"سلم نفسك".. ابداع خالد جلال وروعة شباب المسرح المصرى

السبت، 23 ديسمبر 2017 07:05 م
"سلم نفسك".. ابداع خالد جلال وروعة شباب المسرح المصرى
عادل السنهورى يكتب:

فى عام 95 أصدر الدكتور جلال أمين كتابه الشيق والمهم والذى حمل سؤال مازلنا نبحث عن اجابته حتى الآن. طرح المفكر الكبير سؤال عريض محير" ماذا حدث للمصريين..؟" لرصد التحولات فى المجتمع المصرى فى نصف قرن منذ عام 45 حتى عام 95 .

الكتاب السؤال مازال ملهما لغاية الآن لكثير من المبدعين والفنانين والأعمال الفنية فى السينما والدراما والمسرح، وكل حاول بطريقته ايجاد حل للعودة الى ما كنا عليه.. الى زمن الأخلاق والرومانسية ..الى زمن الجمال والاحترام وقيم الشهامة و النخوة ورد الجميل وجبر الخواطر..الى زمن الفن الراقى الذى كان يعكس سلوكيات وأخلاقيات المصريين فى التعامل مع الآخر ..فى الشارع وعلى الرصيف وفى المواصلات العامة و مع الجيران وحتى مع المرآة  

المخرج المبدع، شديد الابداع، الدكتور خالد جلال رئيس مركز الإبداع الفنى و رئيس قطاع الانتاج الثقافى بوزارة الثقافة  حاول استلهام السؤال من خلال العرض المسرحى" سلم نفسك"، اعتبره بصفتى متذوق ومحب للمسرح واحدا من أمتع وأروع العروض المسرحية فى العشرين عاما الماضية من حيث الفكرة والأداء والابداع الفنى للوحات مسرحية بديعة  أبطالها طلاب الدفعة الثالثة لمركز الابداع.

وقبل التطرق للعرض الذى تلقيت دعوة كريمة من صديقى المبدع خالد جلال لحضوره مساء الاثنين الماضى، أتحدث عن هذا الرجل الذى تحول مركز الإبداع الفنى التابع لصندوق التنمية الثقافية على يديه إلى مصنع لاكتشاف وتأهيل النجوم الجديدة فى المسرح التى يمكن أن تكون ارهاصة نهضة مسرحية جديدة فى مصر والوطن العربى وتعيد للمسرح بهاءه ورونقه واشعاعه واشراقه.

خالد جلال ليس عاشقا فقط للمسرح ولكنه صوفى فى عشقه متيم به الى درجة الذوبان الفنى فيه  يبحث من بين ثناياه عن مواهب مسرحية غير عادية. مثل الجواهرجى الشاطر  فى تعامله مع قطع الماس والذهب. وهذا ما يقوم به مع مجموعة من الشباب المبدع التى يحتاج الى فرصة حقيقية لتفجير مواهبه الفنية على خشبة المسرح. وهو فى هذا يقوم بعمله فى دأب شديد واخلاص نادر غير موجود فى القطا الحكومى الفنى برمته. ولو  كنت فى مكان متخذ القرار لأصدرت قرارا فوريا بانشاء وزارة للمسرح و قلت لخالد جلال " سلم نفسك" لتولى هذه الوزارة، اذا كنا نريد مواجهه حقيقية مع التخلف والتطرف والارهاب ، فالفن هو الحل والمسرح هو أبو الفنون.

وأعود الى عرض" سلم نفسك". فما شاهدته شيئ يفوق الوصف فى الجمال والابداع والابهار ويستحق درجة الامتياز اخراجا وأداءا. وهو عرض ينتمى لمدرسة الفن الجاد صاحب الرؤية يمزج بين الكوميديا والسخرية والسخرية والضحك. لكن قبل أن تضحك أو بعد أن تضحك لا بد أن تفكر  بشدة. فمسرح خالد جلال هو مسرح التفكير وبعمق فى قضايا مجتمعنا المصرى والعربى. ولذلك ما يحدث داخل مركز الابداع شيئ عظيم ومشروع وطنيا لاحياء ونهضة المسرح المصرى من جديد بشباب تفوق خبراتهم واداءهم أعمارهم الحقيقية.

فما شاهدته من 27 ممثلا على خشبة مسرح مركز الفنون يفوق التوقعات فكلهم أبطال لا فرق بينهم وهذا دليل على حسن ومهارة التدريب من قائدهم خالد جلال.

يطرح خالد جلال السؤال " ماذا يحدث للمصريين " من خلال مدينته المثالية أو مدينة افلاطون الذى يتخيلها ويتمناها على الارض يعيش فيها بشرا مختلفين فى كل شيئ عن بشرنا الحالى فى السلوك والقيم والأخلاق، بشر يعيش حياه خالية من التشوهات الأخلاقية، ثم يهبط عليهم فجأة وبدون مقدمات مواطن من البشر الحالى الذى يعيش تحولات وتغييرات المصريين بكل ما يحمله من اخلاقيات وقيم تم تشويهها بفعل فاعل..!   ويتم القبض عليه ويبدأ علماء المدينة المثالية التى لا نعرف لها زمان أو مكان فى فحص ملفات عقله الباطن المتخم بالتشوهات.

ومن خلال لوحات مسرحية مدهشة ومثيرة ومبهجة فى كل شيئ يبدأ خالد جلال فى فتح الملفات وما بها من تشوهات ومهازل فى قالب كوميدى غاية فى الروعة لتشريح ما حدث للمصريين من صدأ وغياب الضمير وانعدام النخوة والشهامة والغرق فى آبار الانحراف السلوكى والدينى والعقوق.

وقبل النهاية يتخذ قائد المدينة وفريقه العلمى اعدام هذا المواطن قبل أن ينشر أمراضه فى المجتمع الافلاطونى المثالى. لكن عالمة وباحثة واحدة فيهم راهنت على هذا المواطن وعقله الباطن الذى لا بد أن يكون مختزنا لملف واحد نقى خالى من فيروسات التلوث البشرى الحالى ونجحت فى الرهان فمازال هناك ملف التضحية والفداء من أجل أن يعيش الوطن، كامنا فى عقل هذا المواطن ولم يتلوث.  

" سلم نفسك" هو صرخة من مخرج العرض وأبطاله للمجتمع لكن دون احباط وتشاؤوم وبدعوة للتفاؤل والأمل فى التغيير والعودة الى الجمال ونبذ القبح.

الحق أقول اننى منحاز تماما لتجربة ومشروع خالد جلال فى المسرح، فليس هذا العرض الأول له الذى أحضره فقد شاهدت من قبل " هبوط اضطرارى" و" قهوة سادة" وكل عرض ينافس الآخر فى الروعة والدهشة والابداع والجمال المسرحى فى كل عناصر العمل المسرحى.

تحية خالصة لخالد جلال وشبابه المبدعين الرائعين.. و من هنا أطالب مرة آخرى بوزارة خاصة للمسرح يتولاها خالد جلال

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة