«البوتينية».. القادمون من الخلف لحكم العالم

السبت، 17 مارس 2018 12:26 م
«البوتينية».. القادمون من الخلف لحكم العالم
عبدالفتاح على يكتب:

لم يكن الرئيس الروسى فيلاديمير بوتين ظاهرة فى حد ذاته، لكن طريقة حكمه، ونتائج أعماله، وقدرته على المناورة، وجرأته فى اتخاذ القرار، هى فى ذاتها ما تستطيع أن تطلق عليه ظاهرة «البوتينية»، التى يبدو أنها أخذت فى الانتشار والتوسع، وباتت نموذجا لحكم الدول، خاصة تلك التى يطلق عليها العالم الثالث.
 
«البوتينية» هى باختصار، التجنيد الإجبارى لكل الفوائض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من أجل هدف واحد، استعادة الدولة، هى تشكيل إلزامى لقوى وقدرات وإمكانيات المجتمع فى طابور صباحى من أجل نتيجة واحدة هى استعادة الهيبة.
 
 ثلاثة أسس لحكم دولة مصابة بالفشل، أو تلك التى تقترب جدا من الفشل، أو التى أريد لها الفشل مع سبق الإصرار والترصد من قوى عظمى غربية، ودول مجاورة إقليمية، ولكى نقترب من الحقيقة أكثر، دولة تكون تحت ضربات الثورات المخططة أو الملونة.
 
استعادة الأمن والاستقرار، استعادة القدرة الاقتصادية، استعادة صورة الجيش، ومع غرس البذور فى هذه الميادين الثلاثة، فى وقت قياسى، يبدأ الناس فى التفكير، وتكوين صورة للبطل المخلص، ثم يبدأ الإيمان بالرجل يرسخ فى قلوب قطاع عريض من الناس.
 
قد يكون كثير من القرارات الاستثنائية التى يتخذها البوتينى، سببا كافيا للثورة عليه، وسقوطه فى الانتخابات، لكن النجاحات الثلاثة، تمنحه حصانة، وتجعل الانتقاص من الحريات العامة ثمنا زهيدا أمام الأمن، ودوران عجلة الاقتصاد والفخر بالجيش.
 
«البوتينية» استغلت كثيرا المنح الإلهية، واكتشافات الطاقة الحديثة، وصاحبها ارتفاع الطلب العالمى على مصادر الطاقة النظيفة، فتتسارع وتيرة التحول، من اقتصاد منهك يعيش على الفتات الساقط من موائد الكبار، إلى اقتصاد يبدأ فى اكتشاف نفسه، مستغلا أقل الفرص للانطلاق.
 
 الانتخابات الرئاسية المقبلة، قد لا تبرهن على ديمقراطية بالمفهوم الغربى، لكنها تبرهن على أن المنافسة تقريبا متلاشية، مستحيلة، غير موجودة، حتى فى قصص الأطفال الخيالية، التى قد تصور أن فلانا أو علانا يستطيع أن ينافس الرئيس، حتى لو كانت شعبيته تناقصت.
«البوتينية» مثلما استفادت من المنح الإلهية، استغلت النقم الشيطانية، فروسيا حولت الأزمة السورية لملعب تستعرض فيه قدرتها، ومنصة للإعلان عن قوتها العظمى العائدة، ولم تعد الاتفاقيات القديمة سيفا على الرقاب، ولا جدارا للحصار، فقد جعلتها من الماضى.
ومن أزمة القرم التى سقطت من ذاكرة العالم، إلى أزمة شرق أوكرانيا، إلى أزمة الاتفاق النووى الإيرانى، حتى الحرب على اليمن لم تسلم من الحلب البوتينى، وصارت «البوتينية» فاعلا فى الأحداث الدولية، وكل المنافسين مجرد مفعول به.
 
التدخل فى الانتخابات الأمريكية، جلب رئيسا يستطيع الكرملين التعامل معه «بجنونه» فى حين أن التدخل فى الانتخابات الروسية، سيجعل بوتين والبوتينيين فى المنطقة أكثر قربا من الفوز فى الاستحقاق الرئاسى، وأفضل فرصا فى اقتناص مزيد من النجاحات داخليا وخارجيا.
 
لم يفلت بوتينى واحد من حرب الشائعات ضده، خاصة تلك المتعلقة بصحته، ثم المتعلقة بتوجهاته السياسية، ثم أخيرا قراراته الاقتصادية، وفى كل مرة تتكشف حقيقة الشائعة، يقترب العالم أكثر فأكثر من الخروج من الأحادية إلى التعددية القطبية.
 
من التشكيك فى نجاحات وتطور التصنيع العسكرى الروسى، أو قناة السويس الجديدة، إلى السخرية من الوجود الروسى فى سوريا، والتواجد العسكرى فى سيناء.
 
كل البوتينيين صعدوا للحكم بعد فوضى سياسية واقتصادية كانت تعانى منها بلدانهم، فى روسيا حلت الفوضى بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، مثلما انهار نظام حسنى مبارك، وجاءت الانتخابات بـ  «بوريس يلتسين» رئيسا غير متزن، مثلما جاءت بـ « محمد مرسى». 
نجاح «البوتينية» فى تعافى بلدانها، شكل ضغطا على مصالح دول إقليمية ودولية، فالبعض تعامل حتى لو مضطرا مع القادم باعتباره شريكا، فى حين فضل البعض التعامل معه على اعتبار أنه منافس، لكن الأخطر فيمن تعامل معه باعتباره عدوا.
 
لأنه فى الغالب، قد لا يكون الخصم المواجه خطرا بقدر، ذلك القادم من الخلف، الذى لم تكن تحسب له حسابا، فإذا به يلحق بك هزيمة نكراء، لأنك لم تكن تتوقع أن تأتيك الضربة من هذا الاتجاه. 
 
لن تتأثر  «البوتينية» قيد أنملة، بتهديدات بريطانية غاضبة بسبب محاولة اغتيال «جاسوس مزدوج»، على أرض دولة أسهل ما فيها قتل الأجانب، بل إن البعض أطلق على لندن لقب عاصمة الاغتيالات السياسية، ولنا فى الليثى ناصف وسعاد حسنى وناجى العلى وعبدالهادى العروانى وسعيد حمامى، وعمران فاروق، وأشرف مروان، بدل الدليل ألف.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق