غير رأيك لما تكون غلطان

الإثنين، 04 ديسمبر 2017 07:24 م
غير رأيك لما تكون غلطان
معتز بالله عبدالفتاح

كتب العقاد فى «عبقرية عمر»: وكان النبى عليه السلام يعلم أن احتمال التبعة أو المسئولية خليق أن يبدل أطوار النفوس فى بعض المواقف والأزمات، فيجنح الليّن إلى الشدة، ويجنح الشديد إلى اللين، لأننا إذا قلنا إن رئيسا أصبح يشعر بالمسئولية فمعنى ذلك أنه أصبح يراجع رأيه، فلا يستسلم لأول عارض يمليه عليه طبعه، ولا يقنع باللين أول وهلة إذا كان من أدبه اللين، ولا بالشدة أول وهلة إذا كان من دأبه الشدة، ومن هنا ينشأ الاختلاف بين +موقف الرجل وهو مسئول، وموقفه وهو غير مسئول. وهذا الذى ظهر أعجب ظهور فى موقفى الصاحبين من حرب الردة، فإن عمر الشديد آثر الهوادة، وأبا بكر الرفيق قد آثر القتال وأصر عليه».
 
«كان عمر يقول: إن رسول الله كان يقاتل العرب بالوحى والملائكة يمده الله بهم، وقد انقطع ذلك اليوم»، ثم يقول لأبى بكر: «الزم بيتك ومسجدك، فإنه لا طاقة لك بقتال العرب».
 
ويرد عليه أبوبكر متسائلا: «أئن كثر أعداؤكم، وقل عددكم ركب الشيطان منكم هذا المركب؟ والله ليظهرن الله هذا الدين على الأديان كلها ولو كره المشركون، قوله الحق ووعده الصدق، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. والله أيها الناس لو منعونى عقالا لجاهدتهم عليه، واستعنت عليهم بالله وهو خير معين».
 
ويستمر العقاد فى تحليل الموقف قائلا: «إن محمدا، صلى الله عليه وسلم، قد عرف من هم رجاله، وما هو الموقف الذى هم مقبلون عليه بعد وفاته، فعرف الموضع الذى يضع فيه كلا منهم، والعمل الذى يتولاه خير ولاية فى ذلك الموضع، ولم يفته أن يحسب حساب التبعة، وما فى احتمالها من ضمان للأخلاق الصالحة، والعقول الراجحة، وأبوبكر وعمر من خيرة أصحاب هذه الأخلاق وهذه العقول».
وفى قصة ذات دلالة مشابهة، جاء رجل إلى ابن عباس فقال يا ابن عمّ رسول الله، هل للقاتل من توبة؟! فصعّد ابن عباس النظر فيه وقال له: لا، ليس للقاتل من توبة.
 
وعندما ذهب الرجل قال أصحاب ابن عباس له: كنا نسمع منك قبل غير هذا؟ فقال: إنى نظرت فى وجهه فرأيته مغضبا، يريد أن يقتل رجلا مؤمنا، هذا ما دفع ابن عباس لأن يقول له: لا توبة للقاتل. رغما عن أن مذهبه أن الله يغفر توبة القاتل إن كانت نصوحا عملا بقول الحق سبحانه:، «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ولذلك قال العلماء: الفتوى قبل الابتلاء بالفعل تختلف عن الفتوى بعد الابتلاء بالفعل. 
 
 
إذن تبديل الآراء والقرارات قبل وبعد تولى التبعة والمسئولية مقرر عند الأقدمين، بل إن دارسى علم النفس المعرفى (cognitive psychology) كانوا سباقين فى توضيح أثر المعلومات الجديدة فى تغيير التوجهات العامة للأشخاص لا سيما إذا كان وقت اتخاذ القرار محدودا مثل: الساسة والعسكريين ورجال الأعمال، وكانت النصيحة العامة التى قال بها هؤلاء: تبنى صورة مفتوحة عن الواقع بما يحمله هذا من الاستعداد الدائم لتغيير إدراكنا ومن ثم قراراتنا؛ فالصورة ليست ثابتة وإنما متغيرة وبسرعة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق