اثيوبيا من الداخل

السبت، 17 فبراير 2018 03:48 م
اثيوبيا من الداخل
إيهاب عمر يكتب:

أعلن رئيس الوزراء الاثيوبي هايلي مريم ديسالين استقالته بشكل مفاجئ يوم الخميس 15 فبراير 2018، على وقع أزمة سياسية داخلية بالإضافة الى الانتفاضة الشعبية الجارية منذ عام 2015، والتي أوقعت ما يصل الى ألف قتيل حتى الان بالإضافة الى مئات المعتقلين.
 
ولقد حاول البعض بإصرار الجاهلية ان يربط بين الاستقالة والدور المصري سلباً او ايجاباً، ففي بادئ الامر حاول البعض الإيحاء ان لمصر يد ما في استقالته وهو امر غريب ويتماهى مع الأسطوانة الصهيونية التي يرددها البعض بان مصر تعبث بأمن واستقرار اثيوبيا، تلك الابواق المصرية اسماً والصهيونية فعلاً، الذين يدعون دعمهم لمصر وهم طابور خامس اخواني لا اكثر، سبق وان تسببوا في ازمة دبلوماسية بين مصر واثيوبيا حيث تحججت اديس ابابا بأن هنالك منشورات "امنية" عبر وسائل التواصل الاجتماعي تشير الى تورط مصر في دعم التظاهرات الاثيوبية، وردت مصر بالنفي.
 
ولاحقاً تسببت ادعاءات بعض الإعلاميين والصحفيين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي بأنه البحرية المصرية قادرة على حسم ملف القاعدة التركية في سواكن السودانية وسد النهضة الاثيوبي الى عقد قمة ثلاثية بين حكام مصر والسودان واثيوبيا ليعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي رؤية مصر واضحة وصريحة اننا لن نذهب لحروب مع اثيوبيا والسودان.
 
ولما وجد البعض صعوبة في الربط بين مصر واثيوبيا وتحويل استقالة رئيس وزرائها الى انتصار مزيف ما، وتبعاً لنظرية لو الامر ليس مفهوماً بما يكفي دس قطر في جملة مفيدة، وهكذا خرجت ديباجات اخري تشير الى ان قطر تقف خلف الاستقالة بعد ان توافق رئيس الوزراء المستقيل مع مصر في القمة الثلاثية الأخيرة باديس ابابا.
 
وأيضا كانت تلك الآراء الانهزامية هي الهراء بعينه، إذا كانت مصر لا تمتلك القدرة على اجبار رئيس وزراء اثيوبيا على الاستقالة فهل تمتلك قطر ذلك !، فلا تمتلك الدوحة هذا النفوذ الأسطوري الذي يعزف الحانه بعض مدعي تأييد الوطن.
 
والحاصل ان الازمة الداخلية في اثيوبيا اعقد من أسباب انتفاضة 2015 الجارية، او الأسباب المحلية – الى جانب عوامل خارجية تستهدف مصر والسودان – لسد النهضة الذي بدأت اثيوبيا في التخطيط له منذ عام 1955 على وقع ازمة اقتصادية ومعيشية جعلت 10 % فحسب من شعب اثيوبيا اليوم يحظى بالكهرباء بشكل لائق، اذ ان أسباب ازمة اثيوبيا الداخلية تعود الى عام 1991، حينما انتهت الحرب الاهلية الاثيوبية (1974 – 1991) واسقطت النظام الماركسي الموالي للاتحاد السوفيتي.
 
المعارضة المسلحة تحت مسمي الجبهة الديموقراطية الثورية الشعبية الاثيوبية، والتي تعرف اختصاراً بالجبهة الديموقراطية الحاكمة حتى اليوم في اثيوبيا وان كانت قد حظيت بدعم أطراف غربية وعربية، الا انها لم تكن بعيدة عن الفكر الشمولي الماركسي، ولم يكن الكثير من رجالاتها يفكر فيما هو ابعد من إعادة تقسيم كعكعة الفساد في اثيوبيا، بعد إرضاء المجتمع الدولي بإيقاف المجازر حيال الشعب وإطلاق سراح السجناء والموافقة على استفتاء لتقرير مصير إقليم اريتريا والسماح للإقليم بالاستقلال.
 
تتألف الجبهة الديموقراطية من منظمة اورومو الديمقراطية الشعبية وحركة امهارا الديمقراطية الوطنية والحركة الديمقراطية الشعبية الاثيوبية الجنوبية وجبهة تحرير تيجراي.
 
وكما هو ملاحظ فأن كل حركة في الجبهة تمثل عرقية تعيش في اثيوبيا، وتحديدا الأمهرة والاورومو والتيجراي، العوائد الاقتصادية للنمو المتواضع في البلاد لا تتقاسم على نطاق واسع خارج الطبقة التجارية الغنية والمقربين من الحزب الحاكم فحسب، والحزب الحاكم بدوره يضم شركاء غير متكافئين، والأخطر ان السيطرة الفعلية ذهبت الى عرقية التيجراي وهي اقلية مقارنة بعرقية اورومو وامهرة، وهكذا وقعت اثيوبيا في فخ تعيشه اغلب دول افريقيا، بأن تحكم اقلية عرقية وبالتالي لا تجد غير القمع واخماد الاضطرابات سبيلاً للحكم.
لم تحصل أقاليم اثيوبيا التسع على حقها المسلوب في التنمية والثروة، بل سعت كل حركة في الحزب الحاكم الى مصادرة حصة كل إقليم لصالحها فحسب، نصيب الامهريين لم يذهب لإقليم امهرة بل الى الساسة الامهريين في الحزب الحاكم، وهكذا.
 
ظنت شعوب اثيوبيا في بادئ الامر ان التقسيم العرقي في الجبهة الحاكمة وإعلان النظام الفيدرالي تحت مسمي جمهورية اثيوبيا الديموقراطية الفيدرالية سوف يعطى لكل منطقة حقوقها التاريخية والإنسانية، ولكن ذهبت أحلام الحرية والرخاء الاقتصادي التي وصلت الى عنان السماء عام 1991 بإزاحة الديكتاتورية الشيوعية الى نفق مظلم على ضوء قمع السلطات الاثيوبية لانتفاضة 2005 على ضوء تشكك المعارضة حيال نتائج الانتخابات البرلمانية ثم انتفاضة 2015 التي لم تنتهي بعد.
 
ظن البعض ان قائد انتصار 1991 ميليس زيناوي المنتمي الى عرقية التيجراي هو المشكلة وانه عقب وفاته عام 2012 سوف يعاد تقسيم الكعكة ولكن خليفته هالي مريم ديساليجني – رغم انه لم يكن امهري او تيجراي بل ينتمي الى عرقية ولايتا الجنوبية ولم يكن ارثوذكسيا كما الحال مع اغلب مسيحيي اثيوبيا بل ينتمي الى الكنيسة الاثيوبية الرسولية – فشل في احداث التغيير المنشود الذي آمل الشعب الاثيوبي ان يحصده عقب وفاة زيناوي.
 
اذن نحن امام احتقان سياسي وعرقي وغياب توزيع عادل للثروة والتورط في مشاريع إقليمية تركية وقطرية وإسرائيلية تزيد الاحمال السياسية على اديس ابابا دون داعي، ومن يظن ان الفوضى في اثيوبيا لصالحه هو واهم، فالفوضى في اثيوبيا سوف تفتح الباب امام تدخل عسكري أجنبي تحت ذريعة حفظ السلام وان تجد قوات دولية على ضفاف النيل الأزرق، الفوضى في اثيوبيا سوف تجعل ميلشيات اخوانية تحت مسمي ولاية الحبشة او دولة الإسلام في الحبشة تسيطر على منابع النهر، فلا فائدة من أن يتأوه مصري واحد فرحاً بأي فوضى في اثيوبيا.
 
واثيوبيا الحديثة تأسست على يد الامبراطور هايلى سيلاسي الأول الذي حكم ما بين عامي 1916 و1974، وهو محرر اثيوبيا واريتريا من الاحتلال الإيطالي في حملات عسكرية استمرت ما بين عامي 1941 و1943، ثم انتزع من البريطانيين الذين ساعدوا اعترافاً بسيادة اثيوبيا غير المنقوصة عام 1944.
 
وادي طول الحكم وغموض المستقبل السياسي في ظل عدم وجود وريث قوي للحكم بالإضافة الى الارتفاع غير المسبوق وقتذاك في أسعار وسائل الطاقة على ضوء ارتفاع أسعار النفط بسبب قطع العرب امدادات النفط حول العالم ابان حرب أكتوبر 1973، كلها عوامل عجلت بثورة شعبية في 18 فبراير 1974، وفى 12 سبتمبر 1974 قامت خلية شيوعية داخل الجيش الاثيوبي بالتحرك وخلع الامبراطور واسقاط النظام الامبراطوري وإعلان قيام جمهورية اثيوبيا الديموقراطية الشعبية وذلك بقيادة رئيس اركان الجيش أمان ميكايل أندوم (1924-1974) الذى اصبح أول رئيس لأثيوبيا.
 
الرئيس الأول أمان ميكايل أندوم مكث في الرئاسة ما بين سبتمبر ونوفمبر 1974 فحسب، حيث اشتعلت الخلافات بين أعضاء المجلس العسكري الحاكم، أندوم المولود في السودان لأسرة من اريتريا كان يرى حلاً سلمياً لقضية اريتريا وعدم اللجوء لخيار إعدام الوزراء السابقين، بينما أعضاء المجلس الحاكم سارعوا الى تنفيذ تصفيات بحق العناصر الأمنية والعسكرية الموالية للإمبراطور، ثم البدء في اعدامات ومقابر جماعية للمعارضة بالسجون.
 
وحاول أندوم تجميع موالين له داخل الجيش بلا جدوى، ثم اشتعلت المواجهة العسكرية بينه وبين منجيستو هايلى مريم الحاكم الفعلي لأثيوبيا منذ ثورة 1974 حتى خلعه عام 1991، وهكذا تمت تصفية اول رئيس بعد الثورة.
 
تولى منجيستو هايلى مريم الرئاسة مؤقتاً لبضعة أيام قبل تعيين العميد تفاري بنتي رئيساً للدولة لتشهد اثيوبيا ثالث رئيس عام 1974، ولكن الأخير لم يكن على وفاق مع مريم الذي راحت شعبيته تتضخم في الشارع، وهكذا بحلول 3 فبراير 1977 تم اعتقال الرئيس واعدامه مع زمرة من رفاقه رمياً بالرصاص وتولى مريم الرئاسة حتى عام 1991.
 
سارع الاتحاد السوفيتي وكوبا وألمانيا الشرقية بدعم النظام الشيوعي في اثيوبيا، خاصة ان موسكو كانت على خلاف حاد مع الرئيس أنور السادات في مصر وخلاف هادئ مع الرئيس جعفر النميري في السودان، وبدأت اثيوبيا في مناوشات سياسية مع القاهرة والخرطوم.
 
لم تصمت واشنطن والقاهرة على الوجود السوفيتي في اديس ابابا، وسارعت واشنطن لتحريض الصومال على بدء الحرب حيال اثيوبيا، ولكن السلاح والمستشارين العسكريين السوفييت امنوا لأثيوبيا انتصار عسكري هام على الصومال، ثم قمع مريم إقليم اريتريا وإقليم تيجراي.
 
عاشت اثيوبيا حرباً أهلية ما بين عامي 1974 و1991 حيث قامت دول غربية وإقليمية بتسليح المعارضة للتخلص من النظام الموالي للسوفييت، وقتل خلال الحكم الماركسي اللينيني الشيوعي الموالي للاتحاد السوفيتي وكوبا في اثيوبيا ما لا يقل عن نصف مليون انسان، وقد اتهم مريم كلاً من مصر والسعودية بالوقوف خلف الثورة الشعبية التي طالبت برحيله، وحينما زادت الاضطرابات الشعبية والخلافات داخل المؤسسة العسكرية قام مريم بتسليح الشعب خاصة الفلاحيين والعمال واطلق عصر الإرهاب الأحمر في الشوارع، واجتاحت المجاعة اثيوبيا ما بين عامي 1983 و1985 لتحصد أرواح مليون مواطن اثيوبي.
 
انهار الاتحاد السوفيتي وأصبحت المعارضة الاثيوبية المسلحة على أبواب قصور مريم، قدم استقالته وفر الى زيمبابوي في 21 مايو 1991وما هو الا أسبوع وكانت الجبهة الديموقراطية المعارضة تدخل العاصمة اديس ابابا.
 
تولى – نائب الرئيس الهارب – تسفاي جيبر كيدان الرئاسة حتى 27 مايو حيث سلم الحكم لزعيم المعارضة ميليس زيناوي ليسقط الحكم الشيوعي في اثيوبيا والديكتاتورية مع سقوط الاتحاد السوفيتي ولا يزال منجيستو هايلى مريم (مواليد 1937) يعيش حتى الان في منفاه وسط أجواء فخمة بل وقدم بعض المساعدات السياسية للرئيس روبرت موجابي.
 
تولى زيناوي - المنتمي لجبهة تحرير شعب تيجراي المنضوية تحت الجبهة الديموقراطية – رئاسة اثيوبيا ما بين عامي 1991 و1995، ثم أصبحت اثيوبيا جمهورية برلمانية والصلاحيات تتركز في منصب رئيس الوزراء وادي زيناوي اليمين الدستوري رئيساً للوزراء حتى وفاته، ولأثيوبيا رئيس دولة لديه بعض الصلاحيات.
 
وتاريخياً نشأت مملكة داموت ثم مملكة أكسوم على ما يعرف اليوم بــ اثيوبيا واريتريا، ولم تسمى هذه الدولة بـ اثيوبيا الا في القرن العاشر ميلادياً، ولكن المصطلح ذاته ابتكر على يد القدماء اليونانيين، وكانوا لا يقصدون به اثيوبيا اليوم بل صعيد مصر والسودان وشرق افريقيا، لذا تجد في بعض كتب التاريخ اليونانية إشارة الى مملكة كوش الواقعة بين مصر والسودان والتي يطلق عليها البعض مملكة النوبة باعتبارها اثيوبيا.
 
العرب ايضاً أطلقوا مسمي اخر على هذه المنطقة غير اكسوم الاسم الذى عرفت به لألف عام تقريباً، الا هو اسم الحبشة، واصله حبش او حبشت وهى قبيلة يمنية هاجرت من اليمن الى اثيوبيا عبر البحر الأحمر ويبالغ بعض العرب والمؤرخين في نسب الثقافة الاثيوبية الى هذه القبيلة التي دمجت في الداخل الاكسومي – الاثيوبي اليوم – وظل العرب – وتالياً المسلمين – يطلقون على هذه المنطقة الحبشة حتى منصف القرن العشرين.
 
والملاحظ ان اليونانيين نظرا الى الاثيوبيين باعتبارهم مجموعتين، الأثيوبيين الشرقيين وموطنهم الأصلي مهاجرين من الجزيرة العربية وسوريا الكبرى وصولا الى الهند، والاثيوبيين الغربيين قادمين من مصر والسودان.
 
ومن ضمن التراجم اليونانية القديمة الخاطئة للإنجيل ان اليونانيين ترجموا كوش الى اثيوبيا وهكذا في الانجيل نرى اثيوبيا جزء من جنوب مصر وشمال السودان وهى بعيدة عن اثيوبيا الحقيقية في شرق افريقيا، والتي كانت وقتذاك تعرف باسم مملكة اكسوم، وفى القرن السادس ميلادياً في مملكة حمير اليهودية، قام حاكمها يوسف بن شراحبيل (468 –527) ويعرف كذلك بإسم ذو النواس الحِميَّري بمحرقة نجران المروعة حيال المسيحيين، وقد روع العرب جراء هذه المذبحة القاسية وخلدت الحركة الأدبية العربية هذه المحرقة رغم ان بعض المؤرخين يحاولون في عصرنا الراهن الادعاء ان مسيحيو نجران اسطورة وان هؤلاء كانوا وثنيين او ان المسيحيين في نجران كانوا جيوش غازية من اكسوم ولكن كل هذه الاقاويل مردود عليها تاريخياً.
 
والحاصل انه حينما قامت حمير بمحرقة المسيحين، هبت اكسوم المسيحية بدعم من امبراطورية بيزنطة وشنت حملة عسكرية على حمير اسقطت الحاكم اليهودي، وبعد ان نصبت حاكماً مسيحياً موالي لها على حمير، قام الضابط الاكسومي آبراهموس او كما لقبه العرب ابرهة الحبشي بالسيطرة على الجيوش الاكسومية في اليمن وشن حملة عسكرية على مكة، فلم يكن آبراهموس ملكاً لاكسوم او الحبشة كما ظن العرب.
 
وتكشف الدراسات الحديثة ان حملة آبراهموس على مكة لم تكن أطماع شخصية فحسب او بالتنسيق مع بيزنطة، ولكن آبراهموس راسل ايضاً امبراطورية روما وحصل على مباركة البابا فيما يعتبره بعض المؤرخين في العصر الحديث اول حملة صليبية في التاريخ لمحو ما راه المسيحيين في بيزنطة وروما وقتذاك بيت اوثان يحج اليه البشر في جزيرة العرب.
 
استطاع آبراهموس بالجيش الاكسومي في الجزيرة العربية ان يسيطر على أجزاء من اليمن والحجاز ويصل الى محيط الكعبة في مكة، ثم جرت الرواية الشهيرة برفض الافيال التقدم وقيام الطيور بقصف جيوش آبراهموس حتى فشل في مبتغاه واختفى من كتب التاريخ.
ومسيحيو اثيوبيا ظلوا يتبعون الكنيسة القبطية المصرية حتى عام 1974 يوم اتى النظام الشيوعي، والهضبة الاثيوبية هي مصدر 70 % على الأقل من مياه النيل الأزرق التي تصب في نهر النيل المصري، وفى ثمانينات القرن العشرين حينما ناقض الكونجرس الأمريكي خطة برنار لويس لتقسيم الشرق الأوسط، اغلب العرب ركزا على مخططات تقسيم المنطقة العربية دون التنبه الى ان لويس طرح دولة مستقلة للأقباط الاثيوبيين على امل تشجيع اقباط مصر على دولة مماثلة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة