تاريخ ملف الغاز المصري الإسرائيلي

الأربعاء، 21 فبراير 2018 01:43 م
تاريخ ملف الغاز المصري الإسرائيلي
إيهاب عمر يكتب :

بعض الحروب ممن يظنها البعض حروب دينية، هي في واقع الامر حروب للسيطرة على معابر تجارية، وبعض الحروب التي يراها البعض جنون السيطرة من بعض الحكام او مؤامرات ماسونية ما هي الا نزاعات للسيطرة على مصادر الطاقة.

وفى هذا الإطار يمكن القول ان تشجيع الغرب لثورات الربيع العربي يحمل وجهاً متعلق بمصادر الطاقة، اذ حينما تنظر الى خارطة الربيع العربي سوف تجد مصر وتونس وليبيا وسوريا والمغرب والجزائر ولبنان، والتي اثبتت الدراسات بداية الالفية الجديدة ان سواحلها تحتوي على اكبر مصادر للغاز في العصر الحديث، واذا ما اكملنا التأمل في خارطة الربيع العربي حيث البحرين واليمن لوجدنا دولتين من اهم مصادر النفط في العالم.

الاكتشافات المصرية الجارية اليوم في مجال الغاز ليست مفاجئة الا للشعوب، ولكن الساسة والخبراء وبعض مصادر المخابرات يعرفون انها موجودة منذ عشر سنوات تقريباً، وقد كتبت هذا الكلام في يناير 2014 في كتاب "أمريكا والربيع العربي" من قبل ظهور اغلب تلك الاكتشافات، بل ويمكن القول اليوم ان اكتشافات ليبيا من الغاز الطبيعي سوف تكون أقوى من الملف المصري، على ان تأتي سوريا في المرتبة الثالثة وهي الدولة التي لم تفتح ملف التنقيب عن الغاز بشكل جاد حتى الان.

تجارة الغاز حول العالم تسيطر عليها بضعة شركات كبري فحسب، هذه الشركات أقوى من الدول، لديها أجهزة استخبارات خاصة بل ولديها القدرات المالية على التعاقد مع الشركات العسكرية الخاصة للحصول على جيوش معدة على اعلى مستوي بعتاد وتدريب لا يتوفر لأغلب دول العالم، والهدف هو الحفاظ على شبكة مصالح هذه الشركات وقت الحاجة إذا ما دعت الفوضى في منطقة ما او العكس، التدخل لفرض الامن والسلام لصالح أطراف بعينها.

وفى هذا الإطار تلعب قطر دور كبير بمواردها الغازية، ووجدت الدوحة ان استخدام ملف الغاز في رحلة الصعود الإقليمي والدولي في الشرق الأوسط هو الحل الأمثل، لذا سعى حمد بن خليفة آل ثاني عشية انقلابه على والده الى التواصل مع إسرائيل، وعرض تصدير الغاز القطري لإسرائيل في محاولة لإيجاد دعم صهيوني للصعود القطري في المحافل الدولية.

هكذا لعبت وعود حمد حيال ملف الغاز، الى جانب وعود اخري واعداد امريكي كامل لانقلابه وصعود المرتقب وقتذاك دوراً هاماً في رسم دور قطر وحمد واسرته في مستقبل الشرق الأوسط على النحو الذي رأيناه لاحقاً.

تحركت مصر سريعاً لقطع الطريق امام هذه اللعبة، وكانت فكرة تصدير الغاز المصري الى إسرائيل بسعر اقل من اهم استراتيجيات قطع التعاون بين قطر وإسرائيل وإيجاد دعم إسرائيلي للأجندة القطرية وإيجاد دعم قطري للأجندة الإسرائيلية، وكانت فكرة اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية هو انه كما تتحكم روسيا اليوم في العديد من الملف داخل أوروبا بملف الغاز بل ان ملف الغاز تحديداً كان أولى بوابات عودة روسيا الى دورها الدولي المفقود منذ الانهيار السوفيتي فأنه مصر قادرة خلال سنوات على ان تتحكم في الكثير من ملفات الشرق الأوسط وليس إسرائيل فحسب عبر تحكمها في ملف الغاز في المنطقة واولهم التصدير لإسرائيل.

هكذا أتت اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل في سنوات مبارك الأخيرة، لقطع الطريق امام النفوذ السياسي لملف الغاز القطري وقطع الطريق امام تنسيق قطري إسرائيلي في قضايا المنطقة عبر هذا الملف.

لذا لا عجب ان نري الملثمون القادمون من قطاع غزة الفلسطيني حيث السيطرة الحمساوية الاخوانية وقد أدمنوا تفجير خط الغاز المصري الى إسرائيل، وذلك بتكليف من قطر وتركيا لتصفية الدور المصري السياسي في ملف الغاز في الشرق الأوسط.

وفى الواقع ان هنالك وجه آخر اخطر بكثير لعمليات النسف الجارية في سيناء منذ عام 2011، حيث قام الرئيس مبارك مع الملك الأردني عبد الله الثاني بافتتاح الخط العربي في 27 يوليو 2003 ، حيث جرى بالفعل تدشين خط نقل الغاز الطبيعي المصري من طابا الي محطة كهرباء العقبة الحرارية بالأردن، وهو ما يعرف بخط الغاز العربي، على ان ينقل الغاز عبر الأراضي الأردنية الى ميناء بانياس السوري إضافة الى العراق، ثم الي معمل تكرير الزهراني في لبنان ثم قبرص، على ان ينطلق عبر الأراضي السورية الى تركيا ثم رومانيا، لتصبح تركيا بوابة الغاز المصري الى أوروبا.

ورغم ان الحكومة التركية تبدلت عام 2003، الا ان زعماء تركيا الجدد رجب طيب اردوجان وعبد الله جول لم يكن لديهم اى خلافات تذكر مع مصر وقتذاك، فهي خلافات لم تشتعل الا يناير 2011 حينما تم تكليف تنظيم الاخوان الدولي بعمليات ابان الربيع العربي.

ولكن خلال سنوات ما قبل الربيع العربي فأن الغرب سعى الى وضع عراقيل امام مشروع خط الغاز العربي، فحكومات ما بعد الغزو الأمريكي للعراق جمدت المشاركة العراقية، والتوترات اللبنانية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2004 فعلت الامر ذاته، كما ان اردوجان بدوره لعب دور ماكر في تباطؤ المفاوضات المصرية التركية في هذا الملف، وفى نهاية المطاف حينما دقت ساعة يناير 2011 كان ما تم من المشروع هو ما بين مصر والأردن فحسب.

وربما لا يعلم اغلب المصريون ان اغلب التفجيرات التي جرت في سيناء كانت تتعلق بالخط العربي مع الأردن بأكثر مما تم مع إسرائيل.

ومع اشتعال الربيع العربي وتفهم اردوجان وحمد ان هذه هي اللحظة الحاسمة للقضاء علي الدول الكبرى في المنطقة لصالح صعود مشروع قطر الاخواني ومشروع تركيا العثماني وكلاهماً وجهان لعملة واحدة هي إرهاب الإسلام السياسي، اصبح من المحروم على انقرة والدوحة المشاركة في أي مشاريع ترعى صعود الدور السياسي للغاز العربي سواء مصر او ليبيا او سوريا او لبنان.

فشل مشروع مد أنبوب غاز قطري عبر سوريا الى البحر المتوسط او الأراضي التركية وذلك بعد ان تدخلت روسيا عسكرياً في سوريا لمنع هذا التطور، لأنه روسيا تتحكم في امداد أوروبا بالغاز ولم تسمح لدولة مثل قطر تمول الإرهاب الإسلامي في الشيشان وبعض الجمهوريات الإسلامية في روسيا بان تنافس موسكو في هذا الملف.

وهكذا لم يعد امام تنظيم الاخوان في تركيا وقطر الا إيجاد بديل في حوض البحر المتوسط قادر على منافسة مصر تحديداً التي كانت أولى دول الربيع العربي التي تستفيق من الفوضى وتنتشل من بحر المتوسط أولى ثرواتها في قطاع الغاز.

ونظراً لان مصر في الساعات الاولي لثورة 30 يونيو 2013 مدت اتصالاتها باليونان وقبرص، ليؤسس الرئيس عبد الفتاح السيسي محور شرق المتوسط وهو اهم محور ودائرة سياسية ناجحة في العصر الحديث، فأنه لم يعد امام اخوان تركيا وقطر الا إسرائيل للتعاون معها وخلق منافس بديل لمحور شرق المتوسط عموماً ومصر خصوصاً في ملف الغاز.

وهرول رجب طيب اردوجان الى بنيامين نتنياهو يقترح مد أنبوب للغاز عبر مياه البحر المتوسط، لتصبح تركيا بوابة الغاز الإسرائيلي الى أوروبا، وهكذا يكسب اردوجان الإطاحة بالدور المصري السياسي والاقتصادي في ملف الغاز من جهة ومن جهة اخري يتلقى دعماً صهيونياً امام عواصف تزأر بين الحين والأخر في وجهه داخل واشنطن التي تبرمت في عام أوباما الأخير من فشله في تحقيق المطلوب خلال الربيع العربي، الى رفض ترامب الاعتماد على تركيا الإسلامية كما فعل أوباما.

مصر بجانب محور شرق المتوسط لديها اتصالات قوية مع إيطاليا على ضوء عمل شركة ايني الإيطالية في مصر إضافة الى روسيا على ضوء التنسيق السياسي المميز بين البلدين، ما يجعل تحركاتها في ملف الغاز تحظى بدعم وتنسق دولي.

رأت القاهرة ان احتواء إسرائيل في ملف الغاز سوف يقطع الطريق امام تركيا، تماما كما كان احتواء إسرائيل في ملف الغاز في سنوات مبارك قد قطع الطريق امام قطر، واذا كانت إسرائيل بالأمس دولة مستوردة وقد تم تصدير الغاز اليها ما عرقل المخطط القطري فانه اليوم إسرائيل دولة مصدرة يمكن دمج انتاجها في رحلة تحويل مصر الى مركز عالمي للطاقة ما يعرقل المخطط التركي.

الغاز عقب استخراجه من الحقول يتعرض للمرحلة الاولي الا وهىالمعالجة والثانية التبريد والثالثة التسييل والرابعة التخزين والتحميل والخامسة النقل والتسويق.

في حوض البحر المتوسط لا يوجد دولة عربية لديها محطات تسييل للغاز باستثناء مصر والجزائر، ونظراً لبعد الجزائر عن شرق المتوسط تصبح محطة دمياط التي أنشأت عام 2004 ومحطة إدكو عام 2005 هما الملاذ الوحيد لتسييل كافة اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط سواء إسرائيل او لاحقاً لبنان وسوريا وقطاع غزة أضافة الى قبرص.

تم الاتفاق بالفعل مع إسرائيل وقبرص، لتصبح مصر بوابة الغاز الطبيعي في كلا البلدين للتصدير الى أوروبا، وهكذا تم قطع الطريق امام تركيا في هذا الملف الى ان يجد جديد يستدعي تحرك مصري جديد.

الاتفاقيات الأخيرة التي جرت في هذا المضمار والمعلن عنها في فبراير 2017 كانت اتفاقيات تسييل الغاز وليس استيراد الغاز، ولكن لان نتنياهو يواجه انتفاضة شعبية حقيقية منذ عام 2011 الى جانب تفجر فضائح الفساد في حكومته، واسقاط سوريا لطائرة إسرائيلية أمريكية الصنع ما اهدر الكرامة العسكرية لإسرائيل، واخيراً التوتر الحاصل في المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة الى حد جعل ديفيد فريدمان السفير الأمريكي في إسرائيل يصرح يوم 18 فبراير 2018 ان أي اخلاء جماعي للمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية سوف يشعل حرباً أهلية في اسرائيل، جعل نتنياهو يستغل الاتفاق وتحويله الى نصر تاريخي اقتصادي مدوي بأرقام خيالية، اذ لو كان الاتفاق متعلق بتصدير وليس تسييل الغاز فكيف تحصل إسرائيل من مصر على 15 مليار دولار وهو رقم يفوق احتياج مصر من الغاز ولا ننفق في مصر هذه الأرقام حتى في سنوات ما قبل ظهور حقل ظهر وباقي حقول الدلتا وبورسعيد!

بالطبع لا يزال امام إسرائيل القدرة على منافسة مصر في الأسواق الدولية بل وحتى الان لا يزال شبح الانبوب الإسرائيلي عبر تركيا قائماً، ولكن تلك الخطوة للسيطرة على "المنافس الاسرائيلي" في ملف الغاز، وقطع الطريق امام تنسيق سياسي قبل ان يتعلق بملف الطاقة بين إسرائيل وتركيا كان خطوة استراتيجية هامة للغاية في حرب الغاز الوجه الآخر لحروب الربيع العربي منذ يناير 2011 لليوم.

بقى ان نشير الى نقطة اخري هامة للغاية، ان قبرص لديها علاقات مميزة للغاية مع إسرائيل، وتنسق معها في كل كبيرة وصغيرة حيال ملف الغاز، لان بعض الخبراء الاستراتيجيين في الصحف المصرية حقنوا العقول بان حلف شرق المتوسط يشكل صداعاً لإسرائيل كأنما قبرص واليونان على غير وفاق مع تل ابيب، والواقع عكس ذلك هو صداع في رأس تركيا وايران التي كانت تأمل في دخول حلبة تصدير الغاز الى أوروبا، ولكن إسرائيل ليس لديها مشاكل حقيقية مع حلف شرق المتوسط بل وهنالك اتفاق مبدئي ان تقوم قبرص بتصدير الغاز الإسرائيلي الى أوروبا وبالتالي تخسر تركيا اجندتها في هذا المضمار.

بل ان قبرص اقترحت عام 2017 انضمام الأردن وإسرائيل الى حلف شرق المتوسط، والبعض اقترح إيطاليا على ضوء تنسيقها مع مصر في ملف الغاز إضافة الى لبنان، وبالتالي فأنه يجب ان نفهم استراتيجية حلف شرق المتوسط في الاطار الذى صنع له من محاصرة لتركيا ودورها وتهديدها العسكري لبعض حقول النفط في شرق المتوسط، إضافة الى سعى قطر وايران لدخول هذا السوق، وأخيرا ً قطع الطريق امام تركيا ان تصبح بوابة إسرائيل لسوق الغاز الأوروبي ولو حدث فأنه قبرص افضل كثيراً حيث تصبح كافة ملفات إسرائيل في قطاع الغاز مفتوحة امام صانع القرار السياسي في مصر سواء داخل حلف شرق المتوسط او عبر التنسيق مع قبرص، وهو امر من المستحيل ان يتوفر لمصر حال انحصار ملف الغاز الإسرائيلي في يد تركيا.

انها حرب حقيقية في زمن أصبحت العنتريات الاذاعية امراً مثيراً للسخرية على ضوء ان تصدر من نشطاء ادمنوا التطبيع مع نشطاء إسرائيليين في أجواء بهيجة بالمؤامرات الدولية التي لا تؤمن لمصر أي حق من حقوقها في الغاز او البترول او تأمين صعود دورها الإقليمي والدولي لضمان حق الشعب في العيش الكريم المشترك، او ان تصدر هذه العنتريات من دول تنفذ بل وتتسابق مع إسرائيل ذاتها لتنفيذ اجندات صهيونية حيال مصر او ان تكون عضوة في حلف الناتو ذو السجل الاستعماري حيال أفغانستان وغيرها من دول المنطقة.

او تركيا وقطر حيث تتمدد القواعد العسكرية الامريكية والغربية بطول وعرض البلاد دون مراقبة او قدرة على حكام البلدين على فرض سيطرة اشباه دولهم على أراضيهم التي أصبحت بحكم هذه القواعد العسكرية الأجنبية أراضي محتلة محرمة على حكام انقرة والدوحة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق