جالسًا في احدى مقاهى وسط البلد لأحتسى كوبًا من الشاي، وكلما اتجهت بنظري يمينا ويسارًا تتلقى أذني الكثير من الأحاديث التي ربما تعبر عن ما حل بالمصريين من كآبة وتقل دم، فمقولة "المصريين أصحاب نكته" اصبحت ربما لا تنطبق الآن علي الواقع المصري، وتبدلت النكتة الفكاهية التي كان يتميز بها الشعب إلى قلشة ثقيلة على صدر من يسمعها، فكان كافيًا أن أسمع حديث واحد فقط في المقهى ليكون تجسيدًا لهذا الواقع ، يطلب أحدى الزبائن مشروبًا ليرد عليه القهواجي مافيش (لا يوجد) ليرد عليه الأخر "مافيش وتشبيه" (الفيش والتشبيه صحيفة الحالة الجنائية).
ماذا حل بنا ليكون هذا حالنا ، فبعد أن كان المصريون شعباً "ابن نكتة"، هل يصبحون شعباً "ابن قلشة ثقيلة"، وراءها الكثير من الاسباب والدلالات ، فيكفينا أن نسير في الشوارع والطرقات لفترات وجيزة لنرى في وجوه المصريين أعباء أحمال كثيرة لهموم يومية ومسئوليات، كادت أن تطغى على أسطورة النكتة المصرية القديمة التي اعتبرت في وقت من الأوقات الحل الأمثل والوحيد للخروج من الأزمات ومعالجة المشكلات التى تتسبب فى أضرار نفسية عميقة للأفراد مجتمعنا.
مصر ولاّدة.. صنايعية الضحك المجروح
من بين النماذج الساخرة الأكثر شهرة إبان ثورة أحمد عرابي، عبد الله النديم، الذي يعد رائدًا في فن الصحافة الساخرة، واستخدام السخرية كسلاح لمواجهة الجلادين والمستعمرين.
ولد النديم في الإسكندرية عام 1842، وبدأ حياته المهنية بكتابة مقالات كثيرة في جريدتى المحروسة، والعصر الجديد، إلى أن أصدر جريدة "التنكيت والتبكيت" التي يبدو من اسمها، اعتمادها على السخرية المرة لمعالجة آفات المجتمع ومشاكله المزمنة، كما عمل أيضا مدرسا لبعض الوقت، وقيل أنه كان مدرسا من طراز فريد، أنشأ مع تلامذته فرقة مسرحية، ولم يكتف بدور المؤلف أو المخرج، وإنما شاركهم التمثيل أيضا.
"حلت أزمة الأرز وغيرت ختم النسر".. النكت السياسية في عهد عبدالناصر والسادات ومبارك
السادات
مئات " النكات " في مصر تطرقت إلى الرؤساء وعلاقتهم بالشعب ومدى حرصهم على حل بعض الأزمات التى سخر منها المصريين بإطلاق النكات عليها .
عقب اندلاع أحداث 25 يناير وتنحى الرئيس الأسبق مبارك انتشرت نكتة تقول من الشباب إلى مبارك " سيدي الرئيس .. عُد ولا تغضب .. لقد كنا نمزح معك".
انتشرت نكتة زمن مبارك مدلولها أنه لم يكن يفكر فى ترك السلطة تقول أن رئيس الحزب الوطنى وقتها قال للرئيس مبارك ياريس لازم تلقي خطاب وداعي للشعب فرد عليه مبارك قائلا : "هو الشعب حيروح فين ".
هل قتل "الكوميكس" النكتة في مصر؟
على الرغم من الشهرة التي يتمتع بها المصريين في إطلاق النكات إلا أن مؤخرا أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منافس قوى في ذلك المجال في ظل تدشين عشرات الصفحات التي تضم عشرات النكات المصورة والجمل التي باتت متداولة بين المصريين.
لذلك يتم ثار التساؤل هل اختفت النكتة المصرية بشكلها التقليدي أم تطورت في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ؟
راحت فين النكتة الحلوة.. قصة البعكوكة وأبونضارة وحمارة منيتى
الصحف الساخرة
كانت من أبواب صحيفة البعكوكة :" آخر نكتة، نكتة ميني، أضحك بأة، ابتسم ، فكاهات القراء ونوادرهم ،مسابقة النكت ،ومغامرات هواش بكاش، شاعر البعكوكة، و الهجاص".
تميزت البعكوكة بشخصيات شهيرة من قبيل أم سحلول الشيخ بعجر جعران بيه وقد ظلت البعكوكة تضحك الناس وترسم البسمة على وجوههم أكثر من عشرين عاماً إلى أن اغلقت.
نظرة نفسية.. لماذا أصبح المصريون " شعب مش ابن نكتة"؟
الشعب المصرى
الدكتورة هبة عيسوي أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس تؤكد أن موضوع معاناة المصريين من الاكتئاب ليست مقولة دقيقة لكنه لفت نظرها خلال الفترة الماضية أن الناس دائما يشكون من مشاكلهم اليومية.
وقالت في تصريحات خاصة لـ"صوت الأمة": لما تيجي تُقعد مع حد لازم يشتكي.. مفيش حد حياته كلها سيئة أكيد هناك أشياء جيدة في الحياة واللافت أن الكل يشكو، بقينا بنعمل إسقاط على الأخرين بمعني إنه بقينا نورث لبعضنا طاقة سلبية، أنت قاعد مع واحد صاحبك في القهوة عاوز تغير جو يقعد يكرر قدامك المدير مزعلني ومراتي بتشتكي وكل شيئ سلبي لكن ما يقولش الايجابيات خالص".
انتهت حياتهم بمأساة.. مصير إسماعيل يس والقصري والكسار
اسماعيل يس
يلاحق فنان الكوميديا دائمًا انطباع واحد لدى أغلب الجماهير، وهو أن حياته بعيدًا عن الشاشات والأضواء لا تخلو من المرح، كما هو في أدواره السينمائية الذي يقوم بتأديتها، ولكن على أرض الواقع فهذا ليس أمر صحيح، فهناك العديد من النجوم أضحكوا الجمهور حد البكاء، ولكن لم يصيبهم في حياتهم سوى البكاء فقط.
هل تحبس "النكتة" صاحبها ؟
حبس
النكتة قوة لا يستهان بها، ويشارك صنعها الأفراد والجماعات وتعتبر الثقافة والزمن واللغة والتجربة جزء أصيل لا يتجزء من تركيب النكتة، فما يعتبر نكتة مضحكة في بلد أو لشخص ما لا يمكن فهمه في مكان آخر، فلكل نكتة سياقها .
والسؤال هنا بعيداَ عن ظروف النكات وطبيعتها وتطورها واندثارها بين الأمم، ولكن هل تحبس النكتة صاحبها ؟ .
وفى هذا الشأن، يقول الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، إن قضية النكتة كان أزهى عصورها فى زمن الراحل محمد أنور السادات ، حيث أن الأنظمة المتعاقبة فى مصر كانت دائماَ ترفض النكتة السياسية وتتعامل معها باعتبارها جريمة فى حق الدولة والنظام والمجتمع، على الرغم من أن قانون العقوبات المصرى لا يوجد فيه نص قانونى واضح يجرم النكتة السياسية لأن المشرع المصرى يتعامل مع النكتة المصرية على أنها جزء من الشخصية المصرية والمعروفة بروح الفكاهة وهى وسيلة من طرق التنفيس المجتمعى عما بداخل المجتمع من معارضة فكرة أو سياسة محددة أو حتى قانون جديد.