مات فلان

الخميس، 01 مارس 2018 02:33 م
مات فلان
أمنية عفيفى تكتب:

 
إبن فلان.. أخو فلان.. أبو فلان.. صديق فلان.. قريب فلان.. زميل فلان.. من هو فلان؟ هل هو الجسد الفانى الذى يوضع في الأرض أم هو الروح السامية التي تعلو إلى السماء؟
 
خلقنا من جسد و روح، عنصرين مختلفين ومتضادين ومتصارعين، أحدهم من طين الأرض ويحن دائماً إليها ، و الآخر من نفخة ربانية تريد أن تعلو  إلى السماء .
يعيش الإنسان فى صراع يومى دائم بين الإثنين. الجسد المادى يحن لكل ما هو دنيوى مادى أرضى ، والروح تحن لما فيه سمو و رفعة و انطلاق و راحة و خلود.
الجسد مقيد ضعيف ، قدراته محدودة جدا، تحكمه قوانين الزمان و المكان. 
 
أما الروح فهى منطلقة جميلة لا يحكمها إلا وجودها داخل الجسد المحدود القدرات.
 
إذا أردت ان تتعرف على روحك ففكر فى أحلامك و كيف تنطلق فيها من مكان لمكان بلا حدود، تجالس في لحظة أجدادك و فى لحظة أخرى أحفادك، تنطلق وتطير من مكان لآخر بمنتهى الخفة، تجرى بسرعه الريح و تحلق طائرا في السماء، تقابل من تَرَكُوا الحياة و تأنس بصحبتهم، وترى لقطات من المستقبل وتصدم عندما تتحول لواقع. 
 
في الأحلام لا يوجد حدود لزمان و لا لمكان و لا لقدرات ،الأحلام هى عالم بلا حدود، تدرك فيه من أنت حقا، بدون هذا الجسد الضعيف المقيد. الأحلام هي منحة ربانية لتعرف أنك لست جسدا فقط، أنت روح سامية في وقت ما سيطلق لها العنان فى عالم بلا زمان و لا مكان ولا هموم و لا أحزان.
 
لا أعتقد أبدا أن المعركة الصعبة للإنسان فى حياته مع الشيطان أو مع الآخر ، بل أن أصعب معارك الإنسان داخلية فى نفسه بين هذين الإثنين.
 
الجسد يجرى وراء شهوات، ماديات، أكل، متع جسدية. يريد كل ما يزيده جمال أو قوة أو تميز.
 
أما الروح فتبحث عن كل ما يرقيها ويرفعها من قيم و روحانيات و أفكار، وهي تسمو و تعلو بكل ماهو راقى. 
 
روحك  هي أنت .. بطباعك المميزة، وسماتك المختلفة، هي أنت فى أحسن أحوالك، هى أنت بلا هموم، هى أنت السعيد، هى أنت الذي بلا خطيئة، هى أنت الذى تحبه، الذى تفضله، هي الخالدة الباقية الملازمة لك.
 
كل ما تضيفه إليها باق، كل ما تزيدها منه خالد، زكها  بما تحب وبما تريد و بما تحلم. فكل ما تريده أو تسعي أن يكون فيها سيكون وسيبقى.
 
كثيرا ما نتجاهل الروح ونسرف في الإهتمام بالجسد  ونطلق العنان لرغباته وشهواته وأطماعه و ننسى أنه فان، وللأسف كلما ازداد اهتمامنا به كلما أصبح  إدراكنا لنفسنا من خلاله، فنتعامل مع الأجساد على أنها هي الأشخاص و ننسي الروح تماما او نتجاهلها.
 
لا ينتهى هذا الصراع اليومى إلا فى اللحظة التى تنفصل فيها الروح عن الجسد.. يعود كل لموطنه.. لأصله.. الجسد يعود  الي الأرض و الروح تحلق في السماء... عندها  نقول لفظا «مات فلان». 
 
ننهار و نجزع لأننا نعتبره فناء ، فى حين أن الموت ليس فناء.. إنما خلع رداء. 
 
ماهو إلا ترك للجسد الفانى .. ذلك الجسد الذي يهرم، يمرض، يتغير، يعانى و يموت.
 
عندما يموت فلان أشفق على أمه.. على زوجته.. على أخته.. على أهله.. لا أحزن عليه أبدا. 
 
 فلان أطلق سراحه.. 
 
فلان  تحرر أخيرا من قيود الجسد وأطلق لروحه العنان في عالم بلا زمان و لا مكان و لا هموم و لا أحزان.
 
فلان لم يمت ولن يموت.. لأن الأرواح لا تفنى.. 
 
و لكنها تنتقل.. تحلق..تتحرر.. تنطلق.. وتلتقي..  إن كان الموت حقيقه..والفراق أليم.. فاللقاء يقين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة