أمريكا والولايات المتحدة الإسلامية.. من هنا نبدأ

الخميس، 15 مارس 2018 11:11 ص
أمريكا والولايات المتحدة الإسلامية.. من هنا نبدأ
دكتور طارق محمود ناصر

إن المتامل لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية سيجد أن الآباء المؤسسين وضعوا دستورا متماسكا للغاية صمد لأكثر من 220 سنة. وكان عند هؤلاء الآباء فلسفة واضحة نحو تماسك تلك الولايات فى نسيج متين ومتماسك، والأهم من هذا كله أنهم وضعوا نصب أعينهم العدل.. ثم العدل.. ثم العدل، لكي تستمر هذه الولايات على هذا النحو.

لقد كان عندهم بعد نظر غير عادى، و علموا يقينا أن تلك الولايات سيكون فيها الفقير و فيها الغني.. سيكون فيها الصناعي المتمدين.. و الزراعي التقليدى.. كان عندهم من الحصافة لكي يروا أنه سيكون هناك تنوع غير عادى فى هذا التجمع الغفير من الناس. و لعل المتأمل لنظام المجمع الإنتخابي المعقد جدا يرى بوضوح أن هذا النظام الفريد فى إختيار من يقود هذا التجمع البشرى الهائل نظام ليس له مثيل على مستوى العالم. بل هو بحق نظام متفرد وضع بدقة و فلسفة عليا تضمن العدل بين مختلف الولايات بشكل أقرب ما يكون إلى الكمال. 

و سأذكر مثالا واحدا فقط على هذا النظام الفريد. فعدد أعضاء الكونجرسمائة عضو، كل ولاية من الولايات الخمسين لها مقعدين إثنين، بغض النظر عن المساحة أو عدد السكان، أو مجتمع صناعي أو زراعي..مجتمع متعلم تعليم عالى أم لا. و ذلك لضمان ألا تظلم الولايات الصغيرة، و ألا تطغي عليها الولايات الكبيرة.

و ننتقل إلى الحلم الأعظم للإخوان المسلمين، الذين يضللون به العامة من البسطاء. الخلافة المنشودة أو الولايات المتحدة الإسلامية، و هى بدون نقاش فكرة براقة ظاهريا، و لها صدى فى النفوس. و لكن أى إتحاد تقصدون؟؟..هل تقصدون إتحاد الدولة العثمانية أو الإمبراطورية العثمانية التى أذلت الشعوب و سرقت الفنيين و العمال والحرفيين المهرة و أرسلتهم إلى الآستانة ليبنوا لهم من العظمة و الأبهة ما يتفاخرون به الآن..عن أى خلافة تتحدثون؟ خلافة الباب العالى و العجرفة و إذلال الشعوب. عن خلافة الخراج و الضرائب و إستغلال و إفقار الشعوب من أجل مجد السلطان و قادته من العسكر و الإنكشارية. خلافة مجد رقعة الأرض و التوسع فقط على حساب ظلم الشعوب و إستعبادها. أتحدى الإخوان المسلمين أن يبرروا إنحيازهم للخلافة أو الولايات المتحدة الإسلامية من وجة نظر رفاهية الشعوب و إقامة العدل بين مختلف الولايات التابعة للتاج العثماني.

و نعود إلى التاريخ لنتأمل أى الإتحادات صمدت. الإتحاد السوفيتي إنهار لأن العدل غير موجود، و الإتحاد تم بقوة السلاح، لا برغبة الشعوب فى الإتحاد على أسس واضحة من العدل و النزاهة، بما يضمن الرخاء للجميع. الأوروبيون كانوا أكثر ذكاء فأدركوا أن الإتحاد بين البشر ليس إتحاد أرض، و ليس إتحاد دين أو لغة، و إنما إتحاد إقتصادى فى المقام الأول،حتى يكون الجميع على قناعة بأن الإتحاد فى مصلحتهم جميعا. و إن كان أيضا هذا الإتحاد معرض للإنهيار لأن المصالح الإقتصادية قد تأت فى وقت ما و تتعارض.

الإتحاد الذى يصمد لأطول فترة من الزمن هو الإتحاد العادل الذى يشعر معه الجميع أن هناك قواعد عادلة للتنافس و العمل و الإنتاج.. قواعد عادلة للقيادة وأن من يتولى الأمر يكون برغبة الاغلبية الساحقة من البشر فيما يعرف بالديموقراطية.

إن ضربة البداية للوصول إلى الولايات المتحدة الإسلامية يمكن أن نكون عن طريق جامعة الدول العربية....بجلوس الحكام العرب على طاولة المفاوضات، ليصبحوا هم الآباء المؤسسون للخلافة الحديثة، و لكن بعد أن يتفقوا على وضع أقصى قواعد العدالة بين تلك الدول. ثم يليها خطوة أخرى و هي إستفتاء الشعوب عن رغبتهم فى التكامل و العيش تحت مظلة واحدة عادلة للجميع. فإن رغبوا فى ذلك سيكون أقوى إتحاد فى الكون. لأنه إتحاد شعوب فى المقام الأول، بجانب بعض المقومات الأخرى التى لا تتوافر مثلا للإتحاد الأوروبى، و لا للإتحاد السوفيتي السابق، و هو وحدة اللغة و الدين. وبدون ذلك لن يكون هناك أى وجود لما يعرف بالخلافة الإسلامية أو لنقل الولايات المتحدة الإسلامية. فالإتحاد- بدون نقاش- قوة و ليس الإتحاد بالقوة.

 

 

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق