"صوت الأمة" تكشف أسباب انهيار عقار منشأة ناصر.. فتش عن رخصة الهدم (تحقيق)

السبت، 10 مارس 2018 06:00 ص
"صوت الأمة" تكشف أسباب انهيار عقار منشأة ناصر.. فتش عن رخصة الهدم (تحقيق)
عقار منهار
تحقيق- محمد أبو ليلة

الأسبوع قبل الماضي استيقظ أهالي حي منشأة ناصر على انهيار عقار متواجد بـ  شارع النجيرى أمام كوبرى منشاة ناصر، والذي راح ضحيته حتى الأن 12 شخص حسب بيانات رسمية من وزارة الصحة، وحتى الأن لا تزال النيابة العامة تُحقق في أسباب انهيار ذلك العقار.
 
لكنه في التحقيقات الأولية للنيابة كانت تُشير  إلى أن العقار المنهار كان قديم ومتهالك، وأن أحد المقاولين قام بهدم عقار في الشارع الخلفي ملاصق للعقار المنهار باستخدام "رخصة الهدم" بهدف إنشاء برج سكنى، وقد تكون أعمال الهدم أثرت بشكل سلبى على ذلك العقار المنهار.
 
في الطريق إلى العقار المنهار كانت الأجواء ملبدة بالغيوم فأهالي المنطقة قلقون من الإدلاء بأي شهادة في وسائل الإعلام، ويرفضون الحديث مع الصحفيين  أو حتى السماح لهم بالتصوير، لكن أحد الأهالي في عقده الرابع ويدعى عبد الله  فتحي تحدث على مضض لـ" صوت الأمة"، قائلا إن العقار لم يصدر له قرار إزالة وتفاجئوا بانهياره صباح الجمعة الماضي.
 
وأضاف عبد الله: "من كام شهر في مقاول هدم عمارة قريبة من العمارة اللي وقعت والناس كانوا بيشتكو من المعدات إنها بتأثر على العمارة لأنها قديمة لكن محدش قدر يمنع المقاول ممكن ده يكون أثر على العمارة المنهارة دي".
 
هدم عقارات مجاورة السبب
ما قاله أحد شهود العيان يُعزز بشكل مباشر الرواية الأولية لتحقيقات النيابة، فالعقار المنهار عمره حوالي 40 عاما ويتكون من 5 طوابق وكان يسكنه 10 أسر، وحسب روايات الأهالي لم تكن به أي علامات أو شروخ بالحوائط تجعلهم يستنتجون أنهم في خطر.
 
كانت هذه الأقوال المبدئية للشهود خيط بسيط ضمن خيوط كثيرة، تجعل هناك سمة نقطة مشتركة بين حوادث انهيار العقارات في مصر، فالأمر لم يعد مُقتصر على عقار منشأة ناصر فقط، حيث تشابهت قصص انهيار العقارات في أسباب السقوط والتي من أهمها بناء برج مجاور أو هدم عقار مجاور بدون دراسات علمية للحالة الجغرافية لتلك المناطق.
 
ففي يناير من عام 2016، استيقظ أهالي مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية على حادثة انهيار عقار مكون من ثمانية طوابق، والذي راح ضحيته عشرة أفراد، وقتها قال محافظ الشرقية اللواء خالد سعيد، في تصريحات صحفية، إن سبب الانهيار هو وجود أعمال حفر بجوار هذا العقار المنكوب بعمق ستة أمتار من أجل بناء برج سكنى، حيث قام المقاول المسئول عن الحفر بالتعرض لأساسات العقار المجاور له بشكل غير علمي وبدون دراسة مما أدى لانهياره.
 
أسباب انهيار تلك العقارات المجاورة هو الاستعانة بمقاولين غير متخصصين فى مجال هدم المباني، وكذلك استعمال معدات ثقيلة شديدة الخطورة لسرعة إنجاز الهدم بأقل تكاليف دون النظر للمخاطر التى تسببها لباقى العقارات المجاورة.. يؤكد ذلك الخبير بمركز بحوث البناء والإسكان السابق مصطفى الدمرداش، في تصريحات لـ صوت الأمة، قائلا إن عدد المقاولين المُصرح لهم قانونا بمباشرة أعمال البناء والهدم في مصر يصل لـ 30 ألفا و800 مقاول حسب بيان من الاتحاد المصري للتشييد والبناء.
 
ويضيف نائب رئيس الاتحاد داكر عبد الإله، لـ "صوت الأمة"، أن هناك فرق كبير بين ما يحدث في العشوائيات وما يحدث في المدن المنظمة، فكثير من المقاولين في المناطق العشوائية ليسوا مصنفين في الاتحاد المصري للتشيد والبناء، وغير مدربين بشكل كافي لعمليات الهدم أو البناء، وبالتالي من الممكن أن يقوم بهدم عقار وبعد فترة ينهار عقار بجواره  بسبب طريقة الهدم الخاطئة.
 
وأكد أن مُقاولي العشوائيات ليسوا أعضاء بالاتحاد المصري للتشيد والبناء ويعملون بدون مواصفات مهنية لأعمال الهدم والبناء، وأن معظم العقارات المتواجدة في منطقة كحي منشأة ناصر أو باقي المناطق العشوائية خط تنظيمها خاطئ وعرض الشوارع غير منتظم وبالتالي المقاول يستخدم معدات محدودة ويهدم بطرق بدائية مما يجعل باقي المنازل المجاورة عرضة للانهيار.
 
مخالف للقانون
في المادة الثانية من قانون تنظيم هدم المباني الصادر سنة 2006، تنص على أنه يُعاقب كل من هدم كليا أو جزئيا مبنى أو منشأة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على 5 ملايين جنيه، ونص القانون على وجوب شطب اسم المهندس أو المقاول المحكوم عليه من سجلات نقابة المهندسين أو الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء بحسب الأحوال وذلك لمدة لا تزيد على سنتين، وفى حالة العودة يكون الشطب لمدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات.
 
وتابع "عبد الإله": "احنا مش بنوافق على أعمال الهدم إلا لما يكون متضمن في العقد استشاري هندسي يشرف على أعمال الهدم، لأننا مش جهة إشرافية، احنا جهة تدير مهنة التشييد أنا ببقى مسؤل عن المقاول فقط، لكن بمعايير المهنة"، كما وضع عدة شروط لعمليات الهدم والإنشاء لأي عقار من بينها أن العقد الذي يعقده صاحب العقار والمقاول لا بد أن يأخذ موافقة الاتحاد المصري للتشييد والبناء حتى يدرك صاحب العقار أن المقاول مصنف لدى الاتحاد، ويقوم الاتحاد بتقييم كل شئ في عملية المقاولة من بينها التكلفة من خلال دراسة جدوى للمشروع ذاته.
 
"لو المقاول تصنيف العمل الذي سيقوم به 10 مليون جنيه مثلا وهو هياخد 20 مليون من صاحب العقار احنا في الاتحاد بنرفض ذلك وهذه هي ميزة الطرق الشرعية".. يتابع عبد الأله.
 
شروط رخصة الهدم
في رحلة قراءة مواد قانون الهدم تتلخص تلك الإجراءات والتي تُعرف برخصة الهدم من خلال تقدم مالك عقار بطلب ترخيص هدم المباني غير الآيلة للسقوط، في الحي التابع له، بمصروفات خدمة 200 جنيه، بالإضافة إلى عدة مستندات كإثبات الشخصية وعقد مسجل وشهادة من مأمورية الضرائب العقارية التابع لها المبني المطلوب هدمة يفيد عدم وجود مستأجرين بالمبنى مع تقديم إقرار من المالك موثق بالشهر العقاري يفيد ذلك.
 
بالإضافة لرسم مبسط للموقع مبينا علية المبنى المطلوب هدمه وأسماء الشوارع والمباني المجاورة معتمدا على توقيع مهندس نقابي أو مكتب هندسي استشاري مسجل بنقابة المهندسين، بالإضافة إلى تعهد منهم بالاشراف على تنفيذ أعمال الهدم المرخص بها طوال مده التنفيذ وتقرير هندسي مشتملا على الأسلوب الفني الذي سيتبع في تنفيذ أعمال الهدم وخطوات وطريقة التنفيذ والأسلوب المتبع في تأمين العقارات المجاورة، ومستند يفيد التعاقد مع أحد المقاولين المسجلين بالاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء لتنفيذ أعمال الهدم المرخص بها، ويشترط القانون بعد كل ذلك أن تتم أعمال الهدم بشكل يدوي ولا تُستخدم الآلات الميكانيكية.
 
تواطؤ المحليات
"رخصة الهدم اللي بيصدرها الأحياء وليس المحافظة، والمفروض أن الإدارة الهندسية في المحافظة تعتبر إدارة مركزية تسيطر على كل الأحياء ولها إشراف على تراخيص الهدم".. هكذا يقول المتحدث الإعلامي باسم محافظة القاهرة خالد مصطفى، في تصريح خاص لـ صوت الأمة، ويضيف أن الإشراف الهندسي على عمليات الهدم ليس من اختصاص المحافظة نفسها، والمسؤول عنها هو المكتب الاستشارى الهندسي التابع للحي الذي يضع تقريره بوجوب هدم العقار الذي على أساسه يتم إصدار رخصة هدم له، وحينما تحدث مشكلة يحاسب المهندس المختص أو المكتب الإستشاري وليست المحافظة.
 
لكن داكر عبد الإله، نائب رئيس الاتحاد المصري للتشييد والبناء، يقول إن أغلب المناطق العشوائية تقوم باستخراج تراخيص من الأحياء التابعة لها بطريقة غير مكتملة وبدون ضوابط، لأن أغلب المقاولين هناك غير مؤهلين لذلك.
 
ويضيف: "هذه الانهيارات المتتالية هى نتيجة طبيعية للفساد المستشرى فى منظومة المحليات، والرقابة الحكومية على الأعمال الإنشائية شبه منعدمة، ولا تظهر إلا فى الأزمات بشكل وقتى لتعود الأمور إلى سابق عهدها.. ودور المحليات لا يقتصر على إصدار تراخيص الهدم لك القانون يعطي لرؤساء المراكز والمدن والأحياء والمهندسين القائمين بأعمال التنظيم بوحدات الإدارة المحلية صفة الضبطية القضائية وذلك فى إثبات ما يقع من مخالفات لأحكام قانون الإزالة".
 
حيث يؤكد مصطفى الدمرداش، الخبير بمركز بحوث البناء، أن هناك تواطؤ من مشرفى الأحياء ومهندسى التنظيم عن مراقبة ذلك رغم ورود هذه الاشتراطات بالقانون ومعظم أصحاب العقارات يحصلون على الموافقة الصورية من أى مهندس استشارى، لإنهاء أعمال تراخيص البناء والهدم فى ظل غياب تام للرقابة والمتابعة.
 
حيث طالب بتكثيف دور لجنة المنشآت الآيلة للسقوط والمنوط بها متابعة العقارات باستمرار، كما طالب بتعديل قانون هدم المباني من خلال تغليظ العقوبات على أصحاب المبانى المخالفين للاشتراطات القانونية فى الهدم والبناء وذلك حتى لا يعرضوا أرواح المواطنين للخطر.
 
أين نقابة المهندسين؟
محمد النمر وكيل نقابة المهندسين، هو الأخر يُطالب في تصريحات لـ"صوت الأمة"، بنقل تبعية استراخ تراخيص الهدم من الأحياء إلى مكاتب هندسية واستشارية التابعة لنقابة المهندسين كي تكون أكثر تخصصا في مجالها.
 
حيث أوضح أنه من المفترض أن لا يتم هدم أي عقار إلا تحت إشراف مهندس استشاري متخصص في الإنشاءات، موضحا أنه لو قام مقاول باستخراج رخصة هدم من الحي التابع له بدون مهندس استشاري للأسف تكون العواقب خطيرة جدا على العقارات المجاورة.
 
وأضاف: "في عقار منشية ناصر وارد أن يكون السبب هو هدم عقار مجاور،  خصوصا لو كانت القواعد قريبة من بعضها، لازم يكون فيه مهندس بيشرف لأنه ممكن بعد الهدم تأثر على عقار مجاور يكون به شرخ أو ما شابه، ويؤدي لسقوطه".
 
وحول دور نقابة المهندسين في الإشراف على عملية الهدم، أوضح "النمر"، أن النقابة دورها يقتصر على المهندسين التابعين لها، وهناك مكاتب استشارية تتبع النقابة هي المنوط لها الإشراف على عمليات الهدم وإذا قصرت في عملها تُحاسبها النقابة.
 
وأكدت مديرة المركز المصري للحق في السكن منال الطيبي، في تصريحات صحفية، أن أغلب العقارات التى يتم هدمها تقع وسط الأحياء السكنية المكتظة بالسكان وغالبية الشركات العاملة في هذا المجال لا تمتلك العمالة الماهرة لتقوم بهذا العمل، وتقوم بالتعاقد مع عمال ليس لديهم الخبرة الكافية للقيام بهذا العمل الشاق، موضحة أن هناك معدات ثقيلة مستخدمة في الهدم أو الإزالة، غالبيتها مؤجرة من السوق لا ترقى إلى المستوى المطلوب في العمل، ويديرها مقاولين محدودي الخبرة، ويخالفون معايير الأمن والسلامة التي تهدد أرواحهم وأرواح المارة، بالإضافة إلى ما يسببونه من إزعاج لسكان العقارات المجاورة، كما يتم وضع المخلفات ومعدات الهدم في عرض الطريق لعدة أشهر خلال عملية الهدم.
 
مطالبات بإعادة هيكلة جهاز التفتيش
في الوقت نفسه كانت النيابة الإدارية، أصدرت تقرير أواخر عام 2015 بمخالفات البناء في المحليات وطالبت بنقل تبعية الإدارات الهندسية فنيا وإداريا إلى مديريات الإسكان التابعة لوزارة الإسكان بدلا من المحليات التي وصفها تقرير النيابة الإدارية بأنها تفتقد الكفاءة الهندسية والتخطيطية، وطالبت بتولي مديريات الإسكان عمليات البناء والتشديد وتطبيق سياسات وخطط الإسكان بكل محافظة في آن واحد وبما يمنع من تضارب.
 
كما طالب التقرير بإعادة هيكلة جهاز التفتيش على أعمال البناء وذلك من خلال إنشاء فروع له في كافة المحافظات ومنحه مزيدا من الصلاحيات للرقابة على أعمال الإدارات الهندسية، مع أن تقوم نقابة المهندسين باختيار واعتماد عدد من المكاتب الهندسية الاستشارية ذات الخبرة والسمعة الطيبة لتكون مكاتب معتمدة لدى الإدارة المحلية وذلك على مستوى المناطق والأحياء داخل نطاق كل محافظة وتقوم هذه المكاتب بإعداد ملف الترخيص بشكل كامل لعدم تواصل صاحب الشأن مع المختصين بالإدارة المحلية درءا للشبهات، وتكون أتعاب المكتب الهندسي من حيث إعداد التصميمات المعمارية والإنشائية وتقرير الجسات وشهادة الكوارث وبيان الصلاحية في حدود 2% من قيمه تكاليف الترخيص.
 
111 ألف قرار هدم عقارات
القرار رقم 144 لسنة 2006 فى شأن تنظيم هدم المبانى والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعمارى، يحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز أو المرتبطة بالتاريخ، ولا يجوز هدم ما عدا ذلك أو الشروع فى هدمه إلا بترخيص يصدر وفقا لأحكام هذا القانون.
 
هناك ما يقرب من 111 ألفا و875 قرارا بهدم المباني أصدره جهاز التفتيش الفني للمتابعة على أعمال البناء على مستوى الجمهورية، وطبقا لتصريحات سابقة لرئيسه حسن علام، فإن محافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة بها 60 ألف عقار آيل للسقوط، في القاهرة وحدها 30 ألف عقار أيل للسقوط، موضحا أنه تم إصدار قرارات إزالة، لكنه لم يتم تنفيذ سوى خمسة آلاف قرار فقط والباقى لم يتم تنفيذه بسبب الظروف الأمنية فى الفترة الماضية.
 
وحسب تصريحات "علام"، فإن الأحياء والمحافظات أصدرت نحو 300 ألف قرار ترميم للعقارات الآيلة للسقوط أكثر من 80% من هذه القرارت لم تنفذ بسبب طبيعة العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، لافتا إلى أن إجمالى العقارات المخالفة وصل لـ600 ألف عقار و7 ملايين وحدة سكنية مخالفة، معربا عن قلقه بسبب أن 40% من العقارات بمحافظة القاهرة انتهى عمرها الافتراضى وأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا على حياة السكان ويجب إزالتها فورا.
 
استمارة
استمارة

عقار 21
 
عقار
 
عقارا
 
عقارات ي
 
عقارات
 
هدم عقار

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق