بوتين في مصر لإنقاذ السلام في سوريا

الأحد، 10 ديسمبر 2017 09:36 م
بوتين في مصر لإنقاذ السلام في سوريا
د. مغازي البدراوي

منذ أن أعلن عن زيارة الرئيس الروسي بوتين لمصر، وانطلقت الأسئلة والأجوبة حول سبب الزيارة المفاجئة التي لم يعلن عنها إلا منذ أيام قليلة، وذهبت الرؤى والتصورات حول أهداف الزيارة إلى مناحي عدة، منها التعاون في الحرب على الإرهاب، ومنها بحث الأوضاع في الخليج وفي اليمن، ومنها أيضاً قرار ترامب بشأن القدس، وترددت الأقاويل حول اقتراب عودة السائحين الروس لمصر بعد الزيارة، وحول إنجاز اتفاق محطة الضبعة النووية والبدء في تنفيذها، وغير ذلك من الأشياء والقضايا السابقة والشبه معلقة، لكن في الواقع أن كل هذه القضايا والمشاكل لا تستدعي زيارة خاصة من الرئيس الروسي لمصر، بل جميعها يمكن تناولها من خلال الخارجية أو حتى بالهاتف، ناهيك عن أن مسألة عودة السائحين الروس تتناولها لجان متخصصة لم تحسم قرارها بعد، وكذلك موضوع محطة الضبعة النووية. 
 
زيارة الرئيس بوتين لمصر موضوعها في الغالب قضية تهم روسيا بشكل كبير، ولا يهم روسيا الآن على الساحة سوى مسار العملية السياسية في سوريا، فهي التتويج لكل ما فعلته روسيا في سوريا على مدى أكثر من عامين، وعدم نجاح هذه العملية يعني أن ما فعلته روسيا في سوريا لم يؤتي ثماره، ولدى موسكو الآن قلق كبير من مسار هذه العملية السياسية الذي يتعرض لعقبات غير عادية تنذر، ليس فقط بفشل هذه العملية السياسية بل أيضاً تنذر بعودة الحالة السورية للصفر من جديد، وهناك جهات غير راضية عن الإنجازات التي حققتها روسيا ضد الإرهاب في سوريا، ومستعدة لإشعال الحرب هناك من جديد.
 
من هنا تأتي زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى مصر التي تحتضن اجتماعات مجموعات من المعارضة السورية تشكل أحد المنصات الثلاثة للمعارضة السورية (القاهرة والرياض وموسكو)، وتحتاج موسكو من القاهرة دعماً لإنقاذ العملية السياسية في سوريا من الانهيار الذي يسعى البعض إليه. 
 
ولقد كشفت مباحثات جنيف في جولتها الثامنة، التي استؤنفت يوم الثلاثاء الخامس من ديسمبر الجاري، عن عقبات جديدة وكبيرة أمام الحل السياسي والعملية السياسية في سوريا، وبات واضحاً أن أن هناك من يضع العقبات التي تعوق استمرار ونجاح المفاوضات في جنيف، وحسب الموقف الروسي الرسمي المعلن، فإن هناك جهات لا تريد لهذه المباحثات أن تنجح، ويرون أنهم لن يحصلوا على ما يريدون من ورائها، وربما هناك البعض ممن تدفعهم جهات خارجية لإشعال فتيل الحرب من جديد، وهناك من لا يريد أن تتولى روسيا العملية السياسية مثلما تولت العملية العسكرية ونجحت فيها من قبل، لأن هذا في رأي البعض ليس فقط يثبت أقدام روسيا في سوريا، بل يعطيها مصداقية عالمية في أنها داعية سلام وليست داعية حرب، كل هذا يهدد مباحثات السلام في جنيف، الأمر الذي يستدعي من روسيا التحرك على أعلى مستوى، ومن هنا جاء توجه الرئيس بوتين للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، والقائدان تربطهما، كما يقول بعض المراقبين (كيماء خاصة) في التفاهم والقبول والثقة العالية في النوايا، المر الذي يسهل الاتفاق بينهما في مثل هذه القضايا المحورية بالتحديد. 
 
الأوضاع في سوريا تستدعي لقاء بوتين مع السيسي، حيث ترى موسكو أن المباحثات في جنيف أخذت منحى لا يتوقع من ورائه أية نتائج إيجابية، وترى موسكو أن فصائل المعارضة السورية الممثلة في المباحثات في جنيف لا تمثل في الواقع قطاعات الشعب السوري العريضة، وبعض فصائل المعارضة تسعى لفرض شروط غير مقبولة قبل بدأ المباحثات، هذه الشروط التي تهدف لإفشال المباحثات برمتها، مثلما تريد بعض هذه الفصائل تحديد مصير الرئيس بشار الأسد من خلال مباحثات جنيف، وتغفل هذه الفصائل أن بشار الأسد هو رئيس الدولة الرسمي والشرعي، وأنه صاحب المقعد الأكبر في المباحثات لأنه صاحب الحق والأرض والشعب.
 
وترى موسكو أن المساعي لإيجاد توافق في الآراء حول المشاكل التي تعوق مباحثات جنيف ستأخذ وقتاً طويلاً، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تأجيل المباحثات إلى أجل غير مسمى، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تهميش العملية السياسية في سوريا وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر من جديد، مما يعني احتمالات العودة لحمل السلاح والحرب في سوريا من جديد، وهناك جهات أجنبية تدفع الأمور في هذا الاتجاه، وهذه الحرب المحتملة، كما ترى موسكو، لن تكون فقط بين القوات السورية الحكومية وقوات المعارضة المسلحة، بل ستكون بين قوات المعارضة المسلحة وبعضها، وذلك كصراع على إحراز نقاط تعطي هذا الطرف أو ذاك فرصة أكبر فيما بعد في العملية السياسية، حيث أن فرق المعارضة كثيرة ومتعددة ومختلفة، والجميع يتصارعون على السلطة وعلى الكعكة السورية القادمة.
 
في ظل هذه الظروف التي اعاقت مباحثات جنيف 8، وهددت نجاحها، تطرح موسكو منصة أخرى للحوار تمهيدية في مدينة سوتشي تجمع جميع الفصائل السورية بمختلف اتجاهاتها مع الوفد الرسمي للحكومة السورية في جلسات مباحثات مفتوحة ليس الهدف منها اتخاذ قرارات ملزمة لأحد، ولكن الهدف منها تقريب وجهات النظر تمهيداً للعودة للمباحثات الرسمية، وربما ترغب موسكو في تأييد القاهرة لهذه الخطوة.
موسكو أطلقت على اللقاء في سوتشي اسم "مؤتمر الحوار الوطني السوري" وقالت أن هذا المؤتمر خطوة عملية وواقعية تمهيدية للعملية السياسية السلمية في سوريا.  
 
زيارة الرئيس بوتين لمصر في هذا التوقيت بالتحديد هو تعبير واضح عن ثقة روسيا في مكانة مصر الإقليمية ومدى قدراتها على التأثير على الأحداث وتوجيهها، وأنه بقد ما تحتاج مصر إلى روسيا، أيضاً تحتاج روسيا إلى مصر في قضايا هامة ومحورية، وعلى رأسها الآن القضية السورية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق