الراقصة والسياسي.. نضال وتجسس

الأحد، 04 فبراير 2018 11:23 ص
الراقصة والسياسي.. نضال وتجسس
الراقصة والسياسى
حسن شرف

إذا أراد أحدهم أن يربط بين الرقص والسياسة- الراقصات والسياسيين- دائما يقفز إلى ذهنه فيلم "الراقصة والسياسي"، الذي  كتبه الراحل إحسان عبدالقدوس، والذي جسد فيه العلاقة بين الراقصات ورجال السياسة.
 
 
وعندما تحولت القصة إلى فيلم عام 1990 جسدّت الفنانة نبيلة عبيد دور الراقصة "سونيا" واختصرت العلاقة بين الراقصة والسياسي، في جملتها الشهيرة لصلاح قابيل: "إيه حكاية رقاصة رقاصة ما إحنا الاتنين زي بعض يا عبدالحميد، أنا وانت بنرقص يا عبدالحميد، كل واحد بيرقص بطريقته، أنا برقص بجسمي، وانت بترقص بلسانك"، إلا أن للراقصات تاريخ طويل مع السياسيين يمتد لعقود.
 
 
"صوت الأمة" تستعرض في هذا التقرير أبرز العلاقات التي تم التأريخ لها بين الراقصات والسياسيين، والتي اتضح من معالمها أن تلك العلاقات كان بعضها برغبة الراقصات، لتحقيق مكاسب شخصية، بينما كان الآخر رغما عنهن.
 
 
بديعة مصابني.. الوصول لقرارات السلطة من الرقص في ميدان الأوبرا
 
ولدت بديعة مصابني في سوريا عام 1892- حسب ويكيبديا، وبعد قصة اغتصابها في بلدها هاجرت مع والدتها وأختها إلى أمريكا الجنوبية، قبل أن تأتي إلى القاهرة عام 1919 تقريبا، وبعد شهرتها أسست كازينو الأوبرا عام 1929.
 
 
الكازينو كان بمثابة أكاديمية للفنون تخرج منها أكبر نجوم الفن في ذلك الوقت وكان من رواد الكازينو الأدباء والفنانين، يتخذون من الحديقة مكانا لندواتهم ولقاءاتهم وكان الأديب الراحل نجيب محفوظ يقيم ندوة أسبوعية فيه، وغنى فيه كبار المطربين في بداياتهم ورقصت عليه سامية جمال وتحية كاريوكا وحورية محمد.
 
بديعة مصابنى
 
 
كازينو مصابني كان ملتقى سهرات كبار الدولة والسياسيين، مثل محمد طلعت حرب مؤسس بنك مصر، ومن ثم لعبت الراقصة الراحلة دوراً سياسياً خلف الكواليس.
 
وكان كازينو بديعة مقراً دائماً لسهرات جنود الاحتلال الإنجليزي، وكان الفدائيون المصريون يختبئون فيه لمراقبتهم، وعند خروج الجنود سكارى من الكازينو كانوا يصطادونهم واحداً تلو الآخر.
 
وبعد تراكم الضرائب عليها وعدم قدرتها على سدادها، اضطرت مصابني للهرب إلى لبنان على متن طائرة خاصة هبطت في منطقة صحراوية بمصر الجديدة (مكانها الآن حديقة الميرلاند)، ولم يكن هذا ليحدث بدون مساعدة من كبار السياسيين في مصر ممن كانت تربطهم بها علاقة قوية.
 
 
برلنتي عبدالحميد.. الراقصة التي أخلصت للمشير حتى وفاتها
 
ولدت برلنتي، في السيدة زينب بالقاهرة، وبعد حصولها علي دبلوم التطريز تقدمت إلى معهد الفنون المسرحية والتحقت بقسم النقد ولكن سرعان ما أقنعها الفنان زكي طليمات بأن تلتحق بقسم التمثيل في المعهد وتخرجت من المعهد العالي للتمثيل.
 
تزوجت من وزير الحربية المشير عبد الحكيم عامر، وأنجبا عمرو عبد الحكيم عامر، وظلت تعافر من أجل إثبات عدم انتحار زوجها، وتحاول التأكيد على أنه تم اغتياله، وعانت كثيراً لكى تثبت بأنه ليس سببا فى النكسة، ولاذكلك كتبت كتابا بعنوان (المشير وأنا) صدر عام 1993، كما أصدرت العام 2002 كتابا آخر بعنوان (الطريق إلى قدري.. إلى عامر) وتقول أنه أفضل توثيقا من كتابها الأول.
 
برلنتى عبدالحميد
 
حكمت فهمي.. الرقص أمام هتلر وجوبلز
 
ذكر محمود صلاح في كتابه "السادات والجاسوس" أن شهرة حكمت فهمي تعدت حدود مصر إلى أوروبا، خاصة العاصمة النمساوية فيينا التي كانت تتزين جدران ملاهيها بصورة كبيرة للراقصة المصرية.
 
أثناء الحرب العالمية الثانية شاهد رينهارد هيدرنغ رئيس المخابرات الألمانية فهمي وهي ترقص في النمسا، فدعاها للرقص في ألمانيا، ورقصت أمام هتلر ووزير دعايته جوبلز الذي أعطى تعليماته لرجال المخابرات الألمانية بتجنيدها لصالحهم، خاصة أنهم كانوا يعرفون حجم وتشعب علاقاتها مع كبار الضباط الإنجليز رغم كرهها لهم.
 
حكمت فهمي
 
 
وافق جوبلز على ملف سري للغاية يحمل عنوان "عملية كوندور" هدفها زرع جاسوس ألماني في قلب القاهرة لمساعدة القائد الألماني روميل، وإمداده بالمعلومات عن الاستعدادات العسكرية البريطانية في معركته الحاسمة ضد جيوش الحلفاء في شمال إفريقيا.
 
اختارت المخابرات الألمانية لهذه العملية شخصاً ألمانياً عاش في مصر يدعى حسين جعفر أو "إبلر"، الذي استطاع تجنيد الراقصة بعدما التقاها في فيينا، ثم عرض عليها الأمر في القاهرة داخل ملهى "الكيت كات" الشهير في تلك الأيام.
 
وافقت فهمي على العمل لصالح الألمان بسبب كراهيتها الشديدة للإنجليز، وساعدت إبلر في استئجار عوامة على شاطئ النيل في الزمالك بجوار عوامتها، وعوامة أخرى يسكنها ميجور بريطاني يعمل في مخابرات الحلفاء سرعان ما تعرف عليه إبلر ودعاه عدة مرات لتناول الويسكي معه، وخرجا معاً للعب الجولف في نوادي القاهرة.
 
أمدّت فهمي إبلر بمعلومات مهمة حصلت عليها من الضباط الإنجليز خاصة الميجور سميث الذي أحبها وعرض عليها الزواج فوز انتهاء إجراءات طلاقه من زوجته التي كانت تعيش في لندن.
 
اكُتشف أمر الخلية التي ضمت أيضًا محمد أنور السادات عندما كان ضابطاً بالجيش المصري، وخضعت فهمي للتحقيق، وقضت سنة تقريبا في سجن الإنجليز، عانت فيه من ضغوط نفسية كبيرة، حتى أنها أعلنت إضرابها عن الطعام.
 
إيفيت.. التجسس للوكالة اليهودية
 
لعبت إيفيت دوراً في كشف عملية كوندور التي كانت تتكون من إبلر وحكمت فهمي والسادات وغيرهم. وروى صلاح في كتابه أن الجاسوس الألماني تعرّف عليها في ملهى الميتروبوليتان بالقاهرة، وكان مكان السهر المفضّل لكثير من الضباط البريطانيين والمراسلين العسكريين.
 
وروى أن إيفيت قالت لإبلر إنها فرنسية من مواليد بيروت وتعمل راقصة في القاهرة إلا أنها كانت جاسوسة لحساب الوكالة اليهودية في مصر، وكانت في كل مرة تنصرف فيها من عوامته تذهب لتكتب تقريراً للوكالة عما دار بينهما.
 
"هذا الرجل الذي أقابله قال لي إنه مصري، وإن اسمه حسين، لكني متأكدة أنه ألماني وهو عصبي جداً، ومعه نقود كثيرة"
 
وكانت تعليمات المشرفين على الوكالة اليهودية لإيفيت هي الاستمرار في العلاقة معه والحصول على كل معلومة عنه، وهي المعلومات التي نقلتها في ما بعد إلى المخابرات البريطانية وساهمت في ضبط إبلر وأعضاء الخلية.
 
 
تحية كاريوكا.. مساندة الفدائيين ونقد ناصر
 
في كتابه "شخصيات لها تاريخ" روى جلال أمين أن تحية كاريوكا كانت ترقص في أحد الملاهي الليلية، فإذا بالملك فاروق يظهر جالساً إلى إحدى الموائد، فذهبت إليه لتعاتبه قائلة: "إن هذا المكان لا يليق بملك، والأفضل لك أن تعود إلى قصرك"، فترك المكان فوراً.
 
ووفقاً لأمين، ساهمت كاريوكا في إنجاح العمليات التي كان يقوم بها الفدائيون ضد جنود الاحتلال الإنجليزي على طول خط قناة السويس في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، عبر استخدام سيارتها في نقل ما يحتاجون إليه من عتاد ومواد أخرى.
 
وبعد قيام ثورة يوليو 1952، انتقدت كاريوكا ممارسات قيادة الثورة خاصة بعد عزل محمد نجيب، وقالت: "ذهب فاروق وجاء فواريق"، بحسب أمين.
وروى أن هذا القول نُقل إلى عبدالناصر، وكانت النتيجة وضع كاريوكا في السجن مئة يوم، ولكن سرعان ما عاد الصفاء إلى العلاقة بينها وبين الثورة في 1956، وهي السنة التي عاد فيها أيضاً الصفاء بين الثورة وسائر المصريين بعد قيام ناصر بتأميم قناة السويس.
 
تحية كاريوكا
 
 
وفي نفس العام مثّل فيلم "شباب امرأة"، من بطولة كاريوكا، مصر في مهرجان كان، وفي ذلك الوقت كان التوتر شديداً بين مصر وإسرائيل وانعكس على المهرجان.
 
تعاطف بعض الفنانين العالميين مع إسرائيل ضد مصر، وكان من بينهم الممثلة الأمريكية سوزان هيوارد التي صدرت عنها حين تسلمت دعوة إلى حفلة مصرية بالمهرجان عبارة فيها إهانة لمصر.
 
فما كان من كاريوكا إلا أن أشبعتها سباباً، وقيل إنها خلعت فردة حذائها وضربتها بها. وكافأ عبدالناصر كاريوكا على موقفها هذا بمنحها جائزة عن دورها في الفيلم.
 
 
 
في سنة 1988، كما يذكر أمين، سافرت كاريوكا إلى أثينا وقبرص مع مجموعة من الفنانين المصريين للاشتراك في تظاهرة لتأييد انتفاضة الفلسطينيين وجمع تبرعات لهم، ثم اشتركت في اعتصام مع الفنانين المصريين بالقاهرة وأضربت عن الطعام احتجاجاً على قانون سيئ للنقابات الفنية.
 
 
سامية جمال.. هزة تنسي مشاغل الحكم
 
في كتابه "ليالي فاروق" ذكر مصطفى أمين أن أنطونيو بوللي مدير الشؤون الخاصة في القصر الملكي اصطحب الملك فاروق إلى أحد الكباريهات لرؤية سامية جمال وهي ترقص، إلا أنها لم تستطع انتزاع إعجابه بل كان يراها سمجة وثقيلة الدم.
 
وفي إحدى ليالي عام 1949 رأى فاروق سامية جالسة مع فريد الأطرش، إذ كانت تربطهما علاقة عاطفية، فأثار ذلك غيرته وقرر انتزاع الراقصة منه.
 
سامية جمال وفريد الاطرش.jpg2
 

 
 
وذهب رسول إليها يبلغها أن الملك معجب بها، وذهبت سامية ورقصت أمام فاروق الذي قال لها إنه نسي في اهتزازات جسمها أعباء الدولة ومشاغل الحكم.
 
بعد انتهاء الحفل انصرف أعضاء الفرقة، بينما بقيت هي وقضت الليلة مع الملك في ركن فاروق بحلوان جنوب القاهرة، ومن وقتها أصبحت سامية هي "راقصة القصر"، وباتت الاستدعاءات الملكية لها أمرا طبيعيا، وإن ظلت في نفس الوقت على علاقتها بفريد الأطرش، حتى زادت المشكلات وانفصلا.
 

 
نجوى فؤاد.. الرقص أمام هينري كيسنجر
 
رقصت نجوى فؤاد أمام وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر خلال زياراته المتعددة لمصر في السبعينيات حين لعب دوراً سياسياً كبيراً في المنطقة بعد حرب أكتوبر عام 1973، ومنذ أن شاهدها هنري ترقص في حفل خاص أقامه له الرئيس محمد أنور السادات في مصر، أعجب بها بشدة.
 
نجوى فؤاد
 
هنري كسينجر والسادات
 
وكان لتلك العلاقة بين نجوى وكسينجر مفعول السحر على المستوى السياسي، ومن شدة تعلق هنري بها ذكرها في الجزء الثاني من مذكراته، ووصف لقاءاته معها بأنها من أجمل الذكريات التي يستدعيها دائما إلى مخيلته كلما حاصرته هموم السياسة ومشاكلها.
 
 
وقال كسينجر في المذكرات التي كتبها: "كنت أحرص دائمًا فى كل مرة أزور فيها القاهرة على التأكد من وجود الراقصة المصرية نجوى فؤاد، وكانت تبهرنى، بل أعتبرها من أهم الأشياء الجميلة التى رأيتها فى الوطن العربى أن لم تكن الشىء الوحيد".
 
 
كيتي.. الاختفاء الغامض
 
ولدت كيتي عام 1927 في أسرة يونانية وعملت راقصة وشاركت في عدد من الأفلام، إلا أنها اختفت في أواخر الخمسينيات لأسباب غامضة، دعت البعض إلى الحديث عن تورطها في شبكة تجسس مع الفنان السوري إلياس مؤدب الذي قُبض عليه وحُقّق معه ثم أخلي سبيله وعاد إلى بلاده.
 
كيتي
 
آخرون ربطوا اختفاءها بعلاقة ربطتها بالجاسوس المصري رفعت الجمال الشهير برأفت الهجان، مستندين إلى حديثه في مذكراته عن علاقته براقصة اسمها بيتي تكبره بعام واحد، وهي صفات تنطبق تماماً على كيتي.
 
 
 
تظل تفاصيل العلاقات بين الراقصات والسيايين، خاصة تلك التي ذكرناها، ملك لأصحابها، وسردنا هنا الذي كان استدعاءً لمذكرات البعض، أو روايات أحدهم، لكشف ملامح هذه العلاقات، والتي بالطبع تختلف الظروف الحالية عن تلك التي عاشوها قديما.
 
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق