من هنا تنبع أفكار داعش التكفيرية .. قصة اتهام أتباع المذهب المالكي بقتل الإمام الشافعي

الإثنين، 05 مارس 2018 05:00 م
من هنا تنبع أفكار داعش التكفيرية .. قصة اتهام أتباع المذهب المالكي بقتل الإمام الشافعي
داعش
حسن الخطيب

 
استقت داعش والتيارات الإرهابية والتكفيرية أفكارها عن القتل والتكفير باسم الدين، واستهداف المسلمين وغيرهم من عدة مصادر حيث يتوهم أعضاء التظيم الإرهابى بأن ما يفعلونه خدمة ودفاعا عن الإسلام، مستدلين على ذلك بما روته كتب التأريخ والسير وكتب التراث الأخرى، التي تروي عن الفتن التي تلت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
 
 تناولت تلك الكتب، العصور التي تلت وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، بإظهار أنها عصور مليئة بالفتن بسبب الصراع على الخلافة، ثم تمادت في تناول الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه، كما بالغت في إظهار فتنة تكفير أغلب المفكرين والعلماء والفلاسفة في العصور المختلفة، خاصة الذين كانت علومهم تسبق عقول تلك الفترات.
 
 تروي تلك الكتب عن المؤامرات التي حيكت ضد الخلفاء الراشدين، والمفكرين والعلماء والفقهاء، منها ماهو مؤصل وله سند معروف تاريخيا، ومنها ماهو مختلق ومروي بسند غير معروف، كالإسرائيليات التي دخلت على كتب التراث.
 
وتسوق الكتب في جرائم تلك العصور في حق العلماء والمفكرين والفلاسفة، جملة من الجرائم منها أسباب قتل الخليفة عمربن الخطاب، وكذلك قتل عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وقتل سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وقتل الطبري وصلب الحلاج وحبس المهري، وقتل ابن حبان، وحرق كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني.
 
كما تبرز بعضها كيف تم تكفير الفارابي والرازي وابن سينا والكندي والغزالي، وكيف جرى ذبح السهرودي، وتم تعذيب ابن المقفع ، وذبح ابن الجعد إبن درهم، وعلقت رأس أحمد بن نصر وداروا به في الأزقة، وكيف خنق لسان الدين بن الخطيب وحرقت جثته، وكيف تم تكفير بن الفارض وطرده بكل مكان، وأحرقت كتب بن حزم الأندلسي.
 
ووصل تمادي بعض الكتب الخاصة بالتراث الإسلامي، إلى حد إبراز الصراع بين المذاهب الإسلامية الأربعة، حتى وصلت إلي إتهام الفقهاء بقتل بعضهم وتعذيب اتباعهم، والدعاء على أئمة بعضهم البعض، فهل تلك الواقعة حقيقية أم تلفيق وتدليس.
كيف قتل الإمام الشافعي
 
ينقسم أهل العلم والتأريخ، إلى فريقين حول مقتل الإمام الشافعي، فيذهب فريق إلى أن الإمام الشافعي قتل علي يد أتباع المذهب المالكي، والسبب أن مذهبه كان يهدد مذهب الإمام مالك، كما أنه لم يكن يقدس كتاب "الموطأ" الذي كان قد وضعه الإمام مالك.
 
ويحكي كتاب "تحفة المحتاج" لمؤلفه  شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المكي "974هـ-1567م" أحد تلامذة الإمام الشافعي، بأن الشافعى مات من اثر الضرب فيقول "وَسَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ شَدِيدَةٌ فَمَرِضَ بِهَا أَيَّامًا ، ثُمَّ مَاتَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ سَمِعْت أَشْهَبَ يَدْعُو عَلَى الشَّافِعِيِّ بِالْمَوْتِ فَكَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَمِتْ الشَّافِعِيَّ وَإِلَّا ذَهَبَ عِلْمُ مَالِكٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ فَقَالَ تَمَنَّى أُنَاسٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْت فِيهَابِأَوْحَدِ فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلَافَ الَّذِي مَضَى تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا وَكَأَنْ قَدْ فَتُوُفِّيَ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَانَ ذَلِكَ كَرَامَةً لِلْإِمَامِ شَيْخِنَا"
 
أما حاشية البجيرمي لعلى الخطيب فيقول "وزَادَ الْبُجَيْرِمِيُّ قِيلَ الضَّارِبُ لَهُ أَشْهَبُ حِينَ تَنَاظَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَأَفْحَمَهُ الشَّافِعِيُّ فَضَرَبَهُ قِيلَ بِكَلْيُونٍ وَقِيلَ بِمِفْتَاحٍ فِي جَبْهَتِهِ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّارِبَ لَهُ فَتَيَانِ الْمَغْرِبِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْ جُمْلَةِ كَرَامَاتِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْفَى ذِكْرَ فَتَيَانِ وَكَلَامَهُ فِي الْعِلْمِ حَتَّى عِنْدَ أَهْلِ مَذْهَبِهِ ".
 
بينما يذهب الفريق الثاني بأن الإمام الشافعي مات مريضا بمرض "البواسير" الذي أصابه في آخر حياته، فكان يدمي منه بشكل شديد حتى هزل هزلا قاتلا فمات به بعد أيام، وهو الثابت تاريخيا.
 
ويروي الحافظ بن حجر في "توالي التأنيس بمعالي ابن إدريس" أن "الإمام الشافعي كان عليلاً شديد العلة و ربما خرج الدم و هو راكب حتى تمتلئ سراويله و خفه، و كان الشافعي قد مرض من هذا الباسور مرضاً شديداً حتى ساء خلقه فسمعته يقول: اللهم إن كان خيراً لي في ديني و دنياي و عاقبة أمري فأمضه و إلا فاقبضني إليك، فتوفي بعد هذه الدعوة بثلاثة أيام".
الحقيقة فين 
 
يقول الدكتور عبد المقصود باشا أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الفتنة الكبرى كانت بداية لعصور التكفير والقتل باسم الدين، فكل فرقة كانت ترى أنها الفرقة الصحيحة وماعداها من الفرق غير صحيحة، ووصل الحد إلى التكفير فيما بين الفرق الإسلامية وبعضها، وظل هذا الوضع حتى يومنا هذا، وازدادت حدة التكفير في العصور الوسطى، حتى طالت التهم ولحقت علماء وفلاسفة ومفكرين.
 
وتابع أستاذ التاريخ الإسلامي قائلا، وأما الحديث عن قتل الأئمة والفقهاء من اتباع المذاهب الأخرى ولا سيما حادثة مقتل الإمام الشافعي فهي كذبة وفرية لا اساس لها من الصحة، فقد مات الإمام الشافعي بمرض ا"لبواسير"، وما روي عن قتل تلامذة الإمام مالك للإمام الشافعي فهو من المرويات التي لا اساس لها من الصحة ولم نجد لها سندا تاريخيا، وما يروى في كتب التاريخ والسير فهو من المتواتر والإسرائيليات.
 
وشدد  بأن كل تلك القصص والخرافات التي تفتي بقتل الإمام الشافعي على يد اتباع الإمام مالك هي ملفقة ولا أصل لها، وإنما وضعت بهدف إختلاق القصص والإسرائيليات ودسها في كتب التراث لتشويه صورة الإسلام، مؤكدا بأن الإمام الشافعي كان محل إجلال وتكبير من جميع المذاهب، وكان اتباع الإمام ماك يدرسون مذهبه، وكانوا يصفونه بالمعلم، ومات الشافعي رضي الله عنه متاثرا بمرضه في آخر ليلة من رجب سنة 204 هـ، وقد بلغ من العمر أربعة وخمسين عاما.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق