من هم "جند الإسلام" في سيناء.. ولماذا عادوا إلى الظهور؟ (تقرير تحليلي)

الأحد، 12 نوفمبر 2017 04:45 م
من هم "جند الإسلام" في سيناء.. ولماذا عادوا إلى الظهور؟ (تقرير تحليلي)
كتب- هشام السروجي

تداولت مواقع جهادية محسوبة على تنظيم القاعدة، بيان صوتي منسوب لتنظيم "جند الإسلام"، قال فيه إن مواجهة مسلحة حدثت بين عناصر ومجموعة تابعة لتنظيم "ولاية سيناء" التابع لداعش، ونتج عن المواجهة قتل الأخيرة مقابل اثنين من عناصر جند الإسلام، الأمر الذى أثار حالة من الجدل بين أوساط المهتمين بشؤون الحركات المسلحة، ما نعتبره تحول دراماتيكي قوي على ساحة أحداث الحرب على الإرهاب، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت تسلل العشرات من أتباع السلفية الجهادية في غزة، عبر الأنفاق إلى سيناء، لينضموا إلى جند الإسلام، في سياق يتفق مع استراتيجية القاعدة في السيطرة على مناطق تواجد داعش.
 

البداية من التوحيد والجهاد
 
بعد هجمات 2004 و2005 التي استهدفت النشاط السياحي فى جنوب سيناء، والتي نفذها تنظيم التوحيد والجهاد المؤسس على يد الطبيب خالد مساعد، بدأت حملة أمنية قضت على 90% من عناصر التنظيم التي اتخذت من مدن الشريط الحدودي في شمال سيناء مقرًا لها، وانتقلت الزعامة إلى محمد حسين مجاهد –أبو منير- نهاية عام 2006 بعد مقتل باقي قيادات التوحيد والجهاد في المواجهات الأمنية، وعلى رأسهم نصر خميس الملاحي الذي تولي الزعامة شهور قليلة بعد مقتل أمير الجماعة الطبيب خالد مساعد، واعتقال الرجل الثاني بعده محمد عبد الله عليان.
 
نصر خميس الملاحي ومحمد عبد الله عليان
 
 
 
عمل أبو منير على إعادة بناء التنظيم مرة أخرى، واستقطب عدد من شباب الدعوة السلفية في سيناء وغزة، مستخدمًا الخطاب الجهادي الذي عزز من سطوته الفكرية، وجود دعاة له منتشرين في مساجد العريش ورفح والشيخ زويد، أمثال أسعد البيك والحمدين أبو فيصل وغيرهم من معتنقي الفكر السلفي الجهادي.
 
جاء مقتل الشيخ "عبداللطيف موسي" – أبو النور المقدسي- فى أحد المساجد بقطاع غزة، ليكون حافزًا لاستقطاب عناصره في القطاع إلى سيناء، بالتزامن مع ازدهار قيادات جديدة داخل تنظيم التوحيد والجهاد، كان منهم كمال علام وأحمد زايد الجهيني وإيراهيم أبو عويضة وغيرهم، ليقترب التنظيم إلى حالة الكمال البنيوي.
 
 
مجلس شورى المجاهدين
 
 
وفي ليلة وضحاها وجد التنظيم الأرض ممهدة لسيطرته مع الانفلات الأمني الذي واكب ثورة 25 يناير 2011، ومع حالات الهروب من السجون وعودة المحبوسين على ذمة قضايا إرهابية، بدأت تتشكل جماعات وخلايا صغيرة نسبيًا مثل تنظيم الفرقان بقيادة شادي المنيعي، رفضت أن تكون تحت إمارة جماعة التوحيد والجهاد، حيث رأى قيادات تلك الجماعات، أنهم يملكون مقومات القيادة، وقاردون على تكوين جماعات مستقلة تتخذ من فكر تنظيم القاعدة منهجًا لها.
تعامل أبو منير مع هذا الأمر بقدر احترافي من الحنكة والحكمة، فنجح في تجميع كل هؤلاء تحت مظلة تنظيم مجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس – وتوزيع مناصب قيادية على كل أمراء المجموعات.
 
لم يستمر أكناف بيت المقدس كثيرًا، حيث نجح محمد فريج زيادة، في سحب بساط الإمارة من تحت أقدام أبو منير، وإقناع الجميع بفكرة تدشين أنصار بيت المقدس، على بنية فكرية جديدة لا تتبع القاعدة، مستندًا على خطوة أبو بكر البغدادي في نقض بيعة القاعدة وإعلان الدولة الاسلامية في العراق والشام، لكن تنظيم أنصار بيت المقدس كان له موقف خاص، حيث لم يعلن نقض البيعة ولا مبايعة أبو بكر البغدادي.
 
الإعلان عن تدشين جماعة أنصار بيت المقدس لم يواكبه أية مستجدات تنظيمية أو فكرية معلنه، تبرر تغيير المسمى، وهو أمر لم يلتفت إليه الكثير من المهتمين بملف التنظيمات الإرهابية المسلحة، لكن ما تبع ذلك من تغير فى الاستراتيجيات كان أكبر دليل على حالة الانسلاخ من القاعدة والبحث عن مأوى فكري جديد ينطوى تحته التنظيم الوليد، الذي ذاع صيته بعد أسابيع قليلة من تكوينه.

على العهد باقون 

كل هذه التحولات التي مر العمل المسلح في سيناء، بداية من سيطرة جماعة التوحيد والجهاد حتى إعلانها بيعة أبو بكر البغدادي، كانت هناك جماعة قليلة العدد فقيرة الأمكانات تسمي "جند الله" عن منأى عن هذه التحولات، أتخذت هذه الجماعة فكر القاعدة منهجًا لها، بعد أن تأسست في قطاع غزة على يد محمود طالب- الملقب بـ«أبوالمعتصم»، وبرغم قبولها الإنضمام إلى مجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس – إلا أن استمرارها لم يدوم أكثر من شهرين، لتعاود الاستقلال عن التنظيم وتبدأ مرحلة التكوين، استعدادا للظهور مرة أخرى.
 
زاد من قوة "جند الله" سيطرة محمد فريج زيادة وتحول التنظيم الفكري، ورؤية البعض أنه في إتجاه نقض بيعة الظواهري زعيم القاعدة، وأعتبروها مرحلة "فتنة"، حيث بدأوا في الإنسحاب بهدوء من التنظيم، وقرروا القعود عن الجهاد، وبالغريزة التنظيمية بدأوا البحث عن مظلة شرعية تكون الأقرب إلى منهجهم الفكري، فما كان إلا أن أنضموا إلى "جند الله" على بيعة الظواهري، بالتزامن مع أنفراط عقد الجماعات الجهادية في غزة أمثال جيش جلجلت وجيش الأسلام وغيرهم من الجماعات المنتمية للسلفية الجهادية، كل هذه العوامل ساعدت لـ "جند الله" في تكوين قاعدة جيدة من العناصر الجهادية المدربه جيدًا على السلاح، والتي تقدر بحسب مصادر قبيلة بالمئات.
 
قيادات داعش في غزة
 
 
 
لم يختفى جند الله تمامًا عن المشهد المسلح في سيناء، لكنه كان قليل الاشتباك على الأرض، حتى أن أخر ظهور له في شمال سيناء كان في يوم الثلاثاء 19 مايو 2015، حينما وزعوا بيان تحذيري لعدد ممن زعموا أنهم متعاونين مع الأجهزة الأمنية، على المواطنين في حي الفواخرية بمدينة العريش.

العودة من جديد
 
لم يكن الصدام المسلح أمس السبت 11/11/2017 بين جند الله وولاية سيناء هو الأول، بل أن هناك مناوشات تمت من قبل، أشهرها مقتل كلاً من موسى أبو فريج المكنى بـ “أبو شريفة” وأخيه فايز أبو رفيج المكنى بـ “أبو مريم” في 10 يناير 2014، على يد مجموعة تزعمها شادي المنيعي، بعد إتهامهما للأخير بالعمالة لصالح الموساد، بعد أن أعلن أنصار بيت المقدس نيته مبايعت تنظيم داعش في سوريا والعراق، وهما عنصران من جماعة جند الله كانا ضمن المجموعة التي أنطوت تحت لواء أكناف بيت المقدس.
 
 
حاول جند الله أن يكون مركز عملياته واجتماعاته خارج النطاق الجغرافي للمواجهات بين أجهزة الدولة وولاية سيناء، فأتجه إلى صحراء وسط سيناء، وكان يحافظ على إثبات وجوده كل فترة، أخرهم كان إغتيال 2 أمناء شرطة في طريق (نخل-وسط سيناء) لكن معلومات المصادر القبلية نقلت عن شهود العيان أن العناصر الإرهابية تتبع تنظيم يسمى «جيش الإسلام الحر»، ورجحت المصادر حينها ان يكون التنظيم تابع للقاعدة، وأن هناك عناصر تتبع التنظيم المسؤول على هذه العملية، يتحركون منذ فترة في محيط مسرح الحادث، وقدروا أعدادهم بحوالي 80 عنصر مسلح، ومن المعروف عن التنظيمات التابعة للقاعدة، أنها تستخدم أحيانًا مسميات مختلفة ومتعددة، كنوع من التضليل والخداع الأمني.
 
لكن بعد البيان المسموع الذي أصدره التنظيم صباح أمس، والتحول الواضح فى استراتيجية جند الله، الذى تخلت عن العمل الصامت وقررت الخوض في مواجهة مفتوحة مع ولاية سيناء، من المتوقع أن تكثف عناصره التحرك فى محيط سيطرة ولاية سيناء الفترة القادمة، وأن تقدم نفسها لقيادة القاعدة بأنها جاهزة لأن تكون البديل لداعش في سيناء.
 

دلالات الظهور 

جاء البيان الأخير كاشف لعدة دلالات شديدة الأهمية، حددت المهام الاستراتيجية وخطة "جند الله" بعد قراره بخوض معارك مفتوحة مع ولاية سيناء.
 
بيئة حاضنة: برر جند الله خوضه المواجهات المسلحة مع ولاية سيناء، بأنه يحمي عوام المسلمين من بطش ولاية سيناء، خاصة وأن البيان جاء بعد حرق الأخير لعدد من شاحنات النقل وقتل عدد من السائقين، في محاولة منه لخلق ظهير شعبي، بعد أن أخرج نفسه من دائرة تكفير العوام.
 
استقطاب: لكنه أكد في بيانه على تكفير الجيش المصري، حين وصفه بجيش الرده، كي يفتح مساحة استقطاب للعناصر المنخرطة في صفوف ولاية سيناء، خاصة مع الضربات الأمنية التي كبدتهم خسائر كبيرة فى الأرواح والعتاد.
 
غزة: دائمًا كانت غزة حاضرة بقوة فيما يتعلق بملف سيناء، وقد البيان ذكر ضمن المبررات محاصرة ولاية سيناء لأهالي غزة، ولم يذكر الكيفية، في إشارة تحمل العديد من الدلالات الهامة، أن العنصر الفلسطيني يحظى بمكانة رفيعة في بنية التنظيم، ويؤكد هذا الأمر على وجود نزاع بين ولاية سيناء والمسؤولين عن إدارة الأنفاق من الجانب الفلسطيني، بعد منع تسلل عناصرهم إلى داخل غزة، بعد خطوات التقارب بين الجانب المصري ونظيره الفلسطيني الفترة الماضية.
 
انعكاس: وضع داعش في سيناء ما هو إلا إنعكاس لوضعها في مناطق نفوذها الإقليمي في سوريا والعراق وليبيا، ومع إنهيار مراكز قوى التنظيم تأثرت الفروع ومنها نسخته في سيناء، لكن طبوغرافية المكان وحساسية وضع سيناء الاستراتيجي دائمًا ما جعلها الصيد الثمين بالنسبة للتنظيمات الإرهابية المسلحة، وبحسب المعطيات على الأرض، قد تكون سيناء أول مسرح صدام حقيقي بين القاعدة وداعش، ومنها تنتقل العدوى إلى باقي مناطق نفوذ الأخير.
 
إرباك: سيطرة القوات المصرية على مجريات الأحداث الإرهابية في سيناء على مدار 7 أعوام منذ إندلاع ثورة 25 يناير وحتى الأن، اللهم فترة قليلة أدعى فيها التنظيم نجاحه فى تنفيذ عمليات نوعية مؤثرة خارج سيناء، إلا أنه عاد وأنحصرت عملياته مره أخري داخل حيز الشريط الحدودي لشمال سيناء، دون القدرة على زيادة إتساع رقعة سيطرته، علمًا بأن المعلومات والوقائع فيما يخص العمليات الكبرى خارج سيناء، تقول أنه كان مجرد جهة تبني لمثل هذه العمليات، وما يؤكد على ذلك تبنيه عدد من العمليات ومن ثم يخرج تنظيمات مثل أجناد مصر والمجموعات النوعية الإخوانية (حسم-المقاومة) وتصدر بيانات موثقة عن تبنيها تلك العمليات.
 
وبالتالي حين يدخل عنصر جديد إلى معادلة الحرب على الإرهاب في سيناء، من شأنه أرباك التنظيم المتداعي سلفًا، وتشتيت أهدافه وقدرته الخططيه والتنفيذية خلال الفترة القادمة، ومن المتوقع كذلك أن يشهد انشقاقات واسعه في صفوفه، ولن تكون المرة الأولى منذ بيعته أبو بكر البغدادي.

المراجع 

جريدة الشرق الأوسط العدد 10025- 10 مايو 2006 موقع إسلاميون 
دراسة للكاتب "ولاية سيناء" فرع داعش فى مصر ..النشأة-التطور-الأهداف - 18 فبراير 2015 
نصوص تحقيقات نيابة أمن الدولة في تنظيم التوحيد والجهاد
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق