فضفضة مع الاستبداد
الإثنين، 05 مارس 2018 06:40 م
مجدى أبو زيد يكتب:
لم يخبرنا التاريخ كثيرا عن حدوث عجائب في الحكم العادل للشعوب، لكنه مليء بحكايات الاستبداد والطغيان التي قد يصل منها لدرجة الغرابة.
ولن نخوض في بطون الماضي السحيق لنعرض بعض الممارسات التسلطية المزرية (ربما في مقال آخر)، لكننا سوف نذهب إلى التاريخ المعاصر لنستخلص إحدى الوقائع التي ربما تجعلنا نستلقي على قفانا لعدم معقوليتها رغم حصولها في القرن العشرين.. وربما الآن، قد تكشف كواليس التاريخ عنها في لحظة (سمر) مخلوطة بالتشفي والشماتة، فنحن في عالم اختلط فيه الماضي بالحاضر وربما بالمستقبل.
تعاظم الاستبداد في رومانيا خلال عهد نيكولاي شاوشيسكو الذي أُعدم هو وزوجته إثر ثورة عارمة في أواخر ثمانينات القرن الماضي.
وقد ورد في السيرة الذاتية للأديبة الرومانية هرتا موللر، الحاصلة على جائزة نوبل للآداب في عام 2009، أن كلمة (حقيبة) كان محظور ورودها في أي كتابات في هذا العهد، لأنها تعني (بأنك غير سعيد ولا تعترف بهذا النعيم بالتحريض على السفر والرحيل).
ولا ندري من يحاسب شاوشيسكو لو كان لديه هو نفسه (حقيبة)؟
اعتقد لو أنه كان يملكها ما تعرض لمصيره الدموي.
لم ولن نعهد سخرية عن العدل واحترام آدمية الإنسان، لكن بوسعنا أن نستدعي طرائف لا يفصلها عن الحقيقة سوى الأدلة والبراهين على حقيقتها، لكن بقليل من تأمل زمنها سنكتشف ترشحها لمقام احتمال واقعيتها وربما حدوثها فعلا.
اتفق صديق مع صديقه حين قرر العودة لبلاده في العهد الحديدي للاتحاد السوفيتي، بأنه سيخبره عن أحوال المجتمع أولا بأول، فقال له: كيف تستطيع ذلك في بلد يعد أنفاس الناس، فأجابه: عندما تكون رسالتي بالحبر الأزرق فصدِق محتواها، وإذا كانت بالأحمر فافهم الخطاب بعكس ما اكتبه تماما.
وذات مرة أرسل خطابا بالحبر الأزرق قال فيه: الجميع سعداء بالحرية التي يعيشونها، والطوابير (اختفت).. فاستغرب الصديق لما يقرأه، خاصة في عهد يكاد المرء فيه أن يستأذن سكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي (لدخول حمام بيته).. قلـّب الصديق الخطاب فوجد ملحوظة بخط رفيع تقول: الحبر الأحمر مفقود في موسكو.
الخوف من الاستبداد والذعر منه مباح، وشعور إنساني لا مفر منه، لأنه مؤذ ومهين، ويخطف من المرء شعوره بذاته.. لكن من العجيب أن التمادي في الطغيان قد يصل إلى حالة من خلق حالة من البهجة، حين يتحول الدكتاتور إلى كاريكاتور في عيون المقهورين.