الإمام الشافعي.. ومصر التي في خاطره

السبت، 20 يناير 2018 03:17 م
الإمام الشافعي.. ومصر التي في خاطره
حسن شرف

قدم الإمام الشافعي إلى مصر سنة 199 هـ، ومات فيها سنة 204 هـ، وفي هذه السنوات الخمس استطاع الرجل أن يترك ميراثا عظيما من الفقه والفتاوى- حتى أصبح أحد الأئمة الأربعة، بعد الإمام أبو حنيفة النعمان، (80هـ/699م - 150هـ/767م)، والإمام مالك بن أنس (93هـ/715م - 179هـ/796م)، وقبل الإمام أحمد بن حنبل، (164هـ/780م ـ 241هـ/855م).
 
 
روي عن الربيع بن سليمان أنه قال: قال لي يوما (يقصد الشافعي): "كيف تركت أهل مصر"، فقلت: "تركتهم على ضربين: فرقة منهم قد مالت إلى قول مالك، وأخذت به واعتمدت عليه وذبّت عنه وناضلت عنه، وفرقة قد مالت إلى قول أبي حنيفة، فأخذت به وناضلت عنه، فقال: "أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله، وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعا". فقال الربيع: "ففعل ذلك والله حين دخل مصر".
 
 
قال ياقوت الحموي( أديب من أصل رومي): كان سبب قدومه ( الإمام الشافعي) إلى مصر أن العباس بن عبد الله بن العباس بن موسى بن عبد الله بن عباس دعاه، وكان العباس هذا خليفة لعبد الله المأمون على مصر. ولقد قال الشافعي عندما أراد السفر إلى مصر: لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر.. ومن دونها قطع المهامة والفقر.. فواللـه ما أدري، الفوز والغنى أساق إليها أم أساق إلى القبر.
 
 
 
لما قدم الشافعي مصر نزل على أخواله الأزد، وقد ذكر الإمام أحمد أن الشافعي قصد من نزوله على أخواله متابعة السنة فيما فعل النبي حين قدم المدينة من النزول على أخواله، فقد نزل النبي حين قدم المدينة على بني النجار، وهم أخوال عبد المطلب. 
 
وقال هارون بن سعد الأيلي: ما رأيت مثل الشافعي، قدم علينا مصر، فقالوا: "قدم رجل من قريش"، فجئناه وهو يصلي، فما رأيت أحسن صلاة منه، ولا أحسن وجها منه، فلما قضى صلاته تكلم، فما رأيت أحسن كلاما منه، فافتتنّا به.
 
مسجد الإمام الشافعي بالقاهرة
 
 
مجادلته لمخالفيه وأسلوبه في ذلك
 
بعد قدوم الشافعي إلى بغداد سنة 195 هـ، بل قبل ذلك في دراسته بمكة، كان صاحب طريقة جديدة في الفقه، وصاحب آراء جديدة فيه تنفصل عن آراء الإمام مالك، ولكنه لم يتجه إلى آراء مالك بنقد أو تزييف، بل كان يلقي بآرائه خالفت أو وافقت رأي مالك من غير نقد له، ولذلك كان يعدّ من أصحاب مالك، وإن كان في جملة آراءه ما يخالفه قليلا أو كثيرا، كما خالف بعض أصحاب مالك مالكا، وكما خالف بعض أصحاب أبي حنيفة شيخهم.
 
ولكن حدث ما اضطر الشافعي إلى أن يتجه لآراء شيخه مالك بالنقد، ذلك أنه بلغه أن مالكا تقدّس آثاره وثيابه في بعض البلاد الإسلامية، وأن من المسلمين أناسا يتحدّث إليهم بحديث رسول الإسلام محمد، فيعارضون الحديث بقول مالك، فتقدم الشافعي الذي لقبه العلماء في عصره بناصر الحديث، ووجد طريقا معيّنا ليسلكه، وهو أن ينقد آراء مالك، ليعلم الناس أن مالكا بشر يخطئ ويصيب، وأنه لا رأي له مع الحديث، فألف في ذلك كتابا سماه "خلاف مالك"، ولكنه تردد في إعلانه وفاء لمالك شيخه وأستاذه، والذي كان يقول عنه طوال حياته أنه الأستاذ، يتردد بين إرشاد الناس لما رآه أخطاء لمالك، وهو يخشى على السنّة من تقديس الناس له، وبين الوفاء له، فطوى الكتاب لمدة سنة وهو متردد، ثم استخار فنشره. 
 
كتاب الرسالة
 
 
أدى نقد الشافعي للإمام مالك إلى وقوعه في المتاعب والمصاعب، وذلك لأن الإمام مالكا كان له المكان الأول بين المجتهدين في مصر، فثار على الشافعي المالكيون ينقدونه ويجرّحونه ويطعنون عليه، حتى ذهب جمهرتهم إلى الوالي يطلبون إخراجه، ويقول في ذلك الرازي: "لما وضع الشافعيّ كتابه على مالك ذهب أصحاب مالك إلى السلطان والتمسوا منه إخراج الشافعي". 
 
غير الإمام الشافعي مذهبه عندما سافر من العراق إلى مصر، وذلك ليتماشى مذهبه مع العادات والتقاليد المصرية، ولكن كل ما غيره كان وفق الشريعة، وذلك حسب الدكتور أحمد الشافعي، مدرس الفقه بجامعة الأزهر الشريف، الذي أكد أن التغيير الذي تبعه الإمام الشافعي لم يكن تغييرا في العقائد، ولا في الثوابت، وإنما كان له علاقة بالمسائل التي تتعلق بالأمور الحياتية للمواطنين.
 
الدكتور احمد الشافعي
 
 
وأكد عدد من الباحثين أن ظهور ما يسمى بالمذهب الجديد للإمام الشافعي، له عدة أسباب، منها كما تغير الزمان والمكان، ومن بين الأسباب أيضا أن الإمام الشافعي تأثر بمذهب الإمام مالك تأثرا كبيرا ، وبقي معه حتى فاضت نفسه، وهذه الملازمة أسهمت الى حد كبير في سلوك الشافعي منهج شيخه في البحث والنظر، ولكن سرعان ما استقلت شخصية الإمام فبدأ شيئا فشيئا يمراجعة المسائل من خلال ما توصل اليه اجتهاده.
 
كا أن اتساع معارف الإمام ومداركه، ولا شك أن العالم تزداد معارفه كل يوم، فقد وقف على أحاديث وآثار جديدة لم يكن قد اطلع عليها من قبل، فهذا من البواعث على إعادة النظر في بعض القضايا.
 
وذكر الباحثون أنه عندما سافر الإمام إلى مصر اطلع على مذهبين فقهيين جديدين، وهما فقه الامام الليث بن سعد فقيه مصر وشيخها، وفقه الأوزاعي شيخ الشام وإمامها، أما الأول فمن خلال يحيى بن حسان التنيسي، وأما الثاني فمن خلال عمرو بن أبي سلمة الدمشقي، ثم التنيسي، فضلا عن تعرفه على تلميذين نجيبين من تلاميذ الإمام مالك، وهما أشهب بن عبدالعزيز، وعبدالله بن عبدالحكم، ولا شك أن اطلاع الإمام الشافعي على فقه هذين الإمامين بالإضافة إلى ما عند الشيخين المالكيين أضفى إلى حصيلة الإمام.
 
كما أنه لم يقتصر صنيع الشافعي على إعادة النظر في المسائل الفقهية فقط، بل أعاد النظر في الأصول التي بنى عليها اجتهاده، فقد أعاد بناء كتاب الرسالة بناء جديدا، ولما كان أصول الفقه يمثل مجموع طرق الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد، كان لا بد أن تتغير الأحكام الشرعية المنبثقة عن هذه الأصول.
 
 
 
 
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة