموذجا) حيث يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية، فهؤلاء يمكن أن يكونوا مادة خام لتجنيد المتطرفين فى تلك البلاد.
* إن أبرز الدول الأوروبية المرشحة لأن تكون مسرحا للعمل ولانتقال «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى إليها (مثل «النصرة» و«القاعدة» و«أحرار الشام» وغيرها) خلال الفترة المقبلة، هى تلك الدول التى مولتهم، وخلقت هذه الظاهرة، وهذه الخريطة على النحو التالى: بريطانيا تأتى على رأس هذه القائمة، لأن بها أكبر تجمع إخوانى وإسلامى متطرف، يعمل بالتنسيق مع أجهزة المخابرات البريطانية، وللأسف الشديد المخابرات البريطانية لا تفهم أو تفهم وتتجاهل أن منظمات العنف والإرهاب المتأسلمة لا صديق لها، ولا سقف لنشاطها الإرهابي، وهى قد تكون صديقة لهم لبعض الوقت فى سوريا، لكنها بعد ذلك بحكم التكوين العقائدى والثقافى الإرهابي، ستتحول إلى عدو صريح لهم والتجارب التاريخية فى هذا المجال عديدة سواء فى تجربة أسامة بن لادن مع المخابرات الأمريكية فى أفغانستان وتجارب التطرف المسيحى وجماعات الإرهاب الشهيرة فى أمريكا وأوروبا. 
إن بريطانيا إذن ستكون مسرحا أوليا للإرهاب الداعشى العائد، على الرغم من العلاقة القوية بين المخابرات البريطانية وتلك التنظيمات والدور الكبير الذى لعبته ولا تزال تلك (المخابرات) فى تحريك الأحداث فى المنطقة، والوثائق تؤكد أن علاقة المخابرات البريطانية بالتنظيمات الإرهابية فى المنطقة علاقة قوية، وهى علاقة المستفيد منها، وعلاقة الموظف لها، مثلها مثل المخابرات الأمريكية، وغيرها من أجهزة المخابرات الدولية، وأيضا المخابرات الإسرائيلية التى تفتح قنوات اتصال خلفية مع تلك التنظيمات الإرهابية لأسباب كثيرة جدا، على رأسها أن تنشغل جيوش المنطقة الرئيسية والمركزية، مثل الجيش المصرى والجيش السورى والجيش العراقى والجيش الليبى بمعارك ومشاكل داخلية، حتى لا تلتفت إلى بناء نفسها، وقوتها الذاتية لمواجهة العدو الرئيسى والاستراتيجى لها فى الحاضر والمستقبل، وهو العدو الإسرائيلى، وأيضا كى تسيطر على هذه البلاد عبر تجارة السلاح.. فنحن أمام «لعبة أمم كبرى» تلعب فيها المخابرات البريطانية والأمريكية والغربية بشكل عام، والمخابرات الإسرائيلية بشكل خاص، دورا رئيسيا فى التدريب والتواصل مع تلك التنظيمات، وليس بالضرورة أن تكون بشكل علنى، لكنها فى الغالب تتم بشكل سرى وعبر قنوات ملتوية، بحيث لا يمكن اكتشافها بسهولة، إلا أن ثمة مثلا عربيا شهيرا يقول «البعرة تدل على البعير»، فهذه الأعمال التى تمت على مدار الـ 7 سنوات الماضية ضد الجيش السورى وضد الجيش المصرى والعراقى والليبي، يُطرح بشأنها السؤال المركزي: من المستفيد؟.. المستفيد من جعل هذه الجيوش ضعيفة أو منشغلة بقضايا داخلية، والإجابة القاطعة بالتأكيد هى إسرائيل وأهم حلفاء لها فى العالم وهما المخابرات الأمريكية والبريطانية، حتى يسهل السيطرة على تلك الدول، وتتمكن من تنفيذ مخططاتها فى المنطقة.
***
للأسباب السابقة وغيرها فإن الحقائق على الأرض بعد هزيمة تلك التنظيمات ترشح بريطانيا لتكون ساحة أولى سياسيا من ساحات العمل الإرهابى لتنظيمات التطرف، وللعائدين من سوريا والعراق وليبيا، ثم تأتى فرنسا فى المرتبة الثانية، خاصة أنها لعبت دورا فى تمويل تلك الجماعات والتنظيمات، وفى تدريبها، خاصة فى سوريا وليبيا ولا ننسى دورها التآمرى مع جامعة الدول العربية إبان رئاسة عمرو موسى لها فى إسقاط القذافى وتدمير دولته (ليبيا)، والتى تمتلئ الآن بالدواعش والقاعدة والإخوان !! وتحولت إلى ثلاث دويلات متناحرة، ثم بعد فرنسا، ستكون بلجيكا التى تعرضت من قبل لعمليات إرهابية مؤثرة، فإسبانيا، وستتوالى الأهداف والدول ولن تكون هناك دولة أوروبية بمنأى عن (الذئاب المنفردة) العائدة من سوريا وليبيا والعراق، والتى تمتلك الآن خبرة فى صناعة المتفجرات وفى الأعمال القتالية، عالية للغاية، وقبلها تمتلك ثأرا مريرا تريد تصفيته مع تلك الدول وهو ما قد يحدث وبقوة، والله أعلم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق