خريف الملالي في إيران

الأحد، 07 يناير 2018 02:11 م
خريف الملالي في إيران
إيهاب عمر

بينما العالم يودع عام 2017، وتحديداً في 28 ديسمبر 2017 بمدينة مشهد الواقعة بمحافظة خراسان شمالي الإيرانية، اندلعت الانتفاضة الشعبية الإيرانية، وسط محاولة من المحور الفارسي للتكتم على الاحداث، وتواطؤ من قطر وتركيا وثوار الربيع العربي وتنظيمات الإسلام السياسي بل وحتى بعض حلفاء إيران في الوفاق النووي في الغرب على مجريات الثورة الجديدة.

ولكن كرة الثلج راحت تكبر بسرعة، وقد تساءل الكثيرون عن أسباب الثورة في إيران، خاصة ان البعض يعتبر إيران بمثابة قطب عالمي وليس إقليمي فحسب على ضوء الانفاق الإيراني الرهيب على الدعاية ليس في الصحف العربية فحسب بل الصحف العالمية ايضاً.

يمكن تلخيص أسباب الانتفاضة الشعبية الإيرانية 2017-2018 في انهيار اقتصادي يرفض بعض أعداء إيران قبل اصدقائها الاعتراف به، حينما يصل الجنيه المصري الواحد الى 2000 ريال إيراني، ويصل الدينار البحريني الى 96 ألف ريال إيراني، ويصل الدولار الأمريكي الواحد الى 36 ألف ريال إيراني، مع وجود سوق سوداء للعملات الأجنبية تضع ألف ريال إيراني فوق كل هذه الأرقام، إيران تعاني من انهيار عملتها المحلية.

الى جانب ذلك فأن تكلفة حروب الربيع العربي منذ عام 2011 حتى الان كانت رهيبة على الاقتصاد الإيراني، سواء دعم الجيش السوري والعراقي، او ارسال الحرس الثوري الإيراني، او تكلفة التسليح والتدريب وتوفير العناصر البشرية لحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، والحوثيين وحلفائهم في اليمن، وتنظيم فاطميون الافغاني وتنظيم زينبيون الباكستاني، وحركتي الجهاد وحماس في فلسطين، والنظام الحاكم في السودان ثم قطر، الى جانب تمويل بعض اجنحة تنظيمات طالبان والقاعدة والاخوان خاصة الضالين في اعمال إرهابية ضد الدول العربية والخليجية.

وتمويل بعض الأنشطة العسكرية المشتركة مع قطر وتركيا، وبعض العمليات الإرهابية مع كلا الدولتين في ليبيا، وصولا ً الى تمويل بعض الاجنحة الإرهابية في افريقيا، إضافة للضلوع في تمويل اغلب حركات إرهاب الإسلام السياسي بشقه السني قبل الشيعي حول العالم اجمع.

الى جانب الانفاق على نظام الاخوان في مصر وبعض الأنظمة في افريقيا واسيا، بالإضافة الى نفقات استضافة لفيف من الإرهابيين الهاربين حول العالم، اذ ان اغلب قيادات طالبان والقاعدة الذين اختفوا عن الأنظار بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان مقيمين في ايران، بل واغلب قيادات الجماعة الإسلامية المصرية وجماعة الجهاد المصرية المقيمين خارج مصر خاصة عقب ثورة 30 يونيو 2013 اما فروا اولاً الى ايران كما فعل محمد شوقي الاسلامبولي مهندس مشاركة الجماعة الإسلامية المصرية في اغتيال السادات والانضمام الى تنظيم القاعدة والاتصال بين الجماعة والتنظيم من جهة والحرس الثوري الإيراني من جهة اخري، او مقيمين في تركيا وقطر ويتلقون تمويلاً ايرانياً.

ونقرأ من وثائق الخارجية الامريكية المسربة عبر ويكليكس عام 2010، الوثيقة رقم 09CAIRO604 عن لقاء جمع وفد الكونجرس بالرئيس الأسبق حسني مبارك في القاهرة عام 2009، حينما تطرق الحديث عن رؤية مصر لتحسين العلاقات مع ايران على ضوء المحاولات الإيرانية المستمرة، أشار مبارك الى ان مصر وضعت لطهران سلسلة من الشروط تتضمن تسليم قتلة السادات الهاربين الى طهران بالإضافة الى من حاولوا قتلة مبارك في اديس ابابا – حادثة الاغتيال الشهيرة في اثيوبيا – وفى الوثيقة رقم 08CAIRO9 يتحدث اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة وقتذاك مع وفد من الكونجرس يوم 2 يناير 2008 في الملف ذاته مشيراً الى انه سلم الجانب الإيراني قائمة بهؤلاء الإرهابيين تتضمن عناوين وأرقام هواتفهم داخل العاصمة الإيرانية طهران وسط دهشة الجانب الأمريكي من تلك القدرة المصرية.

هذا الانفاق الرهيب على الإرهاب وإيواء الإرهابيين وتكليف الإرهاب بعمليات الاغتيال بطول وعرض الشرق الأوسط وان بقي سراً قبل الربيع العربي الا انه ظهر للعلن امام الشعب الإيراني عقب يناير 2011، ودار جدل مجتمعي في إيران حول مدي استفادة الشعب من الدور الإقليمي ورعاية الإرهاب وحتمية ان يعود الجيش الإيراني لدوره الوطني دون التمدد الطائفي قبل الإقليمي لصالح اجندة إرهاب الإسلام السياسي والملالى الفرس.

انفقت حكومة طهران على الإرهاب عبر عوائد النفط والغاز، ولما احتاجت لمزيد من الأموال بدأت في تبديد الاحتياطي النقدي، وتاليا بدأت في الاقتراض من الشعب عبر البنوك الحكومية على ان تقوم الحكومة من الاقتراض من هذه البنوك، وفى هكذا بحلول منتصف عام 2017 بدأت ازمة سيولة في البنوك الإيرانية او ما يطلق عليه بلغة الاقتصاد فقاعة مصرفية، وبدأت تظهر صعوبات في سحب الأرصدة وتوفر بعض الرواتب.

يجرى ذلك بينما الشعب يعرف جيداً حجم الانفاق والرواتب الشهرية التي يحصل عليها زعماء الميلشيات الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان وليبيا وعلى راسهم راتب السيد حسن نصر الله.

وعقب الوفاق النووي الإيراني الغربي عام 2015، قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما برفع العقوبات الامريكية الاقتصادية على إيران، بل وشجع نظيره التركي رجب طيب اردوجان على الدفع باستثمارات اجنبية في إيران وسارعت بعض القوى الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا بالمثل.

ورغم تدفق الاستثمار الأجنبي ورفع العقوبات الامريكية والدولية فشلت كافة وعود المرشد والرئيس الدمية في تحسن أوضاع الشعب الإيراني المعيشية وراح الحال يتبدل من سيء الى أسوأ.

وخلال عام 2017، ضربت سلسلة من الزلازل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولم يجد المواطن الإيراني حكومة قادرة على الإسعاف او جيشاً قادراً على الإنقاذ، وضاعت سترة البيوت والوظائف وأصبح المئات مشردين او يعيشون في مناطق عشوائية لا تليق بدولة نفطية بحجم عوائد النفط الإيراني.

كرة الثلج كبرت مع عوامل اخري، تتألف إيران من 31 محافظة ويشكل العرق الفارسي اقل من 49 % من سكان إيران، بينما باقي الشعب غير فارسي وينتمي الى قوميات اخري، وقد همشت الحكومات الإسلامية المتعاقبة المحافظات والاقاليم غير الفارسية من مخططات التنمية والبناء، مع تواصل الاعدامات بحق النشطاء في هذه المحافظات.

ايران من الداخل دولة قمع بامتياز، لا يوجد ادني هامش لحرية الصحافة او الرأي حتى عبر سوشيال ميديا، لا فن و لا سينما و لا أدب او كتب، و يشاهد الشعب الإيراني شعوب الدول الخليجية القريبة منه جغرافياً ونفطياً وهى تعيش افضل منه مئة مرة على الأقل كما الحال في الامارات، ولما تصاعدت حدة المقارنات، قام النظام الإيراني بحملة إعلامية خارج ايران قبل داخلها ضد السعودية، من اجل التركيز على الأجواء المحافظة في المملكة العربية، لإيصال رسالة الى الغرب والمواطن الإيراني معاً ان ايران ليست الدولة المحافظة المنغلقة لأسباب إسلامية دينية وان هنالك ما ذهب الى ابعد من ذلك.

قامت ثورة 30 يونيو 2013 المصرية، التي تعد اول ثورة في التاريخ الحديث ضد الحكم الديني والفاشية الدينية، والتي تعد رسالة من الشعب المصري للتاريخ بأن عصر افول المشروع الإسلامي لإرهاب الإسلام السياسي قد بدأ، وقد بدأ المجتمع المصري قبل ثورته في يونيو 2013 بثورة اجتماعية علمانية صامتة في صيف 2012 على وقع تهافت الإسلاميين على السلطة.

واثبت المصريون للشعوب القابعة تحت حكم الفاشية الدينية ان الثورة ممكنة، ولكن النظام الإيراني وقتذاك المتباهي بالوفاق النووي مع أوباما وميركل واولاند وكاميرون وحتى بوتين، أرسل اعلامياً رسالة للشعب بأن وقوف العالم اجمع مع إيران سوف يجعلها تسحق أي محاولة ثورية تجرى على نمط ثورة يونيو المصرية.

توقف المد الثوري لثورة يونيو في الوصول لإيران مؤقتاً، ولكن المد الثقافي للثورة المصرية وصل الى السعودية عام 2017، وقد اقتنع الملك سلمان وولى عهده وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بضرورة التحديث، وانه الحداثة والتنوير تمت تجربتهم بالفعل في دول خليجية مجاورة مثل الامارات والكويت دون ان تؤدى الى انهيار القيم العربية والخليجية والإسلامية المطلوب استمرارها.

إصلاحات بن سلمان الليبرالية عام 2017 التي تعد امتداداً ثقافياً لثورة يونيو المصرية التي قرعت جرس افول المشروع الإسلامي، حتى وصل الافول لمعقل المشروع الإسلامي في نجد على يد الملك سلمان وولى عهده، كان لهذه الإصلاحات حافز مهم للغاية للشعب الإيراني للتجاوب مجدداً مع المد الثوري لثورة 30 يونيو المصرية، فاذا الشعب السعودي قد أصبح على مقربة من إصلاحات تاريخية فلما يتوقف الزمن بالشعب الإيراني في عتمة ذقون الملالى وجاهلية عمائمهم؟

ساهم في اقتناع وتقبل النفسية الإيرانية للثورة عام 2017 رحيل أوباما، ومجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتحرشه المستمر بإيران عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتصريحات الرسمية، وبدا واضحاً ان هذا هو الرئيس الذي يمكن الاعتماد عليه في تلقى دعماً دولياً للثورة متى قامت، وهنا يجب الإشارة الى نقطة يحبذ اغلب الثوار عبر التاريخ تجنب الإشارة لها او الحديث عنها، ولكن.. نعم.. الثوار في أي مكان في العالم يرحبون وقت الثورة بالدعم الأجنبي الدبلوماسي بل وحتى السلاح في بعض الأحيان، وقد جرى ذلك بنسب متفاوتة في كافة ثورات العالم من فرنسا للبلاشفة الروس لثورة الاستقلال الأمريكي عن بريطانيا.

أصبح واضحاً ان ترامب غير أوباما، أوباما الذي وعد شعب إيران بالدعم في خطابه بالقاهرة عام 2009، ولما قامت انتفاضة يونيو 2009 الإيرانية عقب الخطاب لم يقدم لها أي دعم باستثناء قطع الاتصالات السرية مع ملالى إيران مؤقتاً.

مع عقد القمة الامريكية الإسلامية في الرياض بحضور ترامب وعدداً من قادة المنطقة، وكان الهدف واضحاً انه إيران مع جوقة الإسلام السياسي، ثم المؤتمر الصحفي لترامب في 13 أكتوبر 2017 الذي عنون التشدد الأمريكي المقبل حيال النظام الإيراني، قبل ان يعود ترامب في 18 ديسمبر 2017 ليعلن استراتيجيته للأمن القومي الأمريكي في مؤتمر صحفي مع نشر الاستراتيجية عبر 70 صفحة في ملف ضخم عبر الانترنت، وكانت إيران وكوريا الشمالية في قلب استراتيجية ترامب بعبارات لا لبس فيها.

بالإضافة الى صعود اليمين القومي الكاره للإسلام السياسي والربيع العربي ودويلات إرهاب الإسلام الساسي مثل إيران وتركيا وقطر، وترنح حكومتي المانيا وبريطانيا عقب انتخابات غير حاسمة كبلت انجيلا ميركل وتريزا ماى وجعلتهم ينكبون للداخل.

ثورة 30 يونيو المصري، ووصول ترامب للسلطة مع صعود اليمين القومي عالمياً، واصلاحات بن سلمان الليبرالية، ومشروع الامارات الإقليمي بناء على التنمية والبناء والحوار والتواصل لا الهيمنة العسكرية الفجة كانت أربع عوامل خارجية هيأت الشعب الإيراني لحتمية الثورة على الملالى، وأرسلت رسالة واضحة صريحة للمجتمع الإيراني ان فرص الثورة ونجاح الثورة أصبحت اقوى مما قبل، ولم يعد السؤال في صيف 2017 هو قيام الثورة من عدمه بل الموعد المناسب والشرارة اللائقة للثورة.

ولهذا السبب حرص الرئيس ترامب على ابداء دعمه العلني للحراك الشعبي عبر موقع تويتر، رغم ان البعض انتقد هذا الدعم ورأي انه له اثار سلبية، دون ان يفهم حقيقة ان صعود ترامب في حد ذاته كان واحداً من عوامل دولية وإقليمية هيأت الشعب الإيراني نفسياً لهذا الحراك.

ويلاحظ ان أسباب الثورة الإيرانية الجديدة خلقت حالة ثورية قابلة للاستمرار، بمعني انه حال اخماد تلك الثورة فانه من المتوقع حال فشلها ان تندلع ثورة ثانية وثالثة طالما استمرت تلك العوامل الداخلية والإقليمية والدولية.

كانت تلك أسباب الثورة، ولكن ما هي عوامل نجاحها او استمرارها ؟، الإجابة هي الفسيفساء الإيرانية الضخمة، فالغرب الإيراني يتألف من القومية العربية، التي تسكن الضفة الشرقية للخليج العربي منذ فجر التاريخ، في ابلغ رد للهواة والسوقة المأجورين الذين يقولوا ان الخليج فارسياً وليس عربياً، فاذا كان من يعيش في ضفته الشرقية في إيران هم عرباً فكيف يكون فارسياً ؟، وهل سيطرة فارس بالغزو على الضفة الشرقية، او على الضفة الغربية لبعض الوقت يعد اقراراً بحق الغزاة في تسمية المناطق المعتدى عليها بأسمائهم!

الى جانب القومية العربية خاصة الاحواز (عربستان) في الغرب، هنالك الاذريين شمالاً عبر محافظة أذربيجان شرقي ومحافظة أذربيجان غربي، والتركمان الذين يشكلون اغلبية في محافظة جلستان ذات الحدود المشتركة مع تركمنستان دولة القومية التركمانية في آسيا الوسطي، وقومية المازندرانيون ذو الأغلبية في محافظة مازندران، والتي كانت تحمل سابقاً اسمها الأشهر في كتب التاريخ.. طبرستان.

بجانب العرب والاذربيجان والمازندرانيون والتركمان، هنالك الاكراد في محافظة تحمل اسمهم، والبختياريين في محافظة جهارمحال وبختياري، والبلوش والسيستان في محافظة سيستان بلوشستان، واللير في محافظة ليرستان، والكلهر في محافظة كهكيلويه وبوير احمد، والديلم في محافظة غيلان، بالإضافة الى قومية اللَّك.

وعلى الصعيد الديني فأن الإسلاميين في إيران قاموا بطرد المسيحيين بشكل غير مباشر عبر القوانين الإسلامية، بالإضافة الى قيام شباب الحركات الإسلامية عقب انتصار الإسلاميين عام 1979 بتحطيم غالبية اثار الحضارات الفارسية في أعتى مراحل إرهاب الإسلام السياسي الشيعي، وهو المشهد الذي طبقه إرهاب الإسلام السياسي السني في سوريا والعراق لاحقا في سنوات الربيع العربي، وشكلت تلك الممارسات في إيران ضمن عوامل اخري عوامل طرد للمسيحيين وغيرهم من إيران وبالفعل هاجر اغلبيتهم حتى الان في المنفى.

ولكن يتبقى في إيران القومية الآشورية المسيحية في محافظة أورمي، والقومية الأرمن في محافظة جيلان، بالإضافة الى اليهود في مناطق متفرقة، بالإضافة الى اتباع دين الزردشتية وهو دين معترف به رسمياً.

حاولت إيران مراراً لملمة تلك الشعوب تحت مسمي انها القوميات الإيرانية او حتى نسب بعضها الى القوميات الكردية الا ان هذا القول تاريخياً مردود عليه، وكنت الشعوب بالجانب الشعوب الفارسية قادمة بشكل قبائلي مستقل من السهوب الاوراسية (الروسية) ولكنهم ليسوا شعوباً سلافية.

ان مشكلة إيران الديموجرافية انها لم تحظى يوماً بحدود ثابتة بل تتمدد وتنكمش بحسب القوة العسكرية والسياسية للإقليم الفارسي الأم، وبالتالي فأن اغلب الأقاليم غير الفارسية كانت يوماً اما دول مستقلة، او أجزاء من دول اخري غير الإمبراطورية الفارسية، ما يجعل بعض الحركات القومية غير الفارسية المتشددة داخل إيران تنظر الى سلطات طهران باعتبارها قوة احتلال.

لقد كانت إقليم الاحواز دولة مستقلة ما بين عامي 1424 و1925، وفى اربعينات القرن العشرين كان إقليم كردستان الإيراني دولة كردية مستقلة تحت اسم جمهورية مهاباد برئاسة القاضي محمد رحمة الله بل وكان وزير دفاع تلك الجمهورية هو الملا مصطفى البرزاني والد رئيس إقليم كردستان العراق المستقيل مسعود البرزاني.

هذه الفسيفساء تجعل الداخل الإيراني سهل الاختراق، السلاح بيد كرد العراق وسوريا وحتى تركيا بالفعل، معسكرات تدريب المجاهدين البلوش موجودة بطول الحدود بين باكستان ومحافظة سيستان بلوشستان، وقد أعلنت حركة جند الله البلوشية عام 2002، وشهدت الاحواز انتفاضة شعبية عام 2005 أدت الى سلسلة من العمليات الإرهابية نفذها تنظيم حركة أفواج النهضة الاهوازية المسلحة ودافع حزب النهضة العربي الاهوازي عن العمليات التي ضربت مدينة الاهواز وطهران.

هذا الداخل الإيراني المهلهل يمكن ان يستخدم في تفجير إيران من الداخل، كيف؟ دعونا نطلع على مستقبل الانتفاضة الشعبية الإيرانية.

ان المظاهرات في إيران حتى تصل الى خط اللاعودة، يجب ان تستمر لثلاثة او أربع أشهر على الأقل، وقتذاك سوف تذهب إيران الى النموذج التونسي او السوري، والنموذج التونسي هو التضحية برأس النظام حتى يستمر النظام في الحكم، وذلك بأن تتحرك اذرع النظام للإطاحة بالمرشد او الرئيس الدمية، خاصة ان الجناح الإصلاحي داخل النخبة الحاكمة اصبح متململاً من طول فترة بقاء المرشد الأعلى آية الله على الخامنئي، ويرى ان استبدله او حتى تعديل دستوري يهدف الى الغاء منصب المرشد الأعلى وتحويل السلطة بيد رئيس الجمهورية هو الأفضل.

والسيناريو السوري هو ان تقوم إحدى المؤسسات العسكرية في إيران وما اكثرها برفع السلاح على الشعب، وقتذاك سوف يكون هنالك مبرر لاستخدام السلاح الموجود بالفعل في ايدي المتمردين الكرد والبلوش وحتى العرب، وهنالك خطة أمريكية معدة سلفاً قبل الربيع العربي لدعم متمردين على الأرض بالسلاح والمال بل وتوفير غطاء جوي مثل الذي جرى في حرب ليبيا عام 2011، وبالتالي نحن لا نتحدث عن سيناريو سوري او ليبي بل نحن في واقع الامر نتحدث عن خطة أمريكية لإيران جرى استخدامها اولاً في ليبيا ثم سوريا.

تبدو هذه السيناريوهات بعيدة نوعاً عن المشهد الراهن ولكنها النتيجة التي سوف يحاول أي حراك شعبي في إيران الوصول اليها سواء خلال الحراك الحالي او المقبل، ففي نهاية المطاف لا بديل عن جمهورية إيرانية فيدرالية، او الذهاب لما هو أسوأ عبر خرائط التقسيم المعدة سلفاً لإيران.

بالطبع للنظام الإيراني ادواته وردة فعله اقليمياً بل وحتى عالمياً، وفى هذا الإطار هنالك خطة أمريكية معدة لاستيعاب كل هذا بل وتوظيفه في مزيد من العقوبات الدولية والخنق الاقتصادي والدعم للثورة حال اكتمالها وصولاً الى تشكيل تحالف دولى لمعاقبة إيران حال تهورها عسكرياً.

ويلاحظ ان العديد من الهواة يشبهون ما يجرى في إيران بانتفاضة يونيو 2009، وهو امر مختلف، ما جرى في يونيو 2009 كان صراعاً داخلياً على السلطة ذهب الى الشارع للحسم، وكانت ثورة أبناء الطبقة الوسطي بينما ما جرى في إيران ديسمبر 2017 ويناير 2018 هو ثورة المهمشين والطبقة دون الوسطي دون دعم من الإصلاحيين او أيا من اجنحة النخبة السياسية، بل ان الثورة بدأت في مدينة مشهد بأغلبيتها الفارسية ومذهبها الشيعي لتبدد الديباجات التي تحاول حصر الثورة في الشعوب الإيرانية غير الفارسية او غير الشيعية.

وهذا هو دأب الثورات الشعبية الحقيقية لأنه لا يوجد شيء اسمه ثورة شعبية تفتقر الى القيادة وهي الجملة التي تدل على جهل المتلفظ بها فالثورات الشعبية بلا قيادة والا سميت باسم القيادة التي تقودها (مثال: ثورة الضباط الاحرار في مصر، ثورة البلاشفة في روسيا، الثورة الاشتراكية في المانيا، ثورة البعث في سوريا)، وللأسف النخب العربية منذ يناير 2011 حتى اليوم دأبت على ترديد هذه المقولة الجاهلة دون ان تستوعب كلمة واحدة من كتب التاريخ وعلوم السياسة.

ولكن الانتفاضة الشعبية الإيرانية حققت في ساعتها الأولى انتصاراً ادبياً من نوع آخر، تمثل في الكشف عن الوجوه القبيحة للنخب العربية، ان ترى الشيوعيين العرب مع ملالى ايران ضد الشعوب، وان ترى ثوار الربيع العربي مع الديكتاتورية الفارسية ضد ثورة الشعوب، وان ترى العلمانيين العرب مع الحكم الديني الإيراني ضد الشعوب، و ان تري اليسار العربي خاصة الناصري مع التيار الديني المحافظ في ايران ضد الشعوب، وان ترى القوميين العرب مع حكم الإسلام السياسي ضد عرب الاحواز، وان ترى الأقليات العربية تقف مع ملالى ايران ضد الأقليات في ايران، والليبراليين العرب مع الفاشية الإيرانية، والإسلام السياسي السني مع الإسلام السياسي الشيعي ضد الشعوب رغم ادعاء الاختلاف المذهبي بينما هم في الواقع عصابة واحدة، كانت لحظة فارقة لنتعرف على كذب كل هؤلاء بلا استثناء يذكر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق