وللمظلوم أصنافٌ شَتّى

الأحد، 25 مارس 2018 09:27 م
وللمظلوم أصنافٌ شَتّى
رشا الشايب تكتب:

بادئ ذي بِدء، لابد أن أوضح لكم ما المقصود من كلماتي وما الدالة عليه عباراتي!!  
فلن أتطرق هنا في مقالي إلى تقديم شرح لأنواع الظالم والذى يشرع في إيذاء المظلوم بدنيًا أو معنويًا أو ماديًا، لأنه بات واضحًا للجميع تقريبًا من هم الظالمين، ولكن سأشرع هنا في توضيح أنواع المظلومين ووصف حال نوع واحد منهم، وهو أكثرهم وجعًا وإيلامًا كما سترون لاحقًا، وهو أمر قد يبدو غريبًا بعض الشيء، نعم فللمظلوم أنواع وأصناف كما للظالم أيضًا.
 
فهناك المظلوم المُنتقم والذى قرّر أن ينتقم لنفسه من الظالم وأن يتعامل معه بالمثل، فالنفسُ بالنفس والعينُ بالعين والجروح قصاص والبادئ أظلم، نعم، قد تلقى فكرة الانتقام قبولاً لدى بعض المظلومين ولكن تبقى معضلة الانتقام من الظالم في صعوبة القدرة على تحقيق المماثلة، وهى أن تكون العقوبة مساوية تماماً لقدر الضرر الواقع من جرّاء الظلم، أما النوع الثاني فهو المظلوم والذى أدّى دورَ الظالم من قبل وارتدى نفس قناعه في السابق وقام بظلم غيره، ولكنه الآن ووفقاً لقوانين إلهية، دارت عليه الدنيا بمقاديرها فصار مظلومًا، وذاك يقينًا وليس احتمالاً سيتذكر وقتها أي وقت وقوع بلاء الظلم عليه، أنه كان في يوم من الأيام كالظالم الذى يشتكى منه الآن، نعم كان يظلم غيره بلا تفكير أو رحمة وبمنتهى القسوة، والآن يَلقَى نَفسَ مصيرِ من ظلمه في يوم ما وسيذوق مرارة وجعه، أما النوع الأخير والذى أشفق عليه من كل قلبي؛ هو المظلوم المُحتسب والذى لم يظلم أو يؤذى قبل أحدًا، بل وقرّر ألا ينتقم أبدًا، كما أنه ترك أمره كله بيد الله العادل، الذى سَيَسُوق له حقه يومًا ما وسيرفعُ عنه ظلمه دون تدخلٍ بشرى مباشرٍ منه، فذاك المظلوم برئ من ظُلم أحدٍ قبل، وهذا بالتحديد ما أقصده هنا في محور حديثي ومن لحن كلماتي، وفي وصف حاله وبيان أحواله مع الشعور بآلامه. 
 
وسأوضح لكم تفصيلاً الآثار السلبية أو بوصف أدق الجرائم التي يرتكبها الظالم في حق المظلوم، والتي تتمثل في أولاً، واقعة الظلم نفسها والتي ينتهك فيها الظالم حقوق المظلوم بشكل فيه عدوان صريح، ثانيها، فترة الألم والقهر التي مرّ بها المظلوم من جراء ما وقع عليه من ظلم، وهذه بلا شك فترة حرجة جدًا، قد يجتازها المظلوم بأمان أو قد تنهار قواه تمامًا ولا يقوى الخروج منها سليمًا، أما ثالثها، حالة اليأس والإحباط التي قد تُصيب المظلوم إن تأخّر القصاص أو طال الأمد في الإنصاف، وهذا برأيي أقسى شعور قد يمر به المظلوم، فبعد مرحلة من اليأس في القصاص والإحباط من تأخر الإنصاف، ستبدأ نفسه في الدخول لمرحلة الشك، نعم سَيَشُك في حتمية وقوع العدل وفى كل شيءٍ يقينيٍ حوله، وتلك أصعب المراحل التي قد يصل إليها المظلوم، فَيَنسى أو يَتَناسى أن العدل قادم مهما تأزمت الأحوال واشتدت البلاءات، وهذه المرحلة لا تقترب إلا ممّن انهارت قواهم، وأظلمت دنياهم، وصار اليأس رفيقهم، والشك يسرى في عروقهم.
 
أرأيتم كم من جُرمٍ يرتكبه الظالم في حق المظلوم!! أرأيتم مقدار الألم الذى يُسببه الظالم للمظلوم!!
فالمظلوم المُحتسب وحتى بعد أن يرفع الله الظلم عنه وينصره، ويجزى الظالم بظلمه كما وعد، سيظل هذا التساؤل عالقًا بذهنه!!! 
 
 وهو!!! فَمَا بالُ الأيام القاسية التي مرت بي وقت أن مَسَنِىَ الظلم؟      
هل سَيَنسى المظلوم شعور الظلم القاتل والذى كان سبباً في صراخ روحه وحزن قلبه وبُكاء عيناه؟، هل سينسى ما لحق به من شعور بالانهدام والانهزام؟، آه ولا تنسوا ما لحق به من داء الاكتئاب السام!، ونفسه السجينة في الظلام، ترى فقط السواد التام، فلا ترى فرحاً أو حتى ألوان، فنَفسه كرهت الدنيا والحياة، وسئمت لغة الآمال والأحلام، تهوى العيش وحيدة وتفضل العزلة مهما امتلأت الطرق حولها بالزحام، ولا تشعر بوقتٍ يمضى أو عمرٍ ينقضي ولا بأي اختلافٍ في الأيام، فالجسدُ حيٌّ، نعم، ولكنّ الروح انطفأت فهي لم تمت مرة واحدة بل قل مراتٍ ومرات.
 
هل سينسى المظلوم ألمه الكامن في صدره والذى لا يشعر به أحد غيره لأنه طالما يؤثر الصمت والكتمان؟، هل سينسى يوما ما أحسّ به من شعورٍ بعدم الأمان، في زمانٍ تَسَابَقَت فيه الشُرور والآثام، أيُّهما يتصدر القمة ويصل للأمام؟، هل سينسى آهات وجعه في سوداء الليل الحزين وسهره والناس نيام؟، وتوسلاته للرحمن بأن يرفع عنه الظلم سريعًا مناديًا إيّاه ألم يأنِ الأوان؟، فكم انتظرتُ وتحملتُ وانطفأتُ وانكسرتُ وصبرتُ على أَمَلِ أن أرى صولجانَ العدلِ يفرضُ سلطانَهُ على الأنام وينشُرُ نوره في كل مكان.
 
 نعلم جميعًا علم اليقين أن الله سيُعاقِب الظالم بظلمه، نعم، سيأخذ الله بالثأر للمظلوم منه، وفى دنياه، مهما طال الزمن أو قَصُر، والأدهى من ذلك أن سيعلم الظالم وقتها أى وقت وقوع ما كُتِبَ عليه من بلاء أو ما سيراه من ابتلاء، أنه كان نتيجة لظلمه السابق لفلان أو إلحاقه الأذى بفلان، سيعلم أن ما حدث له هو قصاص واجب لا مفر منه مما ارتكبه في حق المظلوم سابقًا، فذاك عدل الله ولا شك في ذلك أو جدال.
 
ولكن.. إن كان الظالم سيُعاقب على ما ارتكبه من إثم الظلم في حق المظلوم، أي أنه ارتكب فعلاً سلبياً استحق عليه رداً جزاءً لفعلته.
 
فما بال المظلوم!!! الذى لم يظلم أحداً قبل ولم يؤذى أحدا قط، ومع ذلك تعرض لواقعة الظلم وذاقت نفسه مرارته في أيام طوال، حتى أنصفه الله وأشرقت سماء دنياه.
 
فمن رأيي أن إنصافه من الله العدل، ليس هو الفضل الوحيد الذى سيلقاه، لا، فَأَجرُهُ أكبر من مجرد إنصاف أو قصاص إلهى، فجزاؤه عظيم ووفير سيشمل القصاص أولًا، ثم جزاًء عادلاً لفترة الألم التي عاشها المظلوم يعانى فيها من وجع الظلم ثانيًا، ثم جزاءً يشمل تفضيله عدم الانتقام وأخذه بالثأر من المظلوم وتفويض الله في ذلك ثالثًا، ثم جزاءً يشمل أنه لم يرتكب الظلم أبدًا في حق عباده من قبل بل كان يكرهه ويُبشعه ويرفضه إن أصاب غيره رابعًا، ثم جزاءً عن يقينه بأن الله حتمًا سيَرُدُ إليه حقه، وسيُعلى من كلمته يوماً ما.
 
 فجزاؤه بغير حساب وعلى قدر مساوٍ لما وجد من صعاب. 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة