هل تتسول الدولة مرشحا رئاسيا؟.. صاحب الدُكان قالك فين!

الأربعاء، 31 يناير 2018 10:07 م
هل تتسول الدولة مرشحا رئاسيا؟.. صاحب الدُكان قالك فين!
عبد العزيز السعدنى يكتب:


(مشهد 1)
 
أحاول الاتصال به، وكأنه منتظر مكالمتي قبل أن يرن هاتفه:
 
- ازيك يا عبده

تمام الحمدلله يا ريس.. ازي حضرتك
 
- بخير.. بقولك والنبي المقال جالك على الفاكس؟
 
آه وصل يا ريس.. بس فيه صفحتين نصهم ممسوحين.. استأذن حضرتك تبعتهم تاني

- لسه هبعتهم تاني يا عبده.. أنت مش عارف الورقة بتتبعت بكام!، ممكن تقولي الممسوح من أول فين وأنا أمليك.
 
وتبدأ حصة الإملاء بعد تغيير المكان أكثر من مرة بدعوى «الشَبَكَة بتعلق» و«سامعني كويس» وغيره، لتنتهي المكالمة بـ«شكرًا يا عبده»، بعد إكمال نواقص الفاكس المعتاد أن يحدث فيه ذلك مرتين كل أسبوع على الأقل.
 
مكالمة كانت تحدث بصورة شبه يومية بعد أن تطأ عقارب الساعة الثانية عشر ظهرًا، مدتها لا تزيد على 10 ثوانٍ إلا إذا خيب الحظ ظني، لطمأنته أن مقالته اليومية وصلت بسلامة الله إلى أرض الجريدة، أما إذا ضلت الكلمات طريقها في أثناء وصولها على صفحات الفاكس القاطن بجوار كافتريا الجريدة، يكون يومًا مشؤومًا لي، وتبدأ حصة الإملاء خشية تكلفته 10 جنيهات مجددًا بواقع جنيهين لكل ورقة.
 
 وبعد أن فاض بي الكيل، حاولت أن أعرف ما يتقاضاه هذا الكاتب الكبير قيمة وقامة في بلاط صاحبة الجلالة، وتدور الأسئلة في عقلي؛ ما الذي يمنعه من أن يدفع 10 جنيهات مجددًا؟ هل هي مبلغ كبير بالنسبة لرجل في عُمره؟ هل هو مريض لدرجة أنه يحتاج إلى كل قرش لصرفه على العلاج؟ أي منطق، أي عقل، أي دين، وأي مهنة هذه التي تجعل محررًا يحتقر رُخصك، ولم أجد إلا رئيسي ليريح عقلي الفضولي المطبوع لا المتطبع، فأعرض عليه ما حدث فيبتسم بسذاجة ويترك ما في يده ويتكئ بظهره على «كُرسيه»، ويُخبرني أنه يتقاضى راتبًا يساوي 5 أضعاف كاتبٍ تُنشر له مقالتان أسبوعيًا، لاحقًا نفسه: «الكلام ده ليك أنت». (لن أفصح عن راتبه في هذه المقالة.. لنا عودة).
 
خرجت من مكتبه أضرب كفًا على كفٍ وأندب حظي، ولأنني أعرف جيدًا راتب الكاتب الذي تُنشر له مقالتان أسبوعيًا، وجدت أن المذكور أعلاه يتقاضى راتبًا أضعاف راتبي الشهري 15 مرة.

  (مشهد 2) 
 
في إحدى المكالمات التي كانت- كالعادة- من طرفي:
 
- مساء الخير يا ريس.. 
 
مساء النور يا عبده

- مقال حضرتك وصل
 
تمام شكرًا يا عبده الله يطمنك.. بقولك صحيح أنا مسافر بكرة خارج مصر، وهبعت المقال متأخر شوية.
 
- تمام يا ريس هكون منتظرك
 
مش دي المشكلة اسمعني بس.. أنت عارف إن المكالمة برة لو أنا اتصلت هتكون غالية.
 
- أنا: وجهي أصبح من الصدمة مثل عُقب سيجارة مُلقى على إحدى عتاب سُلم لم تخطئ أقدام قاصديه بعيدًا عنه.. ولسان حالي «المطلوب؟»
 
هقولك.. لما أرن عليك كنسل واتصل أنت عشان الدقيقة تكون أرخص.
 
انتهت المكالمة ولسان حالي يُردد «والله ما فيه أرخص من حضرتك».
 
ضحكات شريرة ترتسم على وجهي كلما أتذكر هذه النُكتة، سأشاركك إياها عزيز القارئ؛ بعد سفريته، ومدتها 5 أيام، في كل يوم يهاتفني «أفتح السِكة وأقفل بسرعة»، وأعاود الاتصال ليعاتبني «يا عبده أنت كلفتني دقيقة بشيء وشويات»، لأبادره قولا «معلش يا ريس الموبايل فتح عليك وهو في جيبي أكيد ما كنتش قاصد».
 
وبعد عودته من سفره إلى أرض الوطن، وجدت رئيسي الشاب، يستدعيني، فدخلت مكتبه لأجده يخبرني أن الكاتب يشتكي مني بسبب تغريمه أكثر من 50 جنيهًا خلال سفريته، بسبب «فتح السكة»، فارتسم وجهي بابتسامة خبيثة مرددًا «أشفيت غليلي بسبب حصص الإملاء».
 
خرجت من مكتبه وأردد «الرُخص له ناسه فعلا.. ما تهونش إلا على الغلبان».

(مشهد 3)

المشهدان السابقان- ربما- جعلاك تتقزز وتتلهف لمعرفته، ولكن أنا على النقيض لم تتحرك شَعَرةً في رأسي، ولكن هذا المشهد الثالث جعلني أفقد الأمل في كونه كاتبًا، في كونه قيمة، في كونه قامة، في كونه صاحب عقل، في كونه صاحب قلم.
 
ورقة مُعلقة أعلى رأس «الجَمّيع»، بشد الميم، وهو الشخص المكلف بتجميع المقالة المرسلة بخط اليد للكاتب وكتابتها إلكترونيًا، مفادها «يُرسل مقالة (باذنجان فودة) إلى المهندس (مفتاح زرياب) قبل النشر »! 
 
اعذرني عزيزي القارئ على استخدامي أسماء وهمية.. وللحرص على عدم محاولة إنقاص مُتعتك، سأصالحك بمعلومة أخرى؛ فهناك كاتب آخر ذُكر اسمه في ذات الورقة، ولكن له حديث وموضع وثِقل خاص.. نتناوله فيما بعد.
 
هل تعلم أن بِحُكم هذه الورقة، يفقد هذا الكاتب، وإن ظل محتفظًا باللقب وسط مُهملات عقله،  كل شيء؛ آدميته، مؤهلاته العقلية، شهاداته التعليمية، كرامته أمام مال ربه، شخصيته أمام القراء.. وأصبح مجرد كاهن يبرر ما يؤمر به في هذا الاتجاه أو ذاك.

(مشهد 4)
 
الكاتب، قبل بضعة أيام، نُشرت له مقالة، يقول إنه متأكد من فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بالفترة الثانية أمام أي مرشح ينافسه، إلا أن الجُملة كـ«عسل» وسط «سموم» مدسوسة بيديه، ومأمور بها من ربه على الأرض.
يصول ويجول مطالبًا الدولة بعدم الاستخفاف بعقول المصريين، حتى يصل بقارئه الغافل عما يحدث في المطابخ الصحفية، إلى نتيجة أن الدولة تتسول مرشحًا رئاسيًا.
 
الإجابة لا يعرفها إلا رب الكاتب على الأرض، وربنا جميعًا، وإن كنا لا نستطيع أن نسأل رب العالمين، فنتوجه بالشكر إلى كاتب المقال والتضرع له ليجيب لنا «صاحب الدكان قالك فين!!».


نهاية اللغز.. معذرةً أقصد القول:
 
اللهم يا مُعلم موسى علمني.. ويا مُفهم سليمان (نَبِيُّك فقط) فهمني.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق