حياة المصريين في قبضة مافيا الاحتكار

"صوت الأمة" تكشف المستور في "حرب البنسلين" بين "الصحة" وشركات الأدوية

الخميس، 04 يناير 2018 04:00 م
"صوت الأمة" تكشف المستور في "حرب البنسلين" بين "الصحة" وشركات الأدوية
صورة ارشيفية
هناء قنديل - أشرف أمين

 

- 22 شركة أجنبية تهيمن على 61 % من صناعة المستحضرات الدوائية

- دعوات لإنشاء هيئة عليا للدواء تتبع رئيس الجمهورية بميزانية مستقلة

- فؤاد: شركات قطاع الأعمال استحوذت على 77 % من السوق عام 1998

 

من يدير ملف الدواء في مصر؟وكيف يجرؤ على تهديد حياة البشر؟وما سر غياب الآليات الحكومية القادرة على منع تكرار أزمات الأدية؟

تتبادر هذه الأسئلة إلى الأذهان،وتصبح الإجابة عنها ضرورة استراتيجية وقومية؛عندما نطالع المعاناة اليومية التي يعيشها أناس تحطمت رغبتهم في الحياة، على صخرة البحث المضني عن أدوية تخفف آلام أبنائهم، أو تنقذ آباءهم من موت قادر على أن يدمر مستقبل الأسر البسيطة؛ جراء فقدان عائلها الوحيد.

ولأن "صوت الأمة" أول من انفرد بنشر تفاصيل "حرب البنسلين"، التي جرت على مدار الفترة الماضية،  ولما يمثله الدواء في كثير من الأوقات، يكون أهم من الغذاء، فإن هذا الملف يستحق البحث، والدراسة، ومناقشة أبعاده بحياد، وموضوعية؛ لوضع الحقائق أمام الرأي العام، خاصة بعد أن استطاعت "صوت الأمة"، أن تحصل على صورة من "مُلحق" للعقد المُبرم بين أكديما إنترناشيونال، وتكنوفارما بتاريخ 26 نوفمبر 2013، مُزيل بصحة توقيع رئيس مجلس إدارة تكنوفارما، مدحت شعراوى، في 8 مارس 2017 يُفيد، بأنه فى حالة أن يكون الشكل القانونى لشركة أكديما إنترناشيونال للتجارة يسمح لاستيراد مُستحضرات تامة الصُنع، فإنه على الفور سوف تقوم "تكنوفارما" بإعادة المُستحضرات محل العقد لشركة أكديما إنترناشيونال للتجارة مرة أخرى، لتُصبح ملكية المُستحضرات وإخطارات التسجيل وحق الاستيراد لشركة أكديما إنترناشيونال.

صناعة الدواء.. تاريخ عريق

رئيس المركز المصري للحق في الدواء، محمود فؤاد، يؤكد أن هذه صناعة ذات تاريخ عريق في مصر، موضحا أنها بدأت منذ ثلاثينيات القرن الماضي، على يدي طلعتحرب، الذي أنشأ شركة"مصر للمستحضرات الطبية".

وأضاف فؤاد لـ"صوت الأمة"، أنه مع بداية الخمسينيات القرن العشرين، توسعت مصر في إنشاء شركات الأدوية، حتى وصل عددها إلى 9 شركات إنتاج، وكان الهدف حينها، ليس تأمين احتياجات مصر وحدها، وإنما امتد إلى توفير الدواء للقارة الإفريقية بأكملها.

وتابع: "بمرور الوقت أصبحت هذه الصناعة العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وتصاعدت نسبة مبيعات إنتاج هذه الشركات، على مدار الفترة التالية للإنشاء لتصل في عام 1998 إلى استحواذها على 77 % نمن السوق.

وشدد "فؤاد"، على ضرورة أن يستمر دور قطاع الأعمال في صناعة الدواء؛ باعتبارها صناعة إستراتيجية ذات بعد اجتماعي، يمس الأمن القومي لمصر، مضيفا: "حتى الدول التي تسمح بالاقتصاد الحر، لا توافق على منح الأفراد حصة أعلى من حصتها في بعض الصناعات؛ وفي مقدمتها السلاح، والأدوية".

ودعا فؤاد إلى أن تعمل الدولة على تأمين صناعة الدواء بكل الوسائل الممكنة؛ حتى تتفادى الأزمات في ظل كون الدواء من الاحتياجات التي تؤثر في القرار السياسي للدول.

وقال: "رغم أن مصر تمتلك 146 شركة دواء، فإنها لا تسيطر إلا على 39 % فقط من الإنتاج بالسوق المصري، بينما تهيمن 22 شركة أجنبية على 61 % من الإنتاج، وهذا يمثل خطورة كبيرة على المجتمع"، مشيرا إلى أن قطاع الأعمال يمتلك 11 شركة، 8 منها تعمل في الإنتاج، و3 تعمل في التسويق، لكن مع قانون الخصصة سنة 2001، تم تخسير هذه الشركات، بوفق تطويرها؛ مما أدى إلى بيعها لشركات خاصة.

أدوية الفقراء

وألقى رئيس المركز المصري للحق في الدواء، الضوء على جانب آخر من هذه الأزمة، وهو أن  شركات قطاع الأعمال، تنتج أدوية الفقراء، التي لا يتجاوز سعرها 30 جنيها، ويتجاوز عددها 1800 منتج، وذلك رغم ارتفاع الدولار.

وأضاف: "يتم إنتاج أدوية بسعر 180 قرشا، ويوجد 378 صنفا أسعارها بين 120 قرشا، و16 جنيها"، مستطردا: "الأصناف ذاتها موجودة بالشركات الخاصة، بأسعار تتراوح بين 11 جنيها  و265 جنيها"، لافتا إلى أن هناك أنواع من الأدوية، لا يجب ترك إنتاجها للشركات الخاصة، ومنها البنسلن، والأنسولين، والأدوية التي يحتاجها الناس بشكل يومي، مثل: علاجات الضغط، والقلب.

وكشف فؤاد عن أن الشركة المصرية للأدوية حققت خسائر تجاوزت 650 مليون جنيه؛ طبقا لآخر ميزانية لها، رغم أنها دائنة للحكومة بـ1.2 مليار جنيه؛ بسبب توقف وزارة الصحة عن سداد مستحقات الشركة.

ودعا رئيس المركز المصري للحق في الدواء، إلى ضرورة أن تتوافر الإرادة لدى الحكومة، لاستعادة زمام السيطرة على هذه السوق، التي تصل نفقات مصر فيها إلى 78 مليار جنيه.

تفاصيل حرب البنسلين

قبل الاسترسال في كشف المستور في أزمة "حرب البنسلي"،يجب أن نضعها موجزة أمام الرأي العام،وبالتواريخ كالتالي: 

6 سبتمبر: الصحة تعلن طرح 860 ألف حقنة من الأصناف المختلفة لعقار البنسلين في الصيدليات

18 سبتمبر: رئيس إدارة الصيدلة تعلن توفير البنسلين بعد إنهاء إجراءات استيراده من الخارج

2 أكتوبر: نقابة الصيادلة تؤكد وجود نقص كبير في رصيد البنسلين بالصيدليات

8 أكتوبر: الصحة توفر 100 ألف عبوة بنسلين بصيدليات الشكاوى

23 أكتوبر: الصحة تضخ 198 ألف حقنة بنسلين بالأسواق

15 نوفمبر: أزمة نقص البنسلين تتصاعد في المحافظات

23 نوفمبر: الصحة توفر 100 ألف عبوة بنسلين في صيدليات شركة المتحدة والمصرية للأدوية

4 ديسمبر: رئيس إدارة الصيدلة تعلن طرح 100 ألف حقنة بنسلين بفروع الشركة المصرية والشركة المتحدة

6 ديسمبر: مركز المعلومات مجلس الوزراء ينفي ما تردد عن نقص شديد في عقار البنسلين بالسوق المحلي

 7 ديسمبر: الصحة تؤكد أن مدحت شعراوي هوّ المتسبب في أزمة نقص البنسلين

14 ديسمبر: وزير الصحة يعلن انفراج أزمة نقص البنسلين بعد ضخ 400 ألف فيال

16 ديسمبر: الصحة تضخ 200 ألف حقنة بنسلين بالسوق لمواجهة الأزمة

17 ديسمبر: رئيس الرقابة الإدارية يتوعد بضبط الشبكة المسؤولة عن أزمة البنسلين، كما علنت الرقابة الإدارية ضبط المتورط في أزمة نقص البنسلين

18 ديسمبر: الصحة تعلن ضخ 100 ألف فيال يوميا.. وزيادة كوتة الصيدليات لـ 10 حقن

 وبعد هذا السرد المؤرخ، لا بد أن نوضح أن بيانات وزارة الصحة تؤكد أن مصر تستهلك  6 ملايين عبوة من مستحضر البنسلين طويل المفعول سنويا، بمعدل 500 ألف عبوة شهريا، وهو ما يعني أن الأزمة الأخيرة مدبرة، وتقف وراءها مافيا احتكار الدواء؛ التي ترغب في تحقيق مكاسب متصورة أن حالة الارتباك الاقتصادي التي كانت سائدة خلال الأشهر الماضية، ما زالت موجودة، ويمكن استغلالها.

كان هذا إيجاز لما أكده رئيس المركز المصري للحق في الدواء، محمد فؤاد، الذي وصف الواقعة الأخيرة كشفت فساد سوق الدواء، وعجز وزارة الصحة.

وقال: "الدولة تنتج 8.3 مليون عبوة بنسلين بحسب إحصاءات العام الماضي، وذلك عن طريق 6 شركات ثلاثة منها تابعة لقطاع الأعمال ، وتحديدا شركة أكاديما القابضة"، لافتا إلى أن هذا الإنتاج وزع منه 200 ألف عبوة لشركة المهن، والنيل 300 ألف عبوة، وباقي الكمية تبقى في حوزة أكاديما".

ظروف غامضة

ولفت إلى أن شركة أكاديما إنترناشيونال، هي إحدى الشركات منوط بها استيراد  البنسلين، مضيفا: "لكن في ظروف غامضة، اجتمع مجلس إدارة الشركة، وتنازل عن هذا الحق لصالح شركة تكنوفارم، وأعلن وقتها أن الغرض من هذه الشركة هو التحايل على ارتفاع أسعار الدولار".

وتابع: "فوجئنا بأن الشركة المتنازل إليها، باسم الرئيس السابق لأكاديما، مدحت شعرواي، وهذه المعلومة كانت لدى وزارة الصحة منذ أكثر من 3 أشهر لأن استيراد أي أدوية لا يتم دون موافقة الوزارة".

وقال: "فوضى سوق الدواء، التي سمحت بها وزارة الصحة؛ لحساب كيانات بعينها، هي السر وراء الأزمة، لأن هذه الجهات ترفض أن ينتظم العمل بشكل يقلل من أرباحها، ويمنعها من الاحتكار".

 

وأضاف: "الغريب أننا نستورد 12 مليون إبرة بنسلين من الصين، رغم أن شركتنا تنتجه وتصدره  للملكة العربية السعودية، كما أن مصر تستورد مواد خام، وأدوية كاملة التصنيع سنويا 2.6 مليار دولار، لذا فنحن بحاجة إلى وضع سياسة دوائية تساعد المنتج المصري، ولا بد من إنشاء هيئة عليا لسياسات الدواء، تكون مستقلة ولها شخصية اعتبارية تتبع رئيس الجمهورية، وذات استقلال مالي.

سلاسل الصيدليات

رئيس المركز المصري للحق في الدواء، وجه اتهاما لسلاسل الصيدليات التي تبيع الأدوية المهربة والمزيفة ومجهولة المصدر، بأنها مسؤولة عن جانب كبير من الأزمة الحالية، مشيرا إلى أن  الرقابة الادارية، ومباحث التموين، والتفتيش الدوائي، حررت في 2016 300 محضرا بسبب  ألاعيب مافيا الدواء، في ظل غياب الردع القانوني الكافي

تعويم الجنيه يضرب الشركات

في غضون ذلك قال الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، إن زيادة الدواء التي جاءت بقرارات وزارة الصحة مرتين على التوالي، بدعوى الحفاظ على صناعة الدواء تقليل حجم الخسائر، لم تتضمن زيادة أسعار للبنسلين، وبقي سعره بين 7 و9 جنيهات؛ الأمر الذي سبب خسارة كبيرة للشركات والمصنعين، وأدى لوجود سوق سوداء نتيجة قلة أو توقف بعض الشركات الـ6 التى تُصنعه محليًا.

وأضاف "عوف" لـ"صوت الأمة": "جزء كبير من الأزمة سييه عدم رفع أسعار البنسلين بعد رفع عملية التعويم للجنية أمام الدولار، الأمر الذى دفع لتوقف الشركات الوطنية التى كانت تنتج البنسلين طويل المفعول، وتوقفت لأن أسعارها كانت لا تتعدى 5 أو 7 جنيهات، كما أن هامش الربح لها بسيط ما نتج عنه توقف الشركات الوطنية عن تصنيعه وإنتاجه، علاوة على سيطرة البنسلين المستورد على السوق الذى كان يسيطر على أكثر من 50% من احتياجات السوق، ما دفع المرضى  للبحث عن حقنه بأكثر من عشرة أضعاف سعرها، والوقوع في عقاقير مغشوشة".

وأشار "عوف" إلى أن مسألة عدم رفع أسعار البنسلين تتحمل جزء منها الشركات التى لم تدرجه ضمن أصناف الدواء الـ 15% زيادة نظرًا لأن هامش ربحه سيكون بسيط، ولكن فى نفس التوقيت الأمر لا يعفى مسئولية وزارة الصحة فى مراقبتها على إدراج الأصناف الحيوية ضمن الزيادة.

غياب المادة الفعالة

بدوره قال محمود المليجى،المتحدث باسم العاملين بقطاع الدواء،إن شركة مصر للمستحضرات كانت تنتج البنسلين طويل المفعول ولكنها توقفت بسبب عدم توافر المادة الخام فى الأساس،والتى ترجع لتعويم الجنية المصرى أمام الدولار،فى الوقت الذى لم يتم تحريك الأسعار، حيث كانت تنتج الشركة البنسلين بـ 95 قرش وقت تسعير الدولار بـ 3 جنيهات 10 قروش،ومع تجاوز الدولار نحو 18 جنيه لا تستطيع الشركة الإنتاج لأنها ستحقق خسارة.

وبسؤاله عن عدم إدراج الشركة ذاتها "البنسلين"ضمن الأصناف الـ15% المطلوب زيادة أسعارها،تابع: "الوزارة صرحت بأنه لا يجوز رفع أسعار جميع المنتجات فى توقيت واحد، وكان وقتها لدينا مخزون من البنسلين فى الشركة المصرية، كما نستورد جزء كبير من احتياجات السوق الدوائى، ووقتها أيضًا لم تكن هناك بوادر أزمة حقيقية بين الشركات المستوردة.

أضاف المليجى:"كنا نستطع تغطية كل احتياجات مستشفيات القطاع العام والتأمين الصحى الذى يمثل الجزء الأكبر فى استخدام البنسلين طويل المفعول من نسبة الأطفال التى تعانى من الحمى الروماتزمية، التى تنتشر فى سن المدارس، وكانت لدينا أرصدة لدرجة أننا ننتجه بأسعار 4 جنيهات ونصف، فى حين أن المستورد كانت  أسعار تصل إلى 4 أضعاف أسعار المُنتج المحلى".

"الحصان" تستحوذ على 40 % من أكاديما

من جانبه أكد مصدر بشركة الحصان، التى تمتلك 40% من أسهم أكديما إنترناشيونال، ان ازمة البنسلين ووقف الاستيراد بالشركة يعود لاسباب كثيرة منها سوء الادارة التي تمارس من قبل الدكتورة الفت غراب رئيس شركة اكاديما القابضة.

وأضاف: "اعترضنا أيضًا فى عدة جلسات لمجلس إدارة أكديما إنترناشيونال على وقف نشاط الاستيراد، وضرورة تفادى أى أزمة من خلال حل الخلافات بين الشركات وسداد المديونيات، والاعتراضات كررناها أكثر من مرة على عدم تسوية الحسابات بين شركة أكديما إنترناشيونال وشركة تكنوفارما والمورد الأجنبى، والتى هي ثابتة بالميزانيات والمستندات، حيث لم يتم سدادها بالجدولة والتوازى مع استمرار الاستيراد، ولكن دون جدوى، حيث تقدر مديونية المورد الأجنبى بنحو 4 مليون دولار، وهى مديونيات مستحقة بالتبعية عن توريدات تمت بالفعل لشركة أكديما إنترناشيونال وشركة فاكسيرا وكلاهما تابع لوزارة الصحة".

ويتابع: "وعندما تفاقمت الأزمة خلال الأيام الماضية وطالبنا بصور محاضر مجلس الإدارة التى أشرنا فيها إلى ضرورة استمرار الاستيراد، برفض الإدارة وامتناعها السلبى فى عرض تلك المحاضر لنا، فحررنا محضر فى قسم شرطة العجوزة بالواقعة وأثبتنا فيه أن مجلس إدارة أكديما إنترناشيونال يمتنع عن ضم الوكالات أو ضم شركة تكنوفارما أو تسديد المديونية، بتعليمات من أُلفت غريب، رئيس الشركة العربية للصناعات والمستلزمات الدوائية".

وتعمل في توفير احتياج السوق الدوائى بمصر من البنسلين 6 شركات تابعة لقطاع الأعمال وهى عاملة فى تصنيعه محليًا بعد استيراد المادة الخام وهى؛ شركة النيل وشركة مصر والنصر وسيد التابعين للشركة القابضة للأدوية، بالإضافة لشركة  تصنيع أخرى وهى شركة المهن الطبية التى تتبع شركة أكديما، فضلًا عن وجود شركتين أخريتين تتبعان نفس الشركة قائمتين على الاستيراد من الخارج وهما؛ أكديما إنترناشونال وأكتوبر فارما التابعتين للشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الدوائية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق