إنهم يتساقطون لكن كيف وصلوا لمناصبهم؟!

الأحد، 21 يناير 2018 03:15 م
إنهم يتساقطون لكن كيف وصلوا لمناصبهم؟!
محمد حسن الألفى يكتب:

لا يجوز أن تعيش دولة دون رقابة، رغم كراهية أو تحفظ أو تململ أى إنسان ممن يراقبه، تشعر بأنفاسه تخترق صدرك، تحس أنه على الناحية الأخرى من الخط التليفونى، ربما كان مقيما معك فى غرفة النوم، تحت البطانية بجوارك، أو لابدا لك فى الحمام، أو ساكنا فيك، يحتلك، ويتنصت على دناءاتك وهواجسك الداخلية، وخيالاتك المحلقة فى اللامعقول.

نكره إذن المراقبة والملاحقة والمتابعة، لأن الأصل فى الحياة هو الحرية، ومع ذلك فإن الضمير الذى هو الرقيب الإلهى المخلوق معنا، ثبت عمليا ومنذ أول جريمة فى التاريخ، أنه جهاز افتراضى قابل للتنويم والتخدير والتمويت بالرشوة المادية مالا أو جنسا أو عقارا. وهكذا نشأت فكرة الضمير الخارجى، وهو مادى ومحسوس، فى صورة أجهزة رقابية ذات سلطة بوليسية واسعة الصلاحيات. وفى أيامنا السوداء الحالية، ومع حدوث شىء غير مفهوم فى طبيعة الشخصية المصرية، فى أخلاقها وفى ضميرها وفى مدى خوفها من ربنا، ونزوعها إلى استحلال الحرام، نشطت الأجهزة الرقابية نشاطا يليق بنظافة النظام لمعاقبة اللصوص وملاحقتهم، وخاصة بعد ما أطلق الرئيس السيسى يد وصلاحيات هيئة الرقابة الإدارية، لمحاربة الفساد والمفسدين، يعنى اللصوص. 
 
ولصوص هذه الأيام ليسوا من العوام فقط، بل من شاغلى مناصب كبرى ورسمية ومرموقة بكل أسف ويا للعار، ففيهم المحافظ وفيهم الوزير وفيهم الضابط، وفيهم الصحفى، وفيهم المحامى، وفيهم المهندس، بل وفيهم الطبيب، والمفروض أنه الأقرب فى رسالته إلى ملاك الرحمة، وهذا طبيعى لأننا لسنا ملائكة، بل نحن بشر طماعون متقلبون!
ومنذ اليوم الأول الذى ألقت فيه الرقابة الإدارية القبض على صلاح هلال، وزير الزراعة الأسبق، فى ميدان التحرير وسط الناس (عشر سنوات سجنا وغرامة مليون جنيه)، وتلاه عشرات من كبار الموظفين، وآخرهم محافظ المنوفية، هشام عبد الباسط، وهو دكتور وله تاريخ مريب، أبلغت عنه زوجته الثانية، عقابا له على زواجه للمرة الثالثة، ومن قبله سقطت غولة الإسكندرية سعاد الخولى، نائبة المحافظ، أقول إن أحدا لا يرتدع أبدا، ولا يتعلم، وبالطبع فإن مصير هؤلاء، هو المحاكمات فالسجن فالفضيحة له ولعائلته.
 
كل هذا عادى وطبيعى، لكن غير العادى هو كيف لأجهزة رقابية، أن تنشط فى القبض على فاسد، وأخرى تسمح بترشيح هذا الفاسد ليشغل منصبا مرموقا، ويحسب على الحكومة وعلى النظام؟
من العقل والمنطق أن نتصور أن كل الأجهزة الرقابية بفروعها وهياكلها هى فى حوار متصل فيما بينها، وليست جزرا منعزلة، وتعلم مالدى الأخرى فى متابعتها لفرد مرشح لمنصب، لكن الذى يتحدث عنه الناس الآن وتحدثوا عنه كثيرا مع تتابع عمليات القبض على لصوص المناصب، هو:
كيف رشحت الدولة هذا اللص لمنصب فيها فيسرقها؟! كيف جرؤت هيئة رقابية على طرح اسم اللص ليوسخ منصبا شريفا، يسرق وينهب ويملأ كرشه وكرش زوجاته وأولاده بمال الشعب المخرم المحرم!؟ لا يجوز عقلا قبول فكرة أنه كان طاهر الذيل ونظيف اليدين، وفجأة زغللت عيناه بالذهب والياقوت والألماظ فى مقعد الوزير أو المحافظ أو مأمور الجمرك. كل فاسد تم القبض عليه جعل الناس يتحدثون فى ثلاثة محاور: الأول تشجيع وتصفيق وإعجاب برجال الرقابة الإدارية وهمتهم وتعبهم فى ملاحقة اللصوص، وهذا حقهم، ونحمل كل العرفان للواء عرفان، والثانى، أن كل وزير فاسد أومسئول فاسد هو فى النهاية محسوب على الحكومة، وعلى النظام حتى يتم القبض عليه، فتتطهر منه الحكومة والدولة، والمحور الثالث هو كيف مررت الأجهزة الرقابية هذا الفاسد إلى المنصب الشريف؟ 
هذه الأجهزة عديدة وقوية ولديها معلومات بالتحرى والمتابعة، ومن ثم لا يجوز الإدعاء بأنها لم تعلم تفصيلة ما عن رجل سيتحكم فى الناس بمنصبه من خلال قرارات، يستغلها لصالحه، وينهب من المال العام نهب المفاجيع ليشبع ونجوع.
 
هى إذن من ترشح، وهى إذن من تمرر، وبالتالى فهى المسئولة عن مصائبه وجرائمه، هذا بالضبط ما يقوله الناس فى مقاهيهم وحلقات الكلام، وما أكثرها، والمطلوب حقا توضيح الدور الرقابى الصحيح، قبل شغل المنصب وبعد شغل المنصب. إذ ما جدوى وضع النار بجوار البنزين، إلا إن كنت تريد حريقا؟ والحريق يأتى على سمعة من رشح ومن وافق، ومن جلس على المنصب وهو لص، والأخير سينال عقاب السجن والجرسة، وسينساه الناس حتى يسقط لص رسمى جديد، وتعود دائرة التساؤلات: من الذى رشحه، وما مصلحته فى ترشيح لص محتمل صار لصا حقيقيا؟ 
ليس معنى ما سبق أن جهات الترشيح محتاجة جهات ترشيح فوقها، لكن هو فقط وضع غير مفهوم، أن يظهر التاريخ المشين الفاضح للمسئول، كأن الجميع سحروا به أو أشربهم عملا سفليا.
 
بطبيعة الحال، الوضع الرقابى العلنى والنشاط المثمر هو وحده الذى جعل الناس يتساءلون، ولو كان هذا النشاط يتم فى السر، حتى لا يشيع انطباعا عاما بأن الدولة مليئة باللصوص، كما جرى أحيانا فى عهود سابقة، ما علمنا شيئا. بعبارة أخرى فإن جرأة النظام وقبوله الإعلام والإعلان عن القبض على أى مسئول فاسد مهما كان مركزه، يحسب له، ولكنه يضاعف مسئولية الأجهزة الرقابية المعاونة، حتى لا يتحمل الناس أو الدولة أداء لص أو مشبوه، وفى هذا المقام نؤكد على ضرورة وجدوى تبادل المعلومات والتنسيق بين أجهزة التحرى وجهات الترشيح والجهات الرقابية. فى الوقت ذاته، وفى ضوء الشفافية التى يعمل بها الرئيس، فإنه من غير المتصور قط ألا يسأل الرئيس السيسى السؤال ذاته الذى يطرحه الناس هذه الأيام بشدة: الله؟! طب لما هو ده تاريخ اللص، ليه رشحتهولى يا ناس!؟ ولمصلحة مين ينتسب إلى حكومة مصر واحد حرامى فى منصب كبير؟!
هى أسئلة لوجه الله ولوجه الوطن.. حتى لا يرشحوا لنا لصا جديدا!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق