من «التلل» و«الأرمن» إلى عفرين.. أردوغان حين يعيد مذابح أجداده!

الجمعة، 16 فبراير 2018 09:00 ص
من «التلل» و«الأرمن» إلى عفرين.. أردوغان حين يعيد مذابح أجداده!
د. رفعت سيد أحمد يكتب:

من المؤكد أن ما يجرى منذ أيام فى (عفرين) السورية، اختلطت فيه الأمور إلى حد إثارة البلبلة، وعدم الوضوح لدى العديد من المحللين والخبراء، فـ(الأصدقاء) يتقاتلون (الكرد والأتراك)، والراعى الأمريكى يقف بحياد أو بمكر على (الحدود) والحلفاء يتفرجون، وينتظرون، لكن المؤكد فى كل هذا المشهد، أن غزوا تركيا، متكامل الملامح لأراض سورية، يتم على قدم وساق، وأن الهدف أبعد من ضرب القوات الكردية التى تناوئ منذ فترة الجيش التركى على الحدود الفاصلة، الأمر كما أعلن تليفزيون (خبر ترك) نقلا عن رئيس الوزراء التركى (بن على يلدريم) أن الجيش التركى يريد احتلال عفرين وإقامة منطقة آمنة بعمق 30 كم2 فى المدينة.

هذا هو الهدف الاستراتيجى، وما عداه تفاصيل، طبعا هذا ما يريده (النظام التركي)، لكن ما تريده الجغرافيا، وحقائق القوة على الأرض، ربما يكون أمرا آخرا، فى تقديرنا قد يكون (الفشل الاستراتيجي) لأسباب وحسابات عسكرية وسياسية معقدة، مما سيرتب استنزافا، طويل المدى، لقدرات، الجيش والدولة التركية، وتلك قصة أخرى.
 
 أما ما أردنا أن نتأمله اليوم، فهو محاولة ربط الماضى بالحاضر، فى قصة الأطماع العدوانية التركية الممتدة، والدائمة ضد سوريا، وهنا، لا ينبغى أن نستهين بالتاريخ ودوره فى تشكيل عقلية، شديدة الغرور، والصلف، مثل عقلية (أردوغان) ومن يلتف حوله من حزب العدالة والتنمية، ذو الميول (العثمانية) ولا نقول الإسلامية، والعثمانية كما نفهمها، (طريقة ومنهجا) وحشية وعدوانية فى غزو البلاد المجاورة وإقامة الامبراطوريات على جثث الشعوب وحضاراتها هى (طريقة ومنهج)، توظف (الدين) – الذى هو هنا الإسلام – فى لعبة السياسة والحرب، هي (طريقةومنهج) لاستعباد الأقليات والشعوب الأخرى، وهى اخيرا من ثم (طريقة ومنهج) لا تقف عند زمان بعينه لكنها تمتد لأزمنة أخرى بما فيها زماننا هذا، إنها فلسفة قائمة بذاتها – إذا جاز أن نسميها فلسفة – فلسفة للقتل ولسفك الدماء وتبرير ذلك كله باسم الإسلام وهو قطعا براء من كل هذا الإرث العثمانى الشاذ والمعادى لروح الدين وعدالته.
 
إن التاريخ ينبئنا بأن أجداد أردوغان من العثمانيين، كانوا مثله تماما، يقتلون ويذبحون ويسرقون، ويمارسون الغزو والاحتلال ثم يسمون ذلك (فتحا إسلاميا)، لقد ارتكبوا فى سوريا ومصر (والأخيرة سنتحدث عنها لاحقا فى مقال مستقل)، عشرات المذابح التى لا يقرها دين أو عقل ولذا، فإن (عفرين) كما نرى وبعيدا عن حسابات السياسة والاستراتيجية؛ هى امتداد منطقى لمذابح العثمانيين ضد الشعب السورى، من زاوية العمق التاريخى، ومن زاوية فلسفة (أردوغان) فى الغزو والعدوان واستخدام الإسلام كعنوان لتبرير ذلك، وهو منه براء.
 
التاريخ يحدثنا، وفى قلبه المرارة أن المجزرة الشهيرة التى ظلت تتناقلها ألسن الطائفة المسلمة العلوية بكل أسى وكل حزن منذ قرون، والتى أدت إلى(شبه إنهاء الوجود العلوى فى مدينة حلب) هى (مجزرة التلل)، فبعد معركة ﻣﺮﺝ ﺩﺍﺑﻖ عام (1516) م، جاء ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺳﻠﻴﻢ ﺍﻷﻭﻝ محملا، ﺑﺄﺣﻘﺎﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﻴﻦ وغيرهم من الطوائف المسلمة ودخل حلب وأعمل فيها قتلا.
 
وكان من أبرز وأشهر نتائج هذه المجزرة المروعة قيام المحتل العثمانى بصناعة تلال من جثامين الشهداء فى وسط المدينة ولذلك اشتهرت هذه المجزرة وعرفت باسم مجزرة (التلل).
 
وﻗﺪر عدد الشهداء ﺑﺤﻮﺍﻟﻲ أربعين ألفا، وقال البعض تسعين ألفا، وقيل أيضا مئتا ألف شهيد(من الرجال والأطفال والنساء وكبار السن وعلماء الطائفة العلوية) وقد سالت الدماء الزكية فى شوارع حلب كالسيل الجارف.
 
وتقع ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺘﻠﻞ قرب ﻗﻠﻌﺔ ﺣﻠﺐ ﺑــ 2 ﻛﻢ غربا، وقد جاءت ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ -كما سبق واشرنا-ﻣﻦ تلك ﺍﻟﺮﺅﻭﺱ الشريفة التى حزّها المجرمون العثمانيون أجداد أردوغان بالسيف وهم فى ذلك الفعل كانوا يؤسسون لداعش والقاعدة وأخواتهما من تنظيمات الإرهاب المسلح فى سوريا والعراق ومصر!!، وتؤكد بعض الروايات أن المحتل العثمانى قام بحرق الأطفال والنساء أحياء ووضعهم فى أفران عدرا العمالية، والذبح والسلخ وبقر البطون فى حمص وشى الرؤوس فى إدلب، وسحل الأجساد فى الرقة، وغيرها الكثير.
 
وفيما يلى نص الرسالة التى وجهها قائد الحملة العسكرية العثمانية على المناطق التى يقطنها المسلمون السوريون، إلى المجرم سليم الأول، وهى محفوظة فى مكتبة ستراسبورغ الوطنية الجامعية الفرنسية، قسم المخطوطات العربية).
((بسم الله الرحمن الرحيم.
 
ﺗﺤﻴﺎﺕ ﺇﺟﻼﻝ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ: 
ﺗﻨﻔﻴﺬﺍ لأﻭﺍﻣﺮ سعاﺩﺍت، ﻓﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﻨﻔﻴﺬ القرﺍﺭﺍﺕ والتوﺻﻴﺎﺕ، ﻭﻗﺘﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻯ سورية خاصة قرى النصيرية ﺣﺘﻰ ﺃﺩﻏﺎﻝ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﻭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻨﺴﺮ، ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺰﺭ ﻭﻭﺍﺩﻱ ﺧﺎﻟﺪ، ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺐ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻨﺼﺮ، ﻭﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﻌﺪ ﺍﻵﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺧﻠﺼﺖ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻣﻦ ﺁﻓﺔ ﻭﻋﻠّﺔ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻭﺍﺳﺘﺘﺐ دين ﺍﻹﺳﻼﻡ(«العثمانى» طبعا!! ) فى ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺸﺎﻡ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖ لهؤلاء السوريين ﺩﻳﺎﺭﺍ ﻭلن يعيشوا ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺳﻠﻴﻢ، وقد أكلت ﺑﻘﺎﻳﺎﻫﻢ وحوش الجبال وتماسيح الغاب، ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﺑﺎﻟﺮﻏﺎﺏ، والله الموفق للصواب.. لعنهم الله فى كل كتاب، ودمتم بنور الله).
 
هكذا كان أجداد أردوغان فى تعاملهم مع السوريين، اجراما يسمونه (اسلاما) وقتلا يسمونه (نصرة للدين)، فهل اختلف هو عنهم إجراما وعنفا فى (عفرين) اليوم وفى باقى الجغرافيا السورية من مذابح بأت منذ7 سنوات باسم الربيع العربى والثورة السورية !!.
هذا ويحدثنا التاريخ – أيضا – أن العثمانيين فى بدايات غزوهم المجرم لبلاد الشام فى السنوات التالية له من حكم تلك البلاد، ارتكبوا عشرات المجازر الدامية، نذكر منها: 
1 - عام 1515م استباحة حلب ومعرة النعمان أسبوعاً كاملا مما أدى إلى استشهاد 40 ألف فى حلبا، و15 ألفا فى معرة النعمان.
2 - عام 1516م استباحة دمشق ثلاثة أيام مما أدى لاستشهاد 10 آلاف شخص.
3 - عام 1516م استباحة ريف ادلب وحماة وحمص والحسكة واستشهاد عشرات الآلاف من السكان.
4 a- عام 1847م مذابح بدر خان حيث استشهد أكثر من 10 آلاف فى منطقة حكارى.
5 – 1841 – 1860م مذابح جرت بعد خروج جيش محمد على باشا من لبنان فى منطقة حاصبيا والشوف والمتن وزحلة حيث استشهد أكثر من 82 ألف لبنانى.
6 – مذابح عام 1860م: وهى أعمال عنف وقعت بين السكان فى المنطقة الممتدة بين دمشق إلى ساحل لبنان والبقاع، حيث كانت الدولة العثمانية تغذى الصراع سرا وتزيد من الشرخ القائم بين السكان بسبب وقوف المسيحيين مع محمد على باشا، وفى دمشق تم قتل 25 ألفا من السكان فى تلك الأعمال وبتحريض ومساعدة الجيش العثمانى ونهبت بيوتهم وتشردو وقتلوا وهدمت أراضيهم وبيعت ممتلكاتهم.
7 - عام 1895م مجازر ديار بكر وطور عابدين وماردين حيث استشهد أكثر من 15 ألف من الأرمن والسريان والآشوريين.
8 - عام 1909م استشهاد 30 ألف أرمنى فى أضنة على يد جيش العثمانيين.
9 - 1914 - 1916 استشهاد 600 ألف من السريان والكلدان والآشوريين فى منطقة جبال طوروس وجبل آزل وماردين والهاكارى.
10 - 1915 – 1916 م مجازر الأرمن والمقدر عدد الشهداء ما بين مليون ونصف المليون أرمنى فى منطقة ديار بكر - ارمينيا - اذربيجان - شمال العراق - شمالى حلب -الشدادة ودير الزور- الأناضول - اضنة - طور عابدين – طوروس.
11 - 1916 – 1920م مجازر السريان والكلدان والآشوريين حيث استشهد ما بين 400 - 500 ألف فى سهل اورميا، وتعرف بمذابح سيفو.
12 - 1914 – 1923م مذابح الأرثوذكس واليونان البونتيك حيث استشهد أكثر من 350 ألف وتشرد مئات الآلاف الآخرين.
هلوكوست (محرقة) الأرمن: 
هذا وتذكر لنا كتب التاريخ أن واحدة من أشهر جرائم (أجداد أردوغان) والتى لا تسقط وقائعها بالتقادم أبدا، تأتى جريمة قتل تمت نسبيا بعيدا عن الارض السورية لكنها تتواصل معها انسانيا! وهى جريمة قتل ما يقرب من مليون ونصف المليون أرمنى، فى محرقة عرفت فى التاريخ باسم جريمة (إبادة الأرمن) – ورغم أنها حدثت فى السنوات الأخيرة لحكم الدولة العثمانية (1915م-1917م) إلا أنها تظل مثالا على بشاعة ودموية أجداد أردوغان الذين يتفاخر بهم اليوم فى غيبة واضحة للمواجهة له ولإسلامه المزيف. وفى سبيل ذلك نذكر الوجه الآخر لدولته، وجه الغزو والقتل والدم وتأتى (مذبحة الأرمن) كشاهد مهم للغاية على دموية تلك الدولة العثمانية، وعلى إجرامها فى حق الأقليات، رغم ادعائها التقدم والحضارة ودعم الثورات ومحبة الأقليات وهى فى الواقع نقيض ذلك تماماً: فماذا عن تلك المجزرة ؟!
يحدثنا التاريخ أن هذه المجزرة قد حدثت فى عهد السلطان عبدالحميد الثانى، إذ إدعت الدولة العثمانية بأن روسيا قامت بإثارة الأرمن الروس المقيمين قرب الحدود الروسية العثمانية.هذا وقد زعمت الدولة العثمانية أن هذه الجماعات حاولت اغتيال السلطان عام 1905م وهو ما تؤكد كتب التاريخ كذبه.
لقد قامت تركيا بين عامى 1915-م1917 بتهجير نحو 600 ألف أرمنى لتبعدهم عن الحدود الروسية وتقطع عليهم الدعم الروسى وتم التهجير والترحيل القسرى بطرق بدائية جدا فمات من هؤلاء عدد كبير، فى ظل ظروف قاسية لتؤدى إلى وفاة عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ. ويقدر الباحثون أعداد ضحايا الأرمن بين 1 مليون و1.5 مليون شخص.وارتكبت الدولة العثمانية أثناء ذلك مجازر بحق الأرمن وقامت بإعدام المثقفين والسياسيين الأرمن والتحريض ضدهم بشكل عام وتشير إلى القتل المتعمد والمنهجى لهم خلال وبعد الحرب العالمية الأولى.وقامت الدولة بإصدار قانون «التهجير» الذى قضى بالهجرة القسرية لجميع الأرمن من الأراضى التركية، نحو سوريا، وخلال مسيرات الهجرة الجماعية وقعت أحداث موت دامى ومجازر ومآسى إنسانية سجلتها ذكريات وكتب المثقفين الأرمن وهى منشورة وموجودة على صفحات الأدب العالمى.
واليوم وفى عهد أردوغان المتفاخر بأجداده القتلة (قتلة الأرمن ومن قبل السوريين) والمصريين كما سنرى لاحقا؛ تركيا ترفض وصف الانتهاكات بالإبادة الجماعية، وتصفها بـ»المأساة» لكلا الطرفين، وتقول إن ما حدث كان «تهجيرا احترازيا» ضمن أراضى الدولة العثمانية.!!
إن ما يجرى فى (عفرين) السورية، هو عينه ما جرى فى (التلل) ومع (الأرمن) وغيرهم من أهل تلك البلاد، ومثل هذا السلوك لأردوغان ونظام حكمه ومن يتحالف معه من مرتزقة (يسمونهم بالجيش الحر!!) ومن دعم أمريكى غير مباشر، لا يرد عليه، سوى، بالمقاومة والصمود، فهذا الرجل مسكون بمرض عثمانى عتيد، اسمه الدم والغزو وتزييف الإسلام، وعلاج هكذا مرض لا يكون عادة ببيانات الشجب، والإدانة، والوقوف على الحياد، بل بالمقاومة والقتال، وكما كان يقول القدماء (آخر العلاج الكي) أى المواجهة بالنار، ونحسب أن هذا هو السبيل الوحيد – رغم قسوته – تجاه هذا المتغطرس (العثماني) الذى يريد إعادة مجد جده (سليم الأول) على جثث الشهداء السوريين !! 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق