الفكر في ميزان الفقهاء: إصلاح عند الكواكبي.. وبدعة لـ ابن تيمية

الأحد، 04 مارس 2018 10:30 ص
الفكر في ميزان الفقهاء: إصلاح عند الكواكبي.. وبدعة لـ ابن تيمية
الفكر في ميزان الفقهاء- تعبيرية
رامى سعيد

«فى كتب الأديان الكبرى إشارات صريحة أو مضمونة إلى العقل والتمييز، ولكنها تأتي عرضًا غير مقصودة، وقد يلمح فيها القارئ فى بعض الأحايين شيئًا من الزراية – (الاستخفاف) - بالعقل والتحذير منه، لأنه مضلل العقائد وباب من أبواب الدعوى والإنكار، لكن القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا فى مقام التعظيم والتنبه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة فى سياق الآية بل تأتي فى كل موضع من مواضعها مؤكدة اللفظ والدلالة » يقول عباس محمود العقاد، في كتابه «التفكير فريضة إسلامية».
 
لم تكن قضية تجديد الفكر الديني بصفة خاصة، والتفكير عمومًا بأعمال العقل على النقل، وليد الحداثة، فقد شهد القرن الثاني الهجري مناقشات فلسفية واسعة بدأتها المعتزلة بإلقاء الضوء على القضايا الفكرية الشائكة، التى نخرت فى المسائل العقائدية والفلسفية الكبري الخاصة بعلاقة القدرية الإلهية بحرية البشر؟ وعلاقة الإنسان بأفعاله؟ وحكم تكفير أصحاب الكبائر وخروجهم من الملة، وغيرها من المساءل التى يمكن اعتبارها بأنها سابقة عصرية فى الفلسفة والمفهوم الديني، إذ يقول عنها أبو عمران الشيخ، المفكر والفيلسوف الإسلامي الجزائرى فى كتابه «مسألة الحرية فى الفكر الإسلامي الحل المعتزلي»، «طالما نوقشت مسألة الحرية فى الغرب لاسيما فى القرن التاسع عشر، لكن لم يهتم أحد بمعرفة وضعها خارج أوربا على الرغم من الإعمال اللافتة التى قام بها علماء كثيرون فى الفلسفة الدينية التى عرفت باكرًا الحرية فى الفكر الإسلامي والمجادلة العقلية علم الكلام.
 
إلا أن المعتزلة، اعتزلت المناقشات الفكرية نتيجة الممارسة السياسية آنذاك لكن أثارها الفكرية امتدت إلى الفقهاء المعاصرين الذي انتهجوا مبدأ تغليب النقل على العقل كما ستبين فى فكر الكواكبي ومحمد عبده.
 
 
عبد الرحمن الكواكبي
 
«الناظر فى القرآن حق النظر، يرى أنه لا يكلف الإنسان قط بالإذعان لشىء فوق العقل، بل يحذره وينهاه من الإيمان إتباعا لرأى الغير، أو تقليد الإباء».
 
ومعني ذلك وفق ما ذهب إليه أدونيس في بحثه الثابت والمتحول بحث فى الإبداع والإتباع عن العرب الجزء الثالث، الى أن منهج الكواكبي يذهب إلى أن العقل فى الإسلام يقضى تجنب الآراء المسبقة التقليدية أو الآتية عن طريق الآباء، وبمواجهة المشكلات عقليا ببصيرة الحكمة وموضوعية البحث. هذا بدوره يؤدي إلى ترسيخ القاعدة الأساسية للتقدم – تقّدم النظر، وتقدم الحياة، وهي توفيق شؤون المسلمين على مقتضيات الزمن.
 
 
الكواكبي
عبد الرحمن الكواكبي
 
 
ويشير أدونيس إلى أن فكر الكواكبي لا ينحصر فى مسائل تحديد الهوية والمطالبة بالتحرر، وإنما يتخطى ذلك إلى رؤيا إنسانية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية تنبثق من الأصل «القرآن» وتتضمن موقفين: الأول النظر إلى النص مفتوحًا قابلا إلى التلاؤم مع واقع الحياة المستجدة وما يتطلبه التطور يقتضيه، والثاني: تجاوز المذهبية التى تأسر النص ضمن منظورها، وتحارب أى منظور آخر.
 
 
محمد عبده  

يقول الأمام محمد عبده: «ليس فى الإسلام سلطة دينية سوى الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير، والتنفير عن الشر، بل إن من أصول الإسلام، قلب السلطة الدينية، والاتيان على أساسها؛ فلم يدَعِ الإسلام لأحد بعد رسول الله سلطانًا على عقيدة أحد، ولا سيطرة عل إيمانه.
 
كان رسول الله نفسه مبلغًا ومذكرًا، لامهيمنًا ولا مسيطرًا، فهو يرى أن الحاكم فى المجتمع الإسلامي «حاكم مدني من جميع الوجوه» وأن الأمة تنصبه، وهي صاحبة الحق فى السيطرة عليه، وهي التى تخلعه إذا رأت ذلك فى مصلحتها؛ فاختيار الحاكم وعزلة خاضعان لإرادة الأمة، وليسا تابعين لحق ديني –إلهي. فليس فى الإسلام تيرقراطية، أو سلطان إلهي.
 
محمد عبده
محمد عبده
 
وفى مسألة العقل والنقل يقول الإمام: «إذا تعارض العقل والنقل، أُحذ بما دل عليه العقل»، موضحًا أن لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله، وعن رسوله من كلام رسوله، بدون وتوسيط أحد، من سلف ولا خلف.
 

الإمام الغزالي
 
يصف الغزالي الفكر بأنه «زناد نور المعرفة»، وبأن النور المعرفة الذى ينبعث منه ويغير القلب فيميل إليه ثم تنهض الأعضاء إلى للعمل بمقتضى حال القلب. 
 
محمد الغزالي
محمد الغزالي
 
ويحدد الغزالي مجالات الفكر موضوعاته فيقول إنها تنحصر فى: «المعاملة التى بين العبد وبين الرب؛ فجميع الأفكار العبد إما تتعلق بالعبد وصفاته وأحواله، وإما تتعلق بالمعبود وصفاته، وما يتعلق بالإنسان يكون إما نظرًا فى ما هو محبوب عند الله أو فيما هو مكروه، ولا حاجة إلى الفكر فى غير هذين القسمين».
 
 
محمد عبد الوهاب
 
تمسك منهج محمد عبد الوهاب الفكريين بمنهج القدريين، حيث ينطلق مذهبه فى «أحكام الأسباب»، إلى عدم إجازة أن نعد سببا إلا بالله، ولا يجوز الاعتماد على السبب، بل على المسبب المقدر. ثم لابد أن نعلم أن الأسباب مرتبطة بقضاء الله وقدره صغيرة كانت أم كبيرة.
 
 
محمد عبد الوهاب
محمد عبد الوهاب
 
فالإرادة المطلقة والتصرف المطلق لله وحده، وهكذا فإن من يتوسل أي وسيلة ليرفع البلاء النازل عليه أو ليدفع نزوله، معتقدًا أنها هى الرافعة أو الدافعة، فقد أشرك بالله الشرك الأكبر، لأنه فى هذا يقول بشركٍ مع الله فى الخلق والتدبير، ويعتمد هذه الوسيلة. كما كان له موقف واضح من الحداثة حيث رفض التعبير بالصور والتصوير الفوتوغرافى والرسم معتبرًا إياهما شكل من التقارب من الوثنية.
 
بن تيمية
 
أفتى ابن تيمية فى كثير من المساءل الدينية بحرمنيتها ووصفها بالبدع وكانت البدع عنده مشتقة من الكفر، فمن عارض الكتاب والسنة بآراء العقل أو الرجال الذين يقدمون العقل، فإن قوله يكون مشتقًا من أقوال هؤلاء الضُلَّال. وهؤلاء الذين يعارضون الكتاب والسنة بما يسمونه عقليات من الكلاميات الفلسفية ونحو ذلك إنما يبنون أمرمهم فى ذلك على أقوله مشبهة مجملة، تحمل معاني متعددة ويكون ما فيها من الاشتباة لفظا ومعني يوجب تناولها لحق باطل. 
 
تيمية
ابن تيمية 
 
فبما فيها من الحق ويقبل ما فيها الباطل لأجل الاشتباة والالتباس وهذا منشأ من ضل من الأمم قبلنا وهو منشأ البدع، فأن البدعة لو كانت باطلا محضًا لظهرت وبانت وقبلت، ولو كانت حقًا محضًا لا شوب فيها كانت موافقة للسنة، فأن السنة لا تناقض حقًا محضًا لا باطل فيه، ولكن البدعة ما تشتمل على حق وباطل.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة