بعد التحذيرات الدولية من انتشاره في مصر.. هل ينجح تكافل وكرامة في مواجهة التقزم؟

الخميس، 15 مارس 2018 04:00 ص
بعد التحذيرات الدولية من انتشاره في مصر.. هل ينجح تكافل وكرامة في مواجهة التقزم؟
تكافل وكرامه
هناء قنديل

 
على مدار العقود الماضية، شهدت مصر انهيارا كبيرا في القطاع الصحي، على الأصعدة كافة، وتخلت وزارة الصحة عن الكثير من أدوارها المهمة في صيانة حياة المصريين، وكان من أهم الأدوار التي أهملتها الوزارة، لسنوات تخطت الربع قرن، هو توعية جماهير الشعب، بالأساليب الصحيحة للوقاية من الأمراض، وطرق الحصول على تغذية سليمة، ترفع من مستويات الصحة العامة.
 
وأدى هذا التراجع من الوزارة المسؤولة عن صحة الشعب المصري، لسنوات طويلة، إلى انتشار عدد من الأمراض الخطيرة، مثل: السمنة المفرطة، والسكري، وأمراض القلب، والفشل الكلوي، والفيروسات الكبدية؛ مما أورث الدولة تركة ثقيلة من المرضى، الذين يتكلفون المليارات سنويا للعلاج، دون أن يكون للوزارة أي خطة واضحة للوقاية.
 
وخلال الفترة الأخيرة، برزت إلى السطح واحدة من أخطر الأزمات التي يواجهها المجتمع المصري، حيث أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"، أن مصر تعاني من مشكلة مزمنة في سوء التغذية، لدي الأطفال دون سن الخامسة، وهو ما أصاب 30 % من الأطفال بالتقزم.
المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، أصدر تقريرا، خلال الفترة الماضية، يؤكد أن 20 % من أطفال مصر يعانون التقزم الناتج عن سوء التغذية، وليس نقصها، و27% من الأطفال تحت خمس سنوات مصابون بالأنيميا، وأرجع 11% من وفيات الأطفال إلى سوء التغذية أيضا.
 
المثير أن وزارة الصحة اعترفت بأزمة التقزم، كاشفة عن أن النسبة تبلغ 40 %، كما أن 17% منهم يعانون التقزم الشديد، فما الأسباب؟ وسياسات الدولة لمواجهة هذه الظاهرة؟ هذا ما نلقي عليه الضوء في التحقيق التالي.
 
المركز القومي للبحوث، كان من أوائل الجهات التي كشفت عن هذه الأزمة، مطلقا حملة موسعة لعلاج التقزم، لدى الأطفال بين عامين، و5 سنوات، في محافظة القليوبية المصنفة من أعلى المحافظات في انتشار هذه الظاهرة المرضية، فيما قامت وزارة الصحة، خلال الفترة الماضية، بالتحذير من الأسباب المؤدية للتقزم، ومنها: الزواج المبكر، وسوء التغذية، وفق ما أكده الدكتور عبد الحميد فوزي، مستشار وزير الصحة لشؤون السكان.  
 
جهل غذائي
منظمة "الفاو"، أصدرت سلسلة من التقارير، التي تؤكد معاناة مصر مما يمكن وصفه بـ"الجهل الغذائي"، وهو عدم العلم بالعادات الغذائية الصحية، وكيفية تناول وجبات مرتفعة القيمة الصحية، وفي الوقت ذاته منخفضة الأسعار.
واوضح "الفاو" أن الفقر وارتفاع أسعار الغذاء، ليسا وحدهما المسؤولين عن الأزمة، مشيرة إلى أن الجهل بالفوائد الصحية للأغذية الرخيصة، كالبقول ذات المحتوى البروتيني المرتفع، والغنية بأنواع من الفيتامينات، من أبرز الأسباب في هذا المجال.
 
التوعية الحل الوحيد
ويؤكد نبيه عبد الحميد، مدير المركز المصري لسلامة الغذاء، أن التوعية بمكونات الغذاء الصحي، هي الحل الوحيد لوقاية الأجيال القادمة من أزمة التقزم، وانهيار القدرات الصحية لهم.
 
وأشار إلى ضرورة، إطلاق حملات مكثفة، لتوعية الأسر بكيفية الطهي بشكل صحي، والدمج السليم للعناصر الغذائية.
وأضاف: "وزارة الصحة مطالبة بإعطاء الناس فكرة عن طرق رفع القيمة الغذائية لأطباق عالية المحتوى من الكربوهيدرات، مثل الأرز المضاف إليه العدس، أو "الفول المدشوش"، الغني بالروتين، مع إضافة الجزر، أو الكرفس، أو البقدونس، كمصادر رئيسة فيتامين "أ"، المعزز للنمو.
 
ولفت إلى أن اختبارات أجريت في كلية الطب بجامعة "فاندربيلت"، بولاية تينيسي الأمريكية،  أكدت أن وجبات الفول تشمل كميات من الـ"دوبامين"، وهو مركب كيميائي يطلقه المخ استجابةً للشعور بالنشوة أو السعادة، كما تركز البحوث الحالية على العلاقة بين تناول البقوليات وخفض معدلات الإصابة بمرض الشلل الرعاش.
 
وأشار إلى أن كل 100 جرام من الفول، تحتوي على حوالي 66% من الألياف، و46% من البروتين، فضلا عن الكربوهيدرات والفيتامينات والمعادن، مشيرا إلى أن "الكشري" أيضًا يعج من الأطباق عالية القيمة الغذائية. 

18 % يعانون التقزم لسوء التغذية
من جانبه قال الدكتور سالم سلام، أستاذ طب الأطفال والتغذية بجامعة المنيا أن علماء التغذية، توصلوا إلى بدائل للبروتين بشكله المعروف كاللحوم والدواجن، تتناسب مع دخل الأسر الفقيرة، ومنها: البطاطا الحمراء، العصائر الطازجة، البرتقال، الموز، الجوافة، البطاطس، العجوة، البليلة، منتجات الألبان بمختلف أشكالها، الحلاوة الطحينية، العسل الأسود، والبيض.
 
سياسات الدولة  لمواجهة التقزم 
وشهد عام 2015 بداية العمل في مصر، ببرنامج أطلقته منظمة "الفاو"، تحت عنوان: "تحسين الأمن الغذائي والتغذية للأسر المصرية"، بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية، والمعهد القومي للتغذية في مصر، ومعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، ومعهد بحوث الإرشاد الزراعي، والتنمية الريفية.
ويستهدف الفريق البحثي رفع الوعي التغذوي للأسر، وبالأخص في المحافظات الأعلى في معدلات سوء التغذية، ووقع الاختيار على 5 محافظات: الفيوم، وبني سويف، وأسيوط، وسوهاج، وأسوان.
 
ويشمل البرنامج تدريب الأسر الريفية، على كيفية استثمار مواردها الحالية للخروج بنمط غذائي صحي يتناسب مع موارد بيئتها، وتنفيذ مبادرة "المطبخ التثقيفي التغذوي بالمجتمعات المحلية"؛ لتدريب الأمهات على كيفية إعداد وجبات كاملة العناصر الغذائية، ارتكازًا على الأطباق المصرية المعروفة، وتعليم الأسر كيفية الطهي بشكل صحي، والدمج السليم للعناصر الغذائية.
 
وأوضح الدكتور حمدي الطباخ، وكيل وزارة الصحة، بالقليوبية أن الوزارة بصدد إطلاق حملة لعلاج التقزم، تستهدف الأطفال ما بين عامين و5 سنوات.
وأشار إلى أن التجربة شملت أطفال المحافظة، باعتبارها الأكثر معاناة من التقزم، وشملت توجيه قوافل طبية لقياس طول ووزن الأطفال لاكتشاف قصار القامة، والاهتمام بطريقة تغذيتهم.
 
بدورها قالت الدكتورة نايرة شاكر، الأستاذ بشعبة الصناعات الغذائية، بالمركز القومي للبحوث، أن برنامج تكافل وكرامة، يمكنه المعاونة في علاج أزمة التقزم؛ لما يقدمه من فرصة لرفع المستوى المعيشي، للأسر الفقيرة، وزيادة قدرتها على الإنفاق على الغذاء الصحي.
 
وأوضحت الأستاذ المتفرغ بقسم الألبان بالمركز القومى للبحوث، أنه تم إجراء دراسة داخل المركز، لمكافحة ظاهرة التقزم، كشفت عن أن الأزمة ليست في قصر القامة من حيث أبعاد الجسم، وإنما في تناقص قدرة الطفل على التحصيل العلمي؛ بما يهدد مستقبله.
 وأضافت أن التجربة شملت تقديم وجبات مختلفة، تساعد على إمداد جسم الطفل بـ30% من احتياجاته الغذائية المتوازنة يوميا، وبالتالي الحصول على جسم ينمو بمعدلات سليمة.
 
وأشارت إلى أن البرامج المكملة للدعم النقدي، الموجه للأسر المصرية الأولى بالرعاية، يمكن استثمارها في صحة الأطفال، مشددة على ضرورة التوسع في الاهتمام ببرنامج تكافل وكرامة، وبرنامج التغذية المدرسية، لحماية الأطفال بمرحلة رياض  الاطفال وفي المرحلة الابتدائية، من آثار التقزم.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق