ومنين بييجى السواد؟! من الطمع والعناد.. الطوفان الذى يلطمنا!

الأحد، 10 ديسمبر 2017 03:44 م
ومنين بييجى السواد؟! من الطمع والعناد.. الطوفان الذى يلطمنا!
محمد حسن الألفى

خلق كل واحد منا وله فى عنقه الطوفة وعليه فى رجليه الطوفان؛ فأما الطوفة فهى التعبير الشعبى الدارج الساخر عما يلحق بعقل الإنسان، بغتة، من لطف، ومن ذهول، ومن نعومة فى خلايا التفكير أقرب إلى سيولة تتميع معها القدرة على الحس وعلى الإدراك، فيخرف ويهرتل، ونطلق عليه عندئذ، وصف ولى من الأولياء ليس بالضرورة فى مجال الدين، بل ربما كان أكثر شيوعا فى مجال السياسة، فعندئذ نتحسر على من أصابته الطوفة وحل به اللطف!

أما الطوفان فهو المحنة الخاصة بالفرد، فى حقبة من حياته، تزلزله، وتخضخصه، تشيله وتهبده، فيطفو أو يستقر بقاع الطوفان الجارف، وكما يوجد لطف وطوفان خاص بالأفراد، يوجد لطف وطوفان خاص بالأمم، وأمتنا العربية، والمصرية، يا لطيف اللطف يا رب، أصيبت بالمصيبتين فى وقت واحد، ولما كانت مصائب العرب اليوم طوفانا وذهولا معا، فإن طوفان المصريين اليوم، هو مصيبتهم فى ذمتهم وفى أخلاقهم وفى سعارهم وفى بذاءة الألسنة، إلا مَن اعتصم بإرث من تربية ودين!
والحق أن كل هذه الخواطر تدفقت وفاضت كطوفان من المشاعر والشجون، من متابعة شغوفة متأملة لمسلسل الطوفان الذى يعرض حاليا فى 45 حلقة، خارج السباق الرمضانى السنوى المجنون، هو مأخوذ عن قصة جميلة للسيناريست بشير الديك، وسبق إعدادها فيلما تحت العنوان ذاته. 
 
ماذا يحدث لنا إذ نحن جوعى، وتهبط علينا مائدة من السماء؟! وماذا يحدث فينا وبنا ولنا، إذ نحن عرايا، وتهبط علينا دور الأزياء العالمية بسيل من البدل والقمصان ورابطات العنق، والفساتين والهدوم كافة؟!
وماذا يحدث لنا، إذ نحن حيارى كيف نستكمل بقية أيام الشهر، ونسدد الفواتير وأقساط المدارس، والسيارة والعلاج، والأدوات المنزلية، وفجأة يأتى من يلقى علينا بزكائب مليئة بـ 300 مليون جنيه؟!
المال المفاجئ، والثروة الهابطة من حيث لم يحتسب أحد، هى موضوع المسلسل، الذى كتب له السيناريو وائل حمدى ومحمد رجاء، فى إبداع ضاعف المتعة المتولدة من إبداع بشير الديك، جسّده بنعومة وسلاسة وعذوبة المخرج خيرى بشارة، الذى يتلاعب بمشاعر المشاهد وتوقعاته، كما تتلاعب الريح العاصفة بكل الثوابت والمألوفات.أسرة متوسطة الحال، مستقرة بأفرادها، الأم المتدينة العاقلة «نادية رشاد»، زوجها الميكانيكى الأمى توفى، وأبناؤها، المدرس «فتحى عبدالوهاب»، ومهندس الديكور «أحمد زاهر»، والمطرب الصاعد، وبناتها الثلاث، أمينة الطيبة الساذجة العفوية «وفاء عامر»، ثم الطبيبة المعقدة نفسيا، التى فقدت ابنها فى سن مبكرة «روجينا»، ثم أصغرهن «أيتن عامر» التى تزوجت، من وراء أهلها، شابا دخل السجن فى قضية نصب من أجلها، ترك لهم أبوهم خمسة فدادين فى الإسماعيلية، مسقط رأسه وأخيه، وتدخل الأرض فى الحيز العمرانى، وبسبب موقعها الفريد، يهرول إليها المستثمرون، لشرائها، وبالفعل، تحصل عليها إحدى الشركات، وتتعهد بدفع 300 مليون جنيه، توزع على ستة أشخاص، الأم والأبناء الستة!
وانظر ماذا يحدث حين يكون نصيب البنت ثلاثين مليونا والولد خمسين أو ستين!؟ الواحد تطرأ عليه علاوة أو إرث عارض بسيط، تجده يبيت الليل فى حساب وتسجيل أمنياته، فلا يحصرها، وهؤلاء صاروا من الأغنياء بلا حساب ولا ميعاد، ويتبارى كل منهم فى الإنفاق والاستمتاع، ويعود الزوج الهارب «ماجد المصرى» من زوجته أمينة المتدهولة على عينيها، لتنام فى حضنه بعد هجرانه لها 17 عاما، تزوج فيها ممثلة، راقصة «عبير صبرى»، تابت وأنابت، وأنجب منها ابنتين.. ثروة أمينة العبيطة العفوية عاشقة أمها، جذبته باتفاق مع زوجته الثانية، فمنحته توكيلا عاما، وكذلك فعلت البنت الصغرى، أما الطبيبة فانفتحت شهوتها وشهيتها للحياة وتهيأت لإعادة الحمل والإنجاب، لكن زوجها الدكتورالجامعى المفصول، كان قد صار مدمنا، فأودعته مصحة للعلاج، أما المدرس فاستقوى بالمال لمواجهة زوجته التى يمقتها، ويود لو يعمى ولا يراها، ولما حصل على المقدم، خمسة ملايين جنيه، تشجع واستأنف مطاردته لحبيبة القلب الأولى التى بدورها كانت مطلقة لرجل ظهر لها أنه قواد، أنجبت منه ولدا فى سن المراهقة، مهندس الديكور أطلق خياله وجنونه، وخيال زوجته «هنا شيحة» وجنونها فى إنفاق مقدم الثروة أيضا، 5 ملايين، فاشترى سيارتين فارهتين، ونقل محل إقامته إلى أفخم الفنادق فى القاهرة، ولما عاتبته زوجته على السفه، أقنعها أنه يستمتع بالسفه وعليها أن تستمتع! كانت فاتورة الفستق والكاجو والأشياء الصغيرة فقط 30 ألف جنيه!
أما أصغر الأبناء «محمد عادل» المطرب الصاعد اللطيف المحب لأمه، فقد وافق المليونير على تزويجه لابنته، وكان رفضه من قبل لأنه فقير! 
كل منهم إذن جن جنونه بخمسة ملايين دفعة تحت الحساب، وكل منهم ينفق على حس أن بقية الثروة فى الطريق.. لكن قطع عليهم الطريق ابن عمهم «مجدى كامل» الغلس الطماع الحقود، الطبيب الذليل لحماه الغنى صاحب المستشفى، فقد ظهرت ورقة مبايعة قديمة لدى والده الطيب الحاج «محمود الجندى»، شقيق صاحب الأرض. كان صاحب الأرض الحقيقى يقترض من أخيه فى الإسماعيلية لضيق ذات اليد بالقاهرة، بعد نقل الورشة إلى القاهرة، وبلغ الدين عشرة آلاف جنيه، تركها صاحب الأرض فى صورة مبايعة، والإمضاء لأم الأولاد الستة! ويحتدم الصراع بين الوارث الجديد والورثة الستة وتفشل المفاوضات بسبب العناد والطمع، بل يصطدم الأبناء ببعضهم بعضا وبأمهم فى مواجهات بلا أخلاق ولا حدود، وتقع الأم فى صراع نفسى وروحى عنيف لأن شهادتها الزور فى المحكمة بأنها ليست صاحبة التوقيع ستمكن أولادها من الإرث، ولو اعترفت أن الإمضاء لها ستحرم أولادها من حقوقهم فى أرض هى ملك أبيهم!
تتوالى الأحداث.. والحق أن الأحداث طوفان والتمثيل طوفان والإخراج طوفان، وكل النجوم العشرين أبدعوا، ويبدو لى أنهم جميعا كانوا فى حالة استمتاع غير عادية بالمسلسل، فأمتعونا.. أما وفاء عامر فلم تعد وفاء عامر التى نعرفها، فى دور أمينة كانت طوفانا من التلقائية الفنية والإجادة غير المسبوقة، وسيبقى هذا الدور فاصلا فى مشوارها الفنى، لأنه مزيج من الطيبة والكوميديا والشهامة والسذاجة والحب، اختلطوا فيها فأخرجت منها أداء مبهرا، على إيقاع ماجد المصرى، الجديد، خفيف الظل، المدفعية الثقيلة فى هذا الدور الشائك، تلون وتمرد وتقلب وارتدى كل الجلود والأقنعة ما بين مشهد وآخر. نادية رشاد توهج ونضج مستحق وعقل فى توزيع المشاعر والكلمات مع طبقات الصوت، مستعينة بخبرة فى الكتابة وفى التمثيل، لا يمكن نكران بصمات لها فيهما.
تحية للمايسترو خيرى بشارة، أعادنا إلى متعة الفرجة، وإلى بهجة القلب، وإلى شجن الروح، طوفانكم غمرنا، وأعادنا إلى الحياة أكثر حكمة وحبا.
ومنين بييجى الشجن... من اختلاف الزمن 
ومنين بييجى الهوى... من ائتلاف الهوى 
ومن بييجى السواد.. من الطمع والعناد 
ومنين بييجى الرضا...من الإيمان بالقضا..
رحمك الله يا عمنا سيد حجاب، ورحمنا من طوفان هذه الأيام.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق