سلوكيات الشارع المصري (3-1)

الجمعة، 09 مارس 2018 01:09 م
سلوكيات الشارع المصري (3-1)
دكتور حسين علي:

 

لا جدال أن بعض القوانين إنما تصدر أساساً من أجل وضع الضوابط التى تنظم علاقة أفراد المجتمع بعضهم ببعض. ونحن لدينا كثير من هذه القوانين التى لو طُبِقت لساد النظام وعمَّ الانضباط أرجاء الوطن، ولكن من المؤسف أن مثل هذه النصوص القانونية لا يتم الالتفات إليها، بل يتم في أحيان كثيرة الالتفاف حولها.

غالبية المجتمعات المتحضرة تُسَن فيها التشريعات لصون الخصوصية الفردية من أي انتهاك من قِبَل الغير، وتُوضع القوانين بغية تقييد الاعتداء على جسد الإنسان، ولولا هذا القيد لما أمكن لأي مجتمع بشري أن يستمر، لأن المجتمع سيفتقر في هذه الحالة إلى أدنى درجة من الأمن الذي بدونها سيكون أي تفكير في المستقبل عبثاً، ومن هنا فإن كوابح من هذا النوع إنما تحقق دوراً مهماً فى ضمان حرية المجتمع.

وإذا كان الضرب أو التعذيب أو القتل هو أوضح صور الاعتداء على جسـد الإنسان، فإن هناك صوراً أخرى كثيرة لهذا الاعتداء يُجَرِّمها القانون، وهى تحدث بشكل يومى على مرأى ومسمع من كل الأجهزة التنفيذية المنوط بها تطبيق القانون، ومع هذا لا يعيرها أحد التفاتاً!

لن أتحدث عن الغش التجاري في السلع الغذائية، أو عن تلوث مياه الشرب، أو عن تلوث الهواء، وكلها تمثل صوراً للاعتداء اليومي الصارخ على جسد الإنسان المصري، وإنما سوف أتحدث عن «الزحمة» وما ترتب عليها من أخلاقيات رديئة أباحت الاعتداء اليومي على أجسادنا دون رقيب أو حسيب، والأمثلة التي سنعرض لها كثيرة، وجميعها تكشف حجم الجريمة أو الجرائم التي تُرْتَكب في حق المواطن المصري!

إن الازدحام يؤثر سلباً على أخلاقنا، نحن كمصريين نعيش على ضفتي النهر تاركين كل مساحات أرضنا فارغة وخاوية من كل حياة أو عمران، ولذلك نحن مكدسون ومزدحمون وملتصقون بعضنا ببعض، وفي عبارة واحدة: «نحن شعب يعيش ويتعايش مع الزحمة» أحياناً بإرادته، وفي أغلب الأحيان، رغم أنفه. والزحمة وَلَدَت لدينا أخلاقاً رديئة!

لست ممن يعتقدون أن التردي الأخلاقي هو سمة من سمات الإنسان الشرقي، وأن حسن الخلق والتمدين والتحضر هى صفات أساسية يتحلى بها الرجل الأبيض دون شعوب العالم كافة، هذه بلا شك نظرة عنصرية، نرفضها بشدة، فضلاً عن أن الواقع وحقائق التاريخ تفندها بقوة وتكشف تهافتها.

من الممكن أن تسير بسيارتك عكس الاتجاه في أي شارع من شوارع أوروبا، لكن العقاب سيكون سريعاً ورادعاً، ليس لأن أخلاقهم هناك أعلى أو أسمى أو أرقى من أخلاقنا، ولكن مرد ذلك هو أن القانون يُطَبَق هناك فوراً وعلى الجميع، أما الأوضاع في مصر فهى مختلفة، تنتشر حالات سير السيارات عكس الاتجاه، ليس لأن أمهاتنا تلدنا بدون أخلاق أو معدومي الأخلاق.. كلا، ولكننا اعتدنا على عدم احترام القانون، ووجدنا المسؤولين في بلادنا هم أول من داس على القانون بالحذاء، وحذونا حذوهم!

إذا أنت حاولت مثلاً أن تتصدى يوماً لأحد السائقين الذين يسيرون عكس الاتجاه، فسوف تسمع ما لا يعجبك، سوف تتعرض للسب والشتم، وقد تتعرض للضرب والإهانة، وقد يواجهك هذا الشخص المخالف للقانون بسؤال صادم:

«هو أنت مش عارف أنا مين؟!»

هذه الأوضاع في مصر هى أقوى من القانون، لأنها سادت وترسخت عبر عقود طويلة مضت، وباركتها كل أنظمة الحكم المتعاقبة حتى أصبحت جزءاً من وجدان الشعب المصري، هذه الأوضاع في مصر التي مازالت - للأسف الشديد - سائدة أدت إلى تردي الأخلاق وصبغت سلوك المواطنين بصبغتها.  

إن سبب رقي أخلاق الأوروبيين يكمن في حرصهم على تطبيق القانون واحترامه، إن الناس في الغرب اعتادوا احترام القوانين والخضوع لها، بحيث لا تطغى المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، وذلك من خلال تطبيق عقوبات رادعة على كل من يتجرأ على مخالفة القانون، ودون أية استثناءات لأحد أيًا كان منصبه أو مركزه. من كثرة اعتياد المواطنين في البلدان الغربية على احترام القوانين، صار سلوكهم اليومي منضبطًا وكأنهم قد جبلوا وفطروا على الأخلاق القويمة، وعلى الجانب الآخر فإن الناس في بلادنا قد اعتادوا على الاستهانة بالقوانين وعدم احترامها، متخذين من بعض كبار المسؤولين قدوة لهم فى الاستهتار بالقوانين ورفض تطبيقها وعدم الانصياع لبنودها. غياب احترام القانون هنا هو علة تخلفنا، واحترامه هناك هو سر تفوقهم ورقيهم وتحضرهم!! المسألة ليست متعلقة إذن بأن الشعوب الغربية ملتزمة أخلاقيًا، والشعوب الشرقية وُلِدَت بجينات أخلاقية رديئة!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق