«النبي محمد» شرّف مكة لما اتاها ثمّ النور علاها عليها وعم
الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015 02:45 م
«شرّف مكة لما اتاها ثمّ النور علاها وعمّ، جذعُ النخل لطه شكى ذراعُ الشاة له كلّمْ، عينُ قتابة لا ننساها صارت تبصرُ اين وكمْ، سلامي على طه سلامي على ياسين سلامي على الممدوح بالنون والقلم» هو أبو القاسم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب رسول الله للبشرية ليعيدهم إلى توحيد الله وعبادته، وأشرف المخلوقات وسيّد البشر ولد في مكة في شهر ربيع الأول من عام الفيل قبل 53 سنة من الهجرة، ولد يتيم الأب، وفقد أمه في سنّ مبكرة فتربى في كنف جده عبد المطلب، ثم من بعده عمه أبي طالب حيث ترعرع، وكان في تلك الفترة يعمل بالرعي ثم بالتجارة.
وتزوج النبي محمد «صل الله عليه وسلم» في سنِّ الـ 25 من خديجة بنت خويلد وأنجب منها كل أولاده باستثناء إبراهيم، وكان قبل الإسلام يرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية التي كانت منتشرة في مكة، ونزل الوحي عليه وكُلّف بالرسالة وهو ذو 40 سنة، أمر بالدعوة سرًا لـ 3 سنوات، قضى بعدهنّ 10 سنوات أُخَر في مكة مجاهرًا بدعوة أهلها، وهاجر إلى المدينة المنورة في عام 622م وهو في الـ 53 من عمره بعد أن تآمر عليه سادات قريش ممن عارضوا دعوته وسعوا إلى قتله، فعاش فيها 10 سنين أُخر داعيًا إلى الإسلام، وأسس بها نواة الحضارة الإسلامية، التي توسعت لاحقًا وشملت مكة وكل المدن والقبائل العربية، حيث وحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية.
نزول الوحي
لما بلغ محمد سنَّ الـ 40، نزل الوحي لأول مرّة على محمد وهو في غار حراء، تروي عائشة بنت أبي بكر قصة بدء الوحي، "جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه المَلك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقاريء. قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: "زمّلوني زملّوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع"، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتُقرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ.
ونزلت أوائل سورة المدثر ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع مدة 23 عامًا حتى وفاته، فكان أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة العلق، أول سورة القلم، والمدثر والمزمل والضحى والليل.
بداية الدعوة
بُعث النبي محمد "صل الله عليه وسلم"، للناس كافة، فقد قال عن نفسه «أنا رسولُ من أدركتُ حيًا، ومن يولد بعدي»، فبعد نزول آيات سورة المدثر، بدأ يدعو إلى الإسلام الكبيرَ والصغيرَ، والحر والعبد، والرجال والنساء، فكان أوّل النّاس إيمانًا به بحسب الرواية السنية زوجته خديجة بنت خويلد، ثمّ ابن عمّه علي بن أبي طالب.
الجهر بالدعوة
بعد مرور 3 سنوات من الدعوة سرًا، بدأ محمد بالدعوة جهرًا بعدما تلقّى أمرًا من الله بإظهار دينه، عن علي بن أبي طالب أنه قال: «لما نزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين» جمع رسول الله قرابته، فاجتمع له 30 رجلًا، فأكلوا وشربوا، فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟ فقال علي: أنا»
الهجرة إلى الحبشة
لما اشتد البلاء على المسلمين، أذن لهم محمد بالهجرة إلى الحبشة عند الملك أصحمة النجاشي، قائلًا لهم «إنّ بأرض الحبشة ملكًا لا يُظلَم أحدٌ عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه»، فخرج 11 رجلًا و4 نسوة، على رأسهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت محمد، في شهر رجب من سنة 5 من البعثة (8 ق هـ)، وكان رحيل هؤلاء تسللًا في الليل، خرجوا إلى البحر وقصدوا "ميناء شعيبة"، وكانت هناك سفينتان تجاريتان أبحرتا بهم إلى الحبشة، فكانت أول هجرة في الإسلام.
الإسراء والمعراج
بعد رحلة الطائف، حدثت للنبي محمد رحلة الإسراء والمعراج بحسب التراث الإسلامي، وقد اختُلف في تحديدها على 10 أقوال، فقيل أنها كانت ليلة 27 رجب بعد البعثة بـ 10 سنين (3 ق هـ)، وقيل بل كانت ليلة السبت 17 رمضان قبل الهجرة بـ 18 شهرًا (2 ق هـ)، وقيل في 17 ربيع الأول قبل الهجرة بسنة (1 ق هـ)، وقبل أن يركب البراق بصحبة جبريل فنزل في المسجد الأقصى وربط البراق بحلقة باب المسجد، وصلّى بجميع الأنبياء إمامًا ثم عُرج به إلى فوق 7 سماوات مارًا بالأنبياء آدم، ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، ويوسف، وإدريس، وهارون وموسى وإبراهيم وانتهى إلى سدرة المنتهى ورأى الجنة والنارورأى ربّه)، وفُرض عليه الصلوات الخمسة بعد أن كانت 50 صلاة.
ثم انصرف في ليلته عائدًا راكبًا البراق بصحبة جبريل، فوصل مكة قبل الصبح، فلما أصبح أخبر قومه برحلته فاشتد تكذيبهم له وأذاهم، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فتمثّل له بيت المقدس حتى عاينه، فبدأ يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها، وكان الأمر كما قال وصدّقه بكل ما قاله أبو بكر فسُمي يومئذ بالصّدّيق.
الهجرة إلى المدينة
لما اشتد البلاء على المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، أذن محمد لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فجعلوا يخرجون ويخفون ذلك، فكان أول من قدم المدينة المنورة أبو سلمة بن عبد الأسد، ثم قدم المسلمون أرسالًا فنزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم. ولم يبقَ بمكة منهم إلا النبي محمد وأبو بكر وعلي بن أبي طالب أو مفتون محبوس أو ضعيف عن الخروج.
ولما رأت قريش خروج المسلمين، خافوا خروج محمد، فاجتمعوا في دار الندوة، واتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة من قريش شابًا فيقتلون محمد فيتفرّق دمه في القبائل، فأخبر جبريل محمد بالخبر وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة، فأمر محمد عليًا أن ينام مكانه ليؤدي الأَمانات التي عنده ثم يلحق به واجتمع أولئك النفر عِند بابه، لكنه خرج من بين أيديهم لم يره منهم أحد، وهو يحثوا على رؤوسهم التراب تاليًا آيات من سورة يس. فجاء إلى أبي بكر، وقد كان أبو بكر قد جهز راحلتين للسفر، فأعطاها محمد لعبد الله بن أرَيْقِط، على أن يوافيهما في غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، ويكون دليلًا لهما، فخرجا ليلة 27 صفر سنة 14 من النبوة، الموافق 12 سبتمبر سنة 622م، وحمل أبو بكر ماله كلّه ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، فمضيا إلى غار ثور فدخلاه وضربت العنكبوت على بابه بعش، وجعلت قريش فيه حين فقدوه 100 ناقة لمن يردّه عليهم، فخرجت قريش في طلبه حتى وصلوا باب الغار، فقال بعضهم «إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد» فانصرفوا.
ومكث محمد وأبو بكر في الغار 3 ليال يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، حتى خرجا من الغار 1 ربيع الأول، أو 4 ربيع الأول وبينما هما في الطريق، إذ عرض لهما سراقة بن مالك وهو على فرس له فدعا عليه محمد فرسخت قوائم فرسه، فقال «يا محمد أدع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك وأرد من ورائي»، ففعل فأطلق ورجع فوجد الناس يلتمسون محمد فقال «ارجعوا فقد استبرأت لكم ما ههنا».
تأسيس الدولة الإسلامية
كان أول أمر بدأ به النبي محمد بناء المسجد، فاختار له المكان الذي بركت فيه ناقته، فاشتراه من غلامين كانا يملكانه بعشرة دنانير أدّاها من مال أبي بكر بحسب أهل السنة، فبُني المسجد وسُقف بجريد النخل، وجُعلت أعمدته خشب النخل، وفرشت أرضه بالرمال والحصباء، وكان محمد ينقل معهم اللبن في بناءه، وجُعل له ثلاثة أبواب، وجُعل طوله من القبلة للمؤخرة 100 ذراع، وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه، وجُعلت قبلتهللمسجد الأقصى حتى نزل الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبةبعد ستة عشر شهرًا من الهجرة (2 هـ)، برغبة من محمد، وقد بنى بيوتًا إلى جانبه، وهي حجرات أزواجه، حيث انتقل إليها بعد تكامل البناء من بيت أبي أيوب الأنصاري بعد أن مكث عنده من شهر ربيع الأول إلى شهر صفر 2 هـ، وبعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر نزل فرض شهر رمضان في شعبان على رأس ثمانية عشر شهًرا من الهجرة، وأمر محمد في هذه السنةبزكاة الفطر وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال.
فتح مكة
فقال له محمد «نُصِرتَ يا عمرو»، ثم جاء أبو سفيان بن حرب قادمًا من مكة يريد تجديد الصلح، فُقوبل بالرفض ثم أمر محمد بتجهيز الجيش والتحرك نحو مكة وهو يكتم ذلك حتى يبغت قريشًا، واستنفر الأعراب والقبائل المسلمة، فخرج في 10،000 مقاتل يوم 10 رمضان 9 هـ، والناس يومئذ صائمون، ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلمًا مهاجرًا، ثم لما كان بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث وابن عمته عبد الله بن أبي أمية فأسلما، ثم عسكر بالجيش في مر الظهران وأُوقدت 10،000 نار، فجاء أبو سفيان بن حرب يتحسس، فلقيه العباس بن عبد المطلب وجاء به إلى محمد فأسلم أبو سفيان وفي يوم الثلاثاء 17 رمضان سنة 8 هـ، تابع الجيش مسيره إلى مكة. في أثناء ذلك مرّ سعد بن عبادة بأبي سفيان قائلًا: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تُسْتَحَلُّ الكعبة» فلما بلغ ذلك القول محمدًا قال «كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، يوم تُكسَى فيه الكعبة».
وفاة النبي "صلي الله عليه وسلم"
كان أوّل ما أُعلم به النبي محمد باقتراب أجله ما أُنزل عليه في فتح مكة، من سورة النصر: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وكان ابتداءُ مرضه الذي تُوفي فيه أواخر شهر صفر سنة 11 هـ بعد أن أمر أسامة بن زيد بالمسير إلى أرض فلسطين، لمحاربة الروم، فاستبطأ الناس في الخروج لوجع محمد، وكان أول ما ابتدئ به من وجعه أنه خرج إلى البقيع ليلًا فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدئ وجعه، وكان صداع الرأس معحمّى، ويُروى أنّ سبب مرضه كان السمّ الذي دُسّ له في طعام وهو في خيبر، وكان من شدّة وجعه أن كان يُغمى عليه في اليوم الواحد مرات عديدة حتى دعا نساءه يستأذنهن في أن يُمرّض في بيت عائشة بنت أبي بكر، فانتقل إلى بيتها يمشي بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب.
وفي أحد الأيام خرج محمد على أصحابه عاصبًا رأسه، حتى جلس على المنبر فقال «عبدٌ خيّره الله بين أن يؤتيَه زهرةَ الدنيا وبين ما عنده، فاختارَ ما عنده»، ففهم أبو بكر وبكى وقال «فديناك بآبائنا وأمّهاتنا»، فقال محمد «إنّ أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا، لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلًا، ولكن إخوة الإسلام لا تبقينَّ في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر».
وتوفي النبي المصطفي يوم الإثنين بعد 13 يومًا على مرضه، خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ففرحوا به، ثم رجع فاضطجع في حجر عائشة بنت أبي بكر، فتُوفي وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الإثنين ربيع الأول سنة 11 هـ، الموافق 8 يونيو سنة 632م وقد تّم له 63 سنة، فلما توفي قام عمر بن الخطاب، فقال «والله ما مات رسول الله، وليبعثنه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم»، وجاء أبو بكر مسرعًا فكشف عن وجهه وقبّله، وقال «بأبي أنت وأمّي، طبتَ حيًا وميّتًا»، ثم خرج وخطب بالنّاس قائلًا «ألا من كان يعبد محمدًا، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت»، وقرأ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ، وقالت ابنته فاطمة الزهراء «يا أبتاه، أجاب ربا دعاه يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه».